الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانوثة والذكورة في عالم السرديات العربية

احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)

2019 / 2 / 2
الادب والفن



يمنحنا عالم السرد رؤية في متاهات الخيال ودروب الحكاية متعة تنم عن وقائع حقيقية ومتخيلة يسكب عليها الروائي العربي ألوان من السرد والوصف. ويلف هذا العالم بخيوط دقيقة ومعبرة في أزمنة وأمكنة من العالم العربي . من القاهرة وأحيائها ومن بغداد وشوارعها وطنجة وأزقتها والخرطوم ودمشق وبيروت . حكايات من عبق التاريخ والتراث عن الرجل العربي والمرأة في عالم يأبى أن يصف ذاته من دون بوصلة الروائي وما يرمي إليه من أهداف الحكاية . تعلو الحكاية وتتجاوز صوت الروائي وتعبر الشخصيات عن قيمة الفعل الإنساني ومرامي الإنسان في عوالم مختلفة . في البادية والمدينة وفي المهجر والبحر. ومن علاقة السرد بالمسرود يتجلى الفرق بين الرواية العربية الحديثة والمعاصرة في الشكل والمضمون وفي القيم الجديدة التي نالت نصيبها في المحكيات العربية. ومن يقرأ في سرديات الروايات العربية يدرك صورة الرجل والمرأة في مرآة الرواية .علاقة تفاعل وتجاذب وصراع بين الذكورة والأنوثة من رموزها أبطال من أزمنة متباينة . البطل هنا يرمز للعصر والقيم السائدة وللفحولة والفتوة التي ترمي للقول في حيثيات الفكر المهيمن من زمن الأمس .وللسلطة الأبوية من مجتمع لازال في مرحلة تقليدية وترسبات إقطاعية. نظام السلطة الأبوية والعلاقة الميكانيكية في مجتمع يهيمن عليه الأب وتسود فيه قيم الطاعة والانضباط . فالمرأة العربية صورة من هذا العالم الذي تتطابق فيه القواعد المرسومة سلفا وبنية المجتمع الذهنية . قواعد ثابتة في القيادة والتدبير لأمور الحياة الاجتماعية والسياسية. وثقافة متجذرة في الوعي العربي وعميقة في اللاوعي . صورة أبدع في تقديمها نجيب محفوظ في روايته الثلاثية وغيرها من الروايات. شخصية احمد عبد الجواد الرجل العربي المزدوج في وجدانه وعلاقته خارج الأسرة وداخلها. وشخصية الرجل صاحب الأمر والنهي والكلمة المسموعة في البيت ورجل لا ينطق أمامه الكل إلا عندما يأمر بذلك. وخارج البيت رجل المجون والسهرات في أماكن الإنس والرقص . يعود للبيت في نشوة ومتعة من ليالي السهر ويجد في انتظاره زوجته أمينة أم الأبناء وتناديه دائما "سي سيد" . يملك الرجل العربي بهذه المواصفات خطابين الأول موجه للذات في مونولوج خاص بينه وبين ذاته من القوة والسلطة والهيمنة والإحساس بالذكورة في محيطه الأسري . وخطاب للآخر في غمار العلاقة الحميمية والجنسية في بيوت السهر .هل يعني أن الرجل العربي انعكاس للثقافة والقيم المغروسة في الشعور واللاشعور؟ وهل يعني أن احمد عبد الجواد نموذج للرجل العربي وصورة متطابقة أم الصورة فقط في ذهن ما يرمي إليه الروائي نجيب محفوظ ؟ وهل يمكن القول أن الصورة ما هي إلا تصوير فني في قالب إبداعي يروم فيه نجيب محفوظ خلخلة ثوابت المجتمع المصري وتقديم صورة مبالغ فيها عن الرجل العربي. والأمر لا يعدو أن يكون سوى رسالة في تغيير أحوال المجتمع حتى يستقيم في تبني الحداثة والتغيير ؟ شهريار العربي في قلب الحكاية لا يستسيغ وجود النساء لأكثر من مدة معينة ولذلك كتبت المرأة العربية في عشقها للكتابة وحنينها لإيصال الصوت الأنثوي . كتبت المرأة العربية من اجل إسماع صوتها وليست الكتابة ضد الرجل وأرادت بالفعل تذويب عنف شهريار في عسل الحكاية من صوت شهرزاد حتى ينام هادئا في حلاوة العسل ويستفيق على صوت أنثوي ويتمنى أن تطول الحكاية وهكذا يمكن ترويض شهريار حتى يستأنس بالصوت الأنثوي دون إقدامه على أفعال إجرامية فيقضي على جوهر العلاقة بين الأنوثة والذكورة . بدأت المرأة تحكي من توتر العلاقة لإعادة الدفء واستقامة الفعل بين الرجل والمرأة في العالم العربي . رضوى عاشور وفاتحة مرشيد وغادة السمان وليلى بلعبكي ونوال السعداوي وبثينة خضر مكي وبثينة العيسى وزينب حنفي أصوات نسائية عربية في تقليب صفحات التاريخ بين الأمس واليوم لإعادة الكتابة . وتذكير شهريار أن صيحة المرأة العربية نداء من اجل الحقيقة وإسماع صوتها دون أن تكون أهدافها تقويض مكانة الرجل أو التهوين من هيبته. عالم الفحولة والفتوة أرسى دعائم للقوة وهيمنة الذكورة في التربية وفي الكبح الذي يطال الأنثى. ليلى بعلبكي كتبت عن المرأة وتمردها في رواية " أنا أحيا " في تمرد لينا فياض على التقاليد والعادات وعن شهريار العربي النائم في عسل السلطة وحلاوة التسلط . التمرد على المدرس والأب والأخ وصاحب المعمل وكل رجل يقود مؤسسة ما . وكان للأفكار الوجودية في الخمسينات تأثيرا كبيرا في الشباب التواق للحرية والتحرر في مجتمع عربي يرفض أن تكون المرأة شريكا قويا إلى جانب الرجل. وما أشبه الأمس باليوم .ظلت المرأة العربية تحارب بكل جرأة شخصية احمد عبد الجواد وشهريار العنيف للحكاية عن همسات المرأة في أذن الرجل لإخراج نفسه من متاهة السلطة والتمركز على الذات . الحياة لا تستقيم إلا بالوحدة بين الأنوثة والذكورة في تبادل الأدوار والوظائف وإرساء مجتمع متوازن من المساواة بين الجنسين . وتكريم المرأة بكل الوسائل وتهذيبها وفق ما ترسمه القيم النبيلة في ثقافتنا والثقافة الكونية. من مصر تصارع نوال السعداوي القيم الذكورية وتكشف عن الوجه الحقيقي للرجل العربي وتقول إن الرجل العربي واحد . وانه نتاج للقيم الذكورية في نزعته المعروفة في إرغام المرأة على تلبية نزواته وأهوائه . تحكي السعداوي من يوميات المرأة ومن أخبار الناس ومن ميدان الطب النفسي والالتقاء المباشر بالمرأة .وتعلمها القول في صميم الموضوع عن الرفض والامتناع وإجبار الرجل على الاعتراف بأخطائه وعنفه. تقول نوال السعداوي أنها امرأة محترمة في بلاد العالم . في الدول التي لا تعاني مركب نقص بين الرجل والمرأة . في الدول العلمانية والديمقراطية وتعاني في بلدها وباقي البلدان العربية من الضيق وعدم الفهم والإساءة وهي تعترف بشيء واحد أن اغلب الناس لا يقرؤون كتبها وأنها ضحية عقليات رجعية ومتخلفة . سحر خليفة من فلسطين وبثينة العيسى من الكويت ... فالكتابة النسائية تحكي عن وقائع اليوم والأمس . والكتابة المعاصرة من زمن السرديات العربية أصبحت بالفعل أكثر بعدا عن الفحولة الميالة للشهامة ومواصفات البطل الواحد حيث أصبحت الرواية بلا ضفاف وعالم يهيم بالتاريخ والتراث وإعادة النظر في اختلال العلاقات الاجتماعية والإنسانية . من أمثلة الشباب العربي ربيع جابر من لبنان وعشق الحكاية من بيروت وأزمة الإنسان العربي من التاريخ القريب والبعيد . وحكاية سعود السنعوسي في إنصاف الغير البعيد الذي يسكن في أوطاننا من دون تجريم علاقة زوجية شرعية بين الأنا والأخر في راويته " ساق البامبو " وروايات أخرى من السرديات المعاصرة في ميلها نحو الخيال والتخيل وافتراض شخصيات دون أن تكون النهاية حتمية .
العالم العربي في حاجة لاستقامة العلاقة بين الأنوثة والذكورة .وفي رغبة أكيدة للتجاوز وبناء سيكولوجية متوازنة بين الرجل والمرأة لأجل حياة مشتركة ينمحي في طياتها نزوع الفرد للتفرد والتسلط وإيجاد البدائل المفيدة عن التغليف والتحنيط وقولبة عالم الأنوثة . ومن نجيب محفوظ إلى صنع الله إبراهيم في راوية " ذات " حكاية المرأة المصرية المكافحة والمناضلة في زمن صعب. تلك المرأة العنيدة في صبرها وطموحها. نقيض صورة أمينة الطيبة والخنوعة زوجة احمد عبد الجواد . فالمرأة العربية كذلك في رواية ربيع جابر " أمارتا " التي سافرت للبحث عن زوجها التي تركها وهاجر للولايات المتحدة وظلت المرأة تنظره في العودة من جديد وبناء حياة مشتركة إلا أن صبرها نفد وركبت الباخرة في سفر طويل من لبنان إلى الولايات المتحدة .هنا تتعرف المرأة العربية على خبايا الحياة في بلاد المهجر والصورة الواقعية للعيش في البلاد البعيدة .وحالة المغتربين في طرق عيشهم . لم يكن زوجها إلا رجلا سافلا ومنحط الأخلاق وعديم المروءة والنخوة. تركها بالفعل وتزوج من أمريكية . قمة الخنوع والجشع لكن الحياة التي يصورها ربيع جابر في سردياته طويلة في مدة زمنية تقرب من ثمانين عاما حيث تزوجت "أمارتا " من رجل آخر وعاشت بقية حياتها . إبراهيم الكوني الروائي الليبي في عشقه للصحراء وسحر الطبيعة يشير في أكثر من رواية إلى نساء الصحراء وعشقهن للحرية . زهور الرتم .حسناوات يعشقن الشعر ويفضلن الشعراء وليس في الصحراء توتر بين عالم الذكورة والأنوثة . تصبح العلاقة مبنية في تبادل الوظائف والأدوار . يبدو أن الروائي العربي يدرك بالتمام أن ثنائية التقابل بين الأنوثة والذكورة من الفكر الماضي وان الدمج بين العالمين أصبح من أولويات العلاقات الإنسانية الجديدة في سرديات اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع


.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية




.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما