الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مسرح الجُرن..والتنمية الثقافية المنشودة
أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)
2019 / 2 / 3
الادب والفن
يُقدِّمُ المخرج المصري أحمد إسماعيل في مشروعه المسرحي المعروف باسم"مسرح الجرن"، الذي تتبنّى عروضه الهيئة العامة لقصورالثقافة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، يُقدِّمُ تجربة فنية لافتة، تسعى إلى إيجاد علاقة حيّة بين الممثل والجمهور، متجاوزة حدَّ التعليم أو التنوير، إلى اتخاذ موقف راديكالي من المواضعات السائدة، مؤكِّدًة حيوية التجذُّرِ والانتماء المجتمعي، وراهنية الأسئلة التي يطرحها وجوده الإنساني، بحوار فاعل ومُثمر بين تياراته الطليعية والإصلاحية المُهمَّشة، في مواجهة الأحادية الفكرية والدوجمائية الأخلاقية؛ ومن ثَمَّ إرساء البديل التعدُّدي القائم على المثاقفة والاعتراف بالآخر وبحقه في التمايُز والاختلاف. لهذا ينطلق في دراسته المعنونة باسم"رؤية للتنمية الثقافية في الريف المصري- مشروع مسرح الجرن نموذجًا" من مفهوم للتنمية الثقافية يَعُدُّها"عملية منهجية متكاملة تقوم على الإمكانات الأصيلة في الأفراد والجماعات والواقع؛ لتنمية القدرة العقلية والوجدانية إبداعيًّا وفكريًّا ونقديًّا، ولتجسيد وتمثّلِ حُزمة من القيم والأهداف"، مُضيفًا:"لعل أهمَّها؛ تعزيز الانتماء للوطن وللعروبة وللإنسانية، وتنمية الإبداع العام،وتكريس أهمية العمل الجماعي وتطوير آلياته، وإعلاء قيمة التسامح، واحترام الرأي الآخر، ودحض وهم امتلاك الحقيقة المطلقة"، مُشدِّدًا على دورها في"تجفيف منابع الفكر المتطرف الذي ينطلق من الإرهاب بأشكاله المعنوية والمادية كافة". وبذلك يُثمِّنُ مخرجنا القديرقيمة الانتماء إلى عالمٍ غنيٍّ بعلاقاته الاجتماعية، وبصلاته الجيلية؛ بما يُتيح للأفراد فرص تطوير ذواتهم وهُوياتهم والتعبير عنها بحرية، والتعايش مع الثقافات الأخرى بودٍّ وتسامح، ومَوْقعَةِ روابطه الإنسانية في إطار الشخصية التاريخية للإنسان المعاصر من دون إكراه ولا قسر. وهنا يَلفت أحمد إسماعيل نظرنا إلى وضعية الريف المصري"المُمثّلة لأكثر من نصف السكان، وقيمه الغالبة على النصف الثاني، وخلوه من أي نشاط ثقافي، باستثناء بعض الهياكل الفارغة المحتوى النادرة العدد كبيوت الثقافة"، مؤكِّدًا أن"هذا الريف أكثر احتياجًا لهذه التنمية". الأمر الذي يتعين معه أنْ يمتلك جميع الأفراد دولتهم، وأن يتمتعوا بنصيبهم من الموارد والدعم الحكومي، ويُوجِبُ على وسائل الإعلام إبراز التركيبة الثقافية التعددية للمجتمع الأشمل؛ بحيث نطّلع على مصادرها، وندخل معها في حوار نقدي يُضيء مواقفها المختلفة، من خلال نظرية أعمق وأغنى للحرية؛ بما يُوفِّر الأرضية الآمنة والضرورية لتطوير قدرة المجتمع على الاختيار. لهذا رأى بحقٍّ أن"الريف المصري يُمثّل التحدي الأكبر في إقامة نهضة شاملة؛ لما يتعرض له من إشكاليات حادّة بين القديم والحديث الوافد" في عدم الاتساق" في معظم مناحي الحياة؛ بدءًا من الأفكار والقيم، مرورًا بأنماط الإنتاج ووسائله، وانتهاء بالمنتجات المتداولة في الحياة اليومية، والتي هي- في معظمها- إنتاج خارجي"، مُنبِّهًا إلى أن الريف" يشهد- في إطار المجتمع- أكبر عملية استلاب للعقل،وغياب للتخطيط، وإهدار للموارد البشرية والطبيعية". وهنا يُحيلنا أحمد إسماعيل إلى قضية إخفاق المشروع التحديثي الوطني في حلِّ المسألة الزراعية، وعجز سياساته الاقتصادية- الاجتماعية عن مأسسة الجزء الأكبرمن حياة سكان الريف ونشاطاتهم وعلاقاتهم. ومن ثَمَّ؛ نشأت فجوة عميقة بين عوالم منفصلة للنخب الأكثر حداثة وللجماهير المنحدرة من ثقافة ريفية، أفضت إلى انقسامات وتوترات اجتماعية- اقتصادية- سيكولوجية بدتْ مصادرَ للاضطراب وعوائقَ في وجه بناء فعّال للأمة. وبذلك أدرك مخرجنا الكبير"أهمية النشاطات الثقافية والأدبية والفنية والفكرية، ودورها في معالجة هذه الدوافع/المنابع لظاهرة العنف والإرهاب، والحدّ منها إنْ لم تُجفّفْها"، وأن هناك"تفاعلًا ضروريًّا- بطبيعة الحال- بين الثقافة الشعبية وثقافة النخبة"؛ بحسبانه"أساسًا منهجيًّا لتحقيق الرؤية التي تستند إليها التنمية الثقافية المنشودة، كما يتجلى ذلك في"مشروع مسرح الجرن للتنمية الثقافية.. وبناء المسارح المكشوفة". وعلى هذا النحو،عملَ المخرج أحمد إسماعيل عبر محاور مشروعه الثلاثة في خمس قرى(2007-2008،2009-2010، مع تلاميذ المرحلة الإعدادية)، ثم(مع الكبار في هذه القرى ذاتها،وإن كان مؤجلًا إلى حين بناء المسارح المفتوحة التي تُمثّل المحور الثالث) عملَ على تعزيز الطموح إلى تأسيس نهضة شاملة تُغطّي قرانا المصرية الألف على امتداد وطننا بحيزه الجغرافي المترامي الأطراف؛ بحيث يُمسي " كلٌّ منها مركزًا للتنوير في مجالات الآداب والفنون"على حدِّ تعبيره في الكتاب التوثيقي الذي أصدرته"الهيئة العامة لقصور الثقافة"بعنوان"مسرح الجرن- حصاد المرحلة الثانية 2009- 2010، من إعداد وتحرير:عماد مطاوع، الذي يُزيح فيه النقاب عن"مستوى تفعيل كل نشاط من الأنشطة السبعة المتوخاة(القصة- الشعر- جمْع حكايات القرية- الألعاب الشعبية -الأغاني الشعبية- الفنون التشكيلية- التجربة المسرحية)، ونوع الإشكاليات التربوية والثقافية والنوعية، وكيفية التطوير في المرحلة التالية". وجرت الاستعانة"بأدباء وفناني كل محافظة بالتعاون مع مدرسي المدارس الإعدادية، في حصة نشاط متاحة لجميع تلاميذ المدرسة، في الفترة الزمنية الممتدة للفسحة (ساعة في اليوم)، ولمدة ست عشرة ساعة لكل نشاط، وبمنهاج يقوم على تنمية الإبداع وتعزيز الانتماء؛ لتحقيق البهجة وإنماء الحوار واحترام الرأي الآخر، ومعالجة التعصب الفكري والتطرف واجتثاثهما من الجذور". غير أن كلَّ نشاطٍ من أنشطة التنمية الثقافية لمسرح الجرن، لم يُترَكْ للصدفة العمياء تقوده أنَّى شاءت، بل خضع لإشراف مركزي من قِبل"أديب كبير أو فنان متميز في مجال التخصص، وفي كل المواقع مجموعة من كبار مخرجي الهيئة العامة لقصور الثقافة والمسرح المصري". ولا شكَّ أن هذه التجربة تُعَدُّ امتدادًا لتجربة المخرج أحمد إسماعيل المسرحية السابقة في"شبرابخوم"عام 1973وتطويرًا لها، واضعًا نصب عينيْه"الثقافة الشعبية أساسًا ومنطلقًا، مع الاستفادة- والجدل بداهة- مع الثقافة الرسمية/ثقافة النخبة عالمية الطابَع والماهية"حسب ما يذهب إليه؛ نشدانًا"لمساحات أوسع من التفاعل الثقافي بين عموم الناس الذين يروْن أنفسهم وذواتهم وحيواتهم في هذه الثقافة؛ وحتى تقوم الثقافة في هذه الحالة بدورها المنوط بها"على حدِّ تعبيره. بَيْدَ أنه أضاف إليها خطتيْن وتصوريْن جديديْن؛ يتعلق أولهما"ببناء مسارح مفتوحة في القرى الأم، وفق مدرسة العمارة البيئية للمهندس المصري العالمي حسن فتحي، مستوحاة من العمارة المحلية..البسيطة وقليلة التكلفة، ولكنها مهمة لإتاحة مُشاهَدةٍ جيدةٍ للعروض والاحتفالات بما تتسم به من زاوية الرؤية والاستماع التي تُوفّرها مدرجات الجمهور"؛ والآخر يتصل"بتنشيط إبداعات القرية للفئات العمرية الأكبر سنّا"، مؤمنًا بأن كل جيل يكتشف العالم بطريقة جديدة لرواية الحكاية، كما تكتسب الحكاية معنًى ومضمونًا مغايريْن يتناغمان وتطورَ العصر تاريخيًّا. غيرأنه أفاد في تجربته المسرحية هذه من دروس عديدة في تاريخ المسرح العالمي؛ أولها درس المخرج الروسي العظيم"كونستانتين ستانسلافسكي" و"مسرح الفن" الذي أنشأه، وإشارته إلى أن المخرج الذي يُريد لمسرحه أن يضطلع"برسالة ثقافية"(لابدَّ من أن تتوفَّر له معرفة متخصصة ودقيقة ومن مصادرها الأولى بكل عناصر المسرح من وجهات نظر الممثلين والمخرج والمنتج والإداري). كما أنصتَ إلى درس المسرح الملحمي عند "بيسكاتور" و"بريخت"،وتعرَّف إلى دوره في التعليم والتنوير، وأن المسرح لا يحفِلُ بالجمالي فحسب،بل يُزاوج الجمالي بالسياسي.. والثقافي بالاجتماعي؛ بوصفه قوة دافعة إلى التغيير والتقدّم، أو بتعبير بريخت "إن هدف الدراما هو أن تُعلّمَنا كيف نناضل ونظلَّ على قيد الحياة". كما وعى ما هدفَ إليه"بيتر بروك" في حديثه عن"مسرح المواجهة" عند تقديمه لمسرحيته"نحن- والولايات المتحدة" قائلًا: كنا نُريد من الممثلين أن يكشفوا كلَّ جانب من جوانب التناقض- رعب فيتنام والحياة المألوفة التي يحياها الفرد- حتى يستطيعوا في النهاية- بدلَ أنْ يُدينوا الجمهور أو يُواسوه- أن يكونوا ما افتُرضَ في الممثل دائمًا أن يكون: ممثل الجمهورالذي أُعِدَّ ودُرِّبَ كي يسبق المُشاهِدَ هابطًا في طريق يعرف المُشاهِد أنه طريقُه هو". لهذا خرج أحمد إسماعيل بمسرحه صوب الشوارع والمدارس والقرى والكفور والنجوع؛ باحثًا عن"الإبداع الجماعي" بوصفه "تدريبًا على البحث الخلّاق والفكر المبدع والتجسيد المبتكر، فضلًا عن تمثّل وترسيخ آليات العمل الجماعي"وفق تعبيره. لكنه لم يجدْ من يؤازره ويشدّ على يده" فتوقّف كل شيء؛ النشاط وحركة تخصيص أراضٍ أخرى في قرى أخرى وإجراءات بناء المسرح الأول"على حدِّ قوله، مُتابعًا:"توقّف كل ذلك مع بداية حكم الإخوان في يولية 2012، وذلك على يد سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة في ذلك الوقت، ومحمد كشيك رئيس الإدارة المركزية المختصة، ولم يستطعْ- أو لم يرغبْ- كلٌّ من الوزير شاكر عبد الحميد والوزير صابر عرب والوزير عبد الواحد النبوي، في أنْ يُعيدوا المشروع إلى العمل"، على الرغم من نجاحاته البادية للعيان في تغيير كثير من المفاهيم المغلوطة والمنحرفة التي تُشوِّه الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفكرية وتُحرِّم الفن وتُؤثّم الفنانين، المنتشرة لدى عددٍ لا يُستهان به من المدرسين وتلاميذ المدارس ضحايا الفكر الظلامي الإرهابي، والارتقاء بوعيهم إلى ما فوق مستوى الوعي الديني والإثني وسواه من أشكال الوعي الطائفي أو المذهبي، وتزويدهم بهدف دائم لاشخصاني للإخلاص وللولاء، وتوسيع مدى تعاطفهم الأخلاقي، وخلق شعور مشترك بالمواطنة، وإيجاد حيزٍ للفعل الجمعي، وهو ما شهدَ به عديد من الكُتَّاب، وكان محلَّ إشادة وتقدير من المؤتمر القومي للمسرح، ومؤتمر الثقافة في المواجهة. عندئذٍ تعدَّدَت المطالبات بعودته، فتحمَّس د.سيد خطاب رئيس مجلس إدارة الهيئة السابق للمشروع، وقرَّر إعادته إلى الحياة مرَّة أخرى، ولكن بميزانية ضئيلة تُغطي بالكاد ثماني مدارس أساسية، وأربع وعشرين مدرسة فرعية، فهل تدعم وزارة الثقافة مشروع التنمية المسرحية هذا،الذي كان دافعًا يومًا "لالتفاف أهالي شبرابخوم حول التجربة واعتبارها برلمانًا للقرية، وإسهامهم في بناء مسرح بالمجهود الذاتي، ومشاركة الفتيات والسيدات في عروضه، وخلو القرية من أي مظاهر للتطرف الفكري والعنف، فضلًا عن الخصوصية الدرامية/الهوية" كما يقول المخرج أحمد إسماعيل صاحب فكرة المشروع،والمشرف الفني العام؟ لذا طالبَ المخرج المسرحي أحمد إسماعيل بإقالة وزير الثقافة الأسبق د.محمد صابر عرب في الجلسة الأولى لمؤتمر"ثقافة مصر في المواجهة"، وأن تكون أولى توصياته؛ نظرًا إلى تناقض تصريحاته وتضاربها حول أهمية التواصل بين محوري التعليم والثقافة، وعقده بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم، في الوقت الذي نشهد فيه تجريفًا حادًّا لدور قصور الثقافة، وتراجعه عن وعده الذي قطعه على نفسه باستئناف مشروع مسرح الجرن بعدما جمَّدته الوزارة، على الرغم من تأكيده أن هذا المشروع هو المشروع الوحيد الذي ينشغل بالتنمية الثقافية في القرى. ويُضيف: "إنني أحلم بأنْ تتبنَّى كل الدول العربية مشروع مسرح الجُرن؛ ليعمَّ الفنُّ ويقفَ بقوةٍ أمام مَنْ يحمل السلاح". ثمَّ يستدرك فيقول: "بالمناسبة، الجُرن هو مكان تجميع الغلال في الهواء الطلق حتى يكونَ المسرح في الأماكن الواسعة، ومن دون تذاكر، وينطلق البشر يُعبِّرون عن أفكارهم وأحلامهم وجمال الحياة، ويتعلمون الديمقراطية أيضًا". لهذا أغرت هذه التجرِبة المسرحية المهمَّة الباحثة "كريمة أحمد محمود أبو حجيج" بإنجاز أطروحة دكتوراه بعنوان "دور مشروع التنمية الثقافية والفنية في الريف المصري والمسارح المكشوفة في التنمية الثقافية لطفل القرية"، نوقشت في قسم الإعلام وثقافة الطفل بمعهد الدراسات العليا للطفولة – جامعة عين شمس، موصية في نهايتها بعد تحليل المشروع ودراسته، والوقوف على أهم مراحله، بضرورة الاستمرار في هذا المشروع وتوسعته، ومدِّه بإمكانات أكبر، وتسليط الضوء الإعلامي عليه، متمنية إزالة العراقيل من طريقه، كما حدثَ وعطلوه من قبل لأربع سنوات كاملة. ألا يُوفّرهذا المشروع مساحة للاستقلالية الفردية والحرية الثقافية، تحكمها معايير العقلانية والمساءلة النقدية ؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-???? لما لبلبة مشيت في الشارع
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة