الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غريب لن تشتم رائحة مقتله

امتياز المغربي

2006 / 4 / 20
الادب والفن


عندما تعصف بك امواج الذكريات ،تبحث عن ما يساندك لكي تعيش في ظلالها ،تبحث عن صديق فلا تجده ،وتبحث عن خليل فتكتشف بانه لم يصبح حتى عملة نادرة في هذا الزمن ،وتبحث عن صدر حنون فتجده لم يعد من اختراعات اليوم ،تتجه نحو ركن بعيد في احدى المقاهي العامة ذات الطابع الاسطوري في ديكورات المكان ولغة الألوان ،حينها تسترخي تحس بامتلاك جسدك ،وبهدوء زوبعة افكارك ،فتنجح بتخطي العزلة بالايعاز الى يدك ان تتجه الى احدى جيوب الجاكيت لكي تخرج علبة الدخان ،وتبداء باشعال نفسك بدون ان يشتم احد ما رائحة مقتلك.

تخرج السجارة الاولى ،وتبدا في رحلة الالف ميل التي تريحك من وجع الالم الذي لا زال ينزف رغم استخدامك لكل الادوية ،ولكن بلا فائدة فمن يمتلك الاحساس والذوق والحس المرهف لا يمكن ان يكون بمواصفات الالة التي تعيش بكبسة زر ،وتموت بكبسة زر اخرى اصغر منها في الحجم .

تحترق اكثر مع السيجارة الثانية ،وتصل الى عمق في الفكرة الاولى وتتجه نحو عمق بعيد لا يصل اليه سواك ،وتجد نفسك تدخل في معابد زمنك القديم ،انت وحدك ،وبرفقة اناس غادروك ،وتركو لك قلبا يعاني من الموت المنتظر من على شبابيك هروبك الى اللاشي الى اللامكان الى ابعد مافي الامكان .

و مع السيجارة الثالثة ،تصل الى انك انت ،انت وحدك من دفع ثمن الاخلاص والعطاء والامان والحب والوفاء لكل من حولك بدون طلب شيكات موقعة ،فانت اكتفيت بنظرات صدق مزورة متوجه بالخيانة التي لم تشاهدها عيناك ،فانت ،انت لم ترها ،لانك انسان لا نجد في قاموسه معنى للخيانة ،فكيف اذن ستراها؟

ومع السيجارة الرابعة ،تبحر مع الالم الرابع في قلبك المكسور ،وانفاسك المترهلة ،وسعالك المستمر ،ونظراتك التائهة ،فهي لا ترى شيء ،لا ترى سوى ألوان محددة ،قد لا تعود باي صلة للمكان ،الذي يحتويك ،فتصبح انت ملك على نفسك التي لم تسمح لها بالتحدث اليك منذ زمن طويل.

و مع السيجارة الخامسة ،تتوه في بحر ذكرياتك ،وتعصف بك امواج تقتلك في كل نظرة ،تغزو نفسك ،تدمرك ،تحيلك الى جسد لا يعرف معنى الحراك ،ولا يتواصل مع زمن يحيط به من كل اتجاه ،وانت ،انت تبحث عن مخرج لكي تعود متمردا على نفسك ،وذكرياتك ،فلا تستطيع ،وتبقى في عمق البركان المتاجج ،تتوجع ،تضيع ،تصغر اكثر ،وتطير اكثر ،تبحث عن قارب نجاة ،فلا تجد سوى الغرق ،الذي يحاصرك من كل اتجاه.

ومع السيجارة السادسة ،تكرر المحاولة في بحر دخانك المتصاعد ،لا ترى سوى الألوان الرمادية ،هاجرتك بقية الألوان ،لم تعد ترى ذكرياتك الا من خلال اللون الرمادي ،وتنقلب الوجوه الى خيالات شيطانية ،وعدوانية ،تحيلك الى مجنون يحاكي نفسه في زاوية المكان ،ويحاول ان يبتعد عن اللامكان ،والعودة الى الحياة ،التي لا تبتعد سوى نصف متر عن طاولتك المنزوية.

و مع السيجارة السابعة ،تكون كل قواك قد تحطمت على صخرة الفشل في محاولة الابتعاد عن الضياع في الذكريات عن الصعود الى القاع المتهاوي عن السقوط على قمة الالم ،و براكين الذكريات المهترئة.

و مع السيجارة الثامنة ،تبدأ في تعديل جلستك من جديد ،وتعود الى الحياة ،تعود الى الألوان ،تعود الى التنفس الاعتيادي ،وتعود مرة اخرى بدون قلب ،بدون احساس ،بدون أية مشاعر ،بدون ان تحتاج الى كبسة زر ،فقط كل ما عليك ان تعتدل في جلستك المترهلة.

و مع السيجارة الاخيرة ،تلملم ما تبعثر لديك على طاولة ذكرياتك من جراح نازفة ،و تبدأ من جديد في خوض مخاض الحياة ،الذي لا يسفر الا عن اعلان موت قلب في زمن يرسم بنبض الحياة ،و تعاود استخدام كل المعاملات التي من شأنها ان تعيدك الى مواصلة الحياة في ظل موتك اليومي ،لكي تكون في بحر من الضياع تدخله بقدميك و تسير فيه بكل اصرار ،لانك لم تعد انسان من هذا الزمان بعد ان قتلتك نكبات الزمن ،فاصبحت انسان يعيش الى جانب سيجارة هكذا رسمتك الصورة داخل اطارها الحديدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر