الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من مرشد إلى طريق مصر الجديد؟

أمنية طلعت

2006 / 4 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ربما لم أمر بوقت عصيب في حياتي مثل تلك الأيام التي نعيشها، والتي لا أجد لها توصيفا غير أنها أيام سوداء على مصر وكل مصري لديه إحساس ولو بسيط بحب تلك البلد التي تخطت الأزمنة لتبقى رغم كل صروف الزمان التي مرت عليها، ورغم كل اللعب والتشويه الذي شهده تاريخها ورغم كل المر والحنظل الذي ذاقه شعبها من حكامهم ومستعمريهم، لكنها الآن تعاني من مصيبة ربما لم تشهدها من قبل ألا وهي أن أولادها يأكلون بعضهم بعضا...نعم نحن المصريون نأكل بعضنا بعضا ومهما فعل أعقل العقلاء كي يربط زمام نفسه ويضبط إيقاع أعصابه حتى لا ينفلت، لا يستطيع في النهاية، ليقع في الخرف والترهات التي لا أول ولا آخر لها ليجلس في نهاية اليوم يسب نفسه ويسب كل شئ حوله.
بدأت المصائب بحادثة الوفد المشينة، عندما تسلح الدكتور نعمان جمعة راميا وراء ظهره كل تاريخه المشرف في حرب 1956 وعمادته لكلية الحقوق والأجيال التي تربت قانونيا على يديه وخرجت واضعة إياه مثلا يحتذى به، خرج الدكتور نعمان جمعة غير عابئ بكل هذا التاريخ العظيم ليستخدم بواسطة مجموعة من البلطجية المأجورين الأسلحة ضد أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه، أي أكثر الناس قربا له في مصر كلها فكرا ونفسا قاتلا حتى الفراش المسكين الذي خدمه أكثر من عشرين عاما ثم حرق مقر حزبه محاكيا نيرون أو بالبلدي عاملا بالمثل القائل (فيها لأخفيها) ...كان مشهد واقعة الوفد محزن جدا بل قاتل، قضى على قدرتي على استنشاق الهواء السابح في الجو من حولي وأنا قابعة في منزل غربتي أمام شاشة التليفزيون أرى أهلي المصريين وزملائي الصحفيين يقتلون أمام عيني ولا أملك من أمرهم شيئا حيث تبعدني آلاف الأميال عنهم .
لم تندمل جراح قلبي من مشهد حادثة الوفد اللعينة وربما لن تندمل أبدا، لذا دعوني أقول لم تهدأ نفسي من تلك الحادثة حتى طل علينا رئيسنا المفدى (واللهي لا أدري إلى أين سيأخنا أبعد من ذلك في وادي الظلمات) عبر شاشة العربية الإخبارية وخرج ليقول بأن الشيعة العراقيين بل والعرب ولاءهم لإيران، هكذا وبكل بساطة أعلن مبارك عن إكتشافه الجهنمي وخرج ليقذف به في وجوهنا، متجاهلا تماما انه يواجه في مصر تيار شيعي يطالب بالإعتراف بمذهبه رسميا بعد طول تجاهل، ومتجاهلا دور مصر الكبير طوال التاريخ في نبذ الخلافات والاختلافات مصدرة قيمة واحدة ألا وهي العروبة أو على أقل تقدير الجوار والاشتراك في الهم والهدف الواحد، ضرب السيد مبارك عرض الحائط بقيمة مصر في ثانية عنترية واحدة أمام شاشة التليفزيون.
حينما شاهدت حواره الذي لم يبني بقدر ما خرب فيه، صرخت بعلو صوتي (يا نهار أسود) نعم لقد أضاف السيد مبارك يوما أسودا إضافيا على أيام مصر السودا التي تعيشها الآن ويعيشها كل أبناءها في كل مكان...أيقظ ذلك الحوار ألم جرح الوفد وزاد فتحته داخل نفسي فانحنت قامتي وأنا في بلاد الغربة، لا أدري ما الذي يمكن أن أفعله بعد ذلك؟ لقد تركت بلادي يوما ما فإذا بها تلاحقني حتى في منفاي الذي فرضته على نفسي حتى أستريح من الهم اليومي للآمال والأحلام المجهضة كل يوم ..فهل علي أن أذهب أبعد من ذلك؟ وإلى أين؟
تمر الأيام ولا أكاد أبصر نور الشمس حتى تطالعني أخبار الإعتداء الهمجي على كنائس الأسكندرية الأربعة وما تلاها من اعتصامات لمسيحيين مصر ومظاهرات ثم رفض البابا لمقابلة المسئولين الرسميين (حقه طبعا) ثم خروج الأقلام التي لا يمكن وصفها سوى بالغبية والتي تؤكد أن المسلمين في مصر مظلومين وأن المسيحيين يأخذون أكثر من حقهم وترد عليها أقلام مسيحية بأن العكس هو الذي يحدث ...ودون أن أبدي رأيي في الموضوع فالأمر برمته لا يثير سوى اشمئزازي من هذا الوطن الذي يتمزق ويتحول إلى أشلاء بأيدي أبنائه، فالمصريون نسوا أصلهم وتبنوا أفكار ومعتقدات الآخرين، فأصبح المسلم يتعصب ضد المسيحي والمسيحي لم يجد بدا من أن يرد بالمثل، لا بل أنه أصبح هناك سنة وشيعة وكل جانب ينكر صحة عقيدة الآخر، وضاعت مصر التي أعرفها منذ نعومة أظافري، ضاعت مصر القبطية ذات البعدين الإسلامي والمسيحي، مصر التي لم تكن تؤمن بالمذاهب بل الجميع مسلم ولا يوجد من يتحدث عن سنة ولا شيعة بل إن المصريين بعبقريتهم المفرطة وجمالهم وتسامحهم المتأصل في نفوسهم يعتبرون الشعب الوحيد الذي جمع بين السنة والشيعة في مزيج لا يوجد له مثيل في العالم، بل إنك ترى إسلام مسيحي ومسيحية إسلامية في أداء الناس وأسلوب عيشهم اليومي...تعبت من التحليل والتفسير ورمي اللوم على تيار أو جماعة أو مذهب، تعبت من كل ذلك وكل ما أرغب في معرفته الآن ..ما الذي حدث للكنانة...ما الذي حدث لأبناء الكنانة؟
لقد جرتني تلك الأحداث لموجة لا أول ولا آخر لها من الحزن وفقدان القدرة على التفكير والشعور الدائم بالإرهاق ورغبة دائمة في لعن الكون من حولي وهروب دائم في النوم ...والسؤال الذي يطاردني أينما ذهبت وأينما حللت ...أين بلدي التي ولدت فيها وعشت جل عمري فيها وحلمت بها ولها وحاولت أن أفعل شيئا لها (رغم إني فشلت ويئست وغادرت) ؟ أين تلك البلد التي مازالت شمسها تدفؤني وبردها يلسعني ومائها يرويني رغم إغترابي؟ لم أعد أعرفها حتى عندما أعود في زيارات سريعة فلا هذا هو شكل شوارعنا ولا هؤلاء هم أهل بلدي، حتى النيل لم يعد مثل الماضي ...أين مصر؟ هل من مرشد إلى طريقها الجديد فأنا متأكدة انها لم تمت فهي بلد وكيان ضد الموت وضد الانتهاء..إذا أين ذهبت؟ فهل من مرشد إلى موقعها الجديد على الخريطة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا