الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحوى يا وحوى

محمد عبد المنعم الراوى

2019 / 2 / 8
الادب والفن


وحوى يا وحوى


ما زال عوض مصراً على عدم ترك صناعة الفوانيس التى تعلمها على يد أبيه منذ كان طفلاً لم يتجاوز الخمسة أعوام..فى نفس الدكان الصغير القديم الذى يقع وسط حارة من حارات مصر القديمة..حاول أن يجذب ابنه الصغير ليجلس بجانبه وهو يقوم بصناعة الفوانيس لعله يتعلمها كما تعلمها هو عن أبيه..وكما تعلمها أبوه أيضاً عن أبيه..غير أن زوجته كانت تقف فى وجهه لتحجب الطفل عنه..لأنها غير راضية عن تعلمه تلك الصنعة التى عفى عليها الزمن وباتت تجلب الفقر.. كما أنها لا تليق بمستقبل أفضل لذلك الصغير الوحيد الذى تتمناه من الدنيا على حد قولها..
يضرب عوض كفاً بكف محاولاً إقناع زوجته بقيمة صنعته التى ورثها أباً عن جد:
ـ الصنعة دى مش أى صنعة..دى فن..وبنشتغلها بمزاج من زمان قوى
فصرخت أم تامر فى وجهه:
ـ يا شيخ حرام عليك ..مش كفاية الفقر اللى معيشنا فيه..كمان عاوز تفقر الواد معاك..انت إيه ما بتحرمش!
هرب عوض من وجهها حتى لا يسمع بقية الموشح القديم الجديد..أخذ يتجول فى شوارع وحارات الحى..يتأمل الفوانيس المعلقة أمام المحلات..فوانيس صينية تغطى الواجهات..تطغى على تلك الفوانيس المعدنية القليلة التى اعتاد على صناعتها..الناس تتكالب على شراء الفوانيس الصينية ..تجذبهم بأنوارها وأصواتها..تحاول إقناعهم بأنها كائنات حية..
الفانوس المعدنى الذى تفنن فى صناعته بعيداً يتدلى من رقبته بحبل ..لا يصدر صوتاً ..كأن الناس جميعاً قد نفذوا فيه حكماً بالإعدام شنقاً.
شعر عوض بأسى على هذا الفانوس الذى كان كل الناس صغارهم وكبارهم يحتفون به سنين طويلة..حين كانوا يضعون فى قلبه الشموع الملونة ويضيئونها..ويحملونه بأطراف أصابعهم ويأرجحونه فى الهواء مغنين له:
وحوى يا وحوى.
كتم عوض صرخاته التى تمنى أن يطلقها فى وجه هؤلاء الذين لا يقدرون فناً فنى هو وأجداده فى إتقانه..لكنه أصر على أن يتحدى بمفرده تقلبات الزمن وزوجته وكل صينى تسبب فى انقطاع رزقه..
توجه نحو الدكان..فتح بابه الخشبى على مصراعيه..افترش الأرض..أسند ظهره على الحائط الرطب المتهالك..استلهم روح أبيه وجده ليصمم ويصنع فانوساً معدنياً جديداً قادراً على جذب الناس جميعاً إليه من جديد.
جلس على الأرض ليقوم بتصميم وصناعة فانوسه الجديد..لعله يلقى قبولا..فيبدل حاله بعد كل تلك السنوات العجاف التى سببها ذلك الفانوس الصينى اللعين..قبض بيده على المقص المعدنى الصلب..ظل يقص الصاج المعدنى شرائح ذات أطوال متناسقة..قام بثنى الشرائح..أعد الزجاج..حوله أشكالاً هندسية متنوعة..مربعات..مثلثات..دوائر..نجوم.. لونها بالأحمر والأخضر والأصفر والأزرق..
ثم قام بتعشيق القطع الزجاجية ..كل قطعة استقرت داخل إطاراها المعدنى..ظل يلحم القطع بالقصدير..بحيث يقابل كل شكلٍ نظيره فى اللون والشكل الهندسى..أخيراً اكتمل الفانوس وفق التصميم الأندلسى البديع الذى أعده سلفاً.
نهض عوض رافعاً الفانوس بيديه..ينظر إليه بإعجاب..يتأمل شكله الجديد ..حمله برفق بين أحضانه..انطلق لبيته..دق الباب بيد..وخبأ الفانوس خلف ظهره بيده الأخرى..دخل على زوجته وابنه..فتحت أم تامر الباب..نظرت إليه بامتعاض..عادت لجلستها على الكنبة واضعةً يدها على خدها..تامر ظل قابعاً فى الركن..علا بكاؤه عند رؤية أبيه..توجه إليه عوض ماسحاً خده:
ـ مالك يا حبيبى..بتعيط ليه؟!
عاجلته زوجته بغيظ:
ـ نفسه فى فانوس جديد.. زى بقية العيال.
وجدها عوض فرصة ليثبت أنها كانت مخطئة فى نظرتها واتهامها له..وأنه كان ولا يزال على حق..الآن ستتغير نظرتها..ستعترف أنها تزوجت فناناً ابن فنان..
أخرج الفانوس من خلف ظهره كالحاوى..أمسكه بطرف إصبعيه من الحلقة..أخذ يؤرجحه فى وجه زوجته وتامر وهو يشعر بالزهو قائلاً:
ـ ها ايه رأيكم فى المفاجأة دى؟!
أشاحت أم تامر بوجهها مع مزيد من الامتعاض:
ـ يا ما جاب الغراب لأمه!
انتفض تامر صارخا يضرب الأرض بقدميه:
ـ ما ليش دعوة ..أنا عاوز فانوس بيتكلم..زى بتاع الواد سامح!
عاجله عوض:
ـ ما الفانوس ده كمان يا حبيبى ممكن يتكلم.
ـ لا يا خويا انت بتضحك عليّا!
ـ طب انت امسكه كده..وأقف بيه فى وسط الأوضة..وادعكه بإيدك.
التفتت أم تامر لعوض وهى تفتح فمها وتحدق فيه بعينيها وتشير:
ـ الراجل اتجنن!
تناول تامر الفانوس محاولاً تصديق أبيه..انطلق عوض مختبئاً خلف الستار..بدأ تامر يدعك الفانوس بحماسة..فأجابه عوض على الفور مغيراً نبرة صوته:
ـ ها.. ها ..ها.. شبيك لبيك تطلب ايه؟!
انطلقت ضحكات متواصلة من تامر بعد طول صراخ..فأسرع فى طلبه قبل أن يغير العفريت رأيه:
ـ عاوز فانوس صينى!

تمت
محمد عبد المنعم الراوى
01140977997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى