الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القسر لا يدوم - 2-

عبد الرحمن جاسم

2006 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ولئن القسر لا يدوم، ولئن دوام الحال من المحال، أعود للقسم الثاني من "القسر لا يدوم".
حتى بلا ورقة توت:
وانتهى العصر العباسي، وهطل هولاكو كماء من غيم ماطر بعنفٍ فدمر كل شيء، وأسكن الجميع في جنات الله، حيث إنه لم يبقٍ ولم يذرِ، وحيث إنه كان عادلاً، إلى حدٍ كبير في مسألة القتل والتدمير، فلم يفرق بين شعبٍ وآخر، فقتل الجميع مساواة. فكانت مرحلة القسر تلك من أقسى المراحل التي عرفتها أمتنا العربية. فما حدث هو التمهيد المنطقي لكل ما يحدث حالياً، وهو كذلك البداية المعترف بها عالمياً –في عالمنا العربي قبل غيره- لما يعرف بزمان الانحطاط العربي، فيقول د. معتصم شرف: "نستطيع تأريخ مجيء هولاكو واحتلاله لبغداد وتدميره للخلافة، بأنه التاريخ الذي بدأت المعاناة العربية تأخذ شكلاً ممنهجاً ومنطقياً". (د. شرف، معتصم، المعاناة العربية: الصورة الكاملة، دار المناهج، بيروت، لبنان). وإذا ما تابعنا الفكرة بطريقة أكثر دقة، نجد رؤيا المستشرق الفرنسي سايمون أونور موضحة للأمر فيقول: "دخل هولاكو بغداد، فدمر الخلافة الإسلامية، والتي كان يراها المسلمين بمثابة الضمان والسلسلة العائدة لذلك العدل الذي يعود إلى عصر النبي محمد(ص)".(أونور، سايمون، تاريخ العرب، دار الكتاب العربي، القاهرة، مصر). إذا ببساطة كان احتلال هولاكو لبغداد فاتحة الأمر، والبداية الشرعية لتحول العالم العربي إلى محظية مدهشة بالنسبة للطامعين، ومن أي جهةٍ أتوا. وتفككت الإمبراطورية العباسية، بلمح الأبصار، كما لو أنها بنيانٌ هش، وبدأت مرحلة قسر مدهشة ستستمر حتى يومنا الحالي. ولن أطيل في تلك المرحلة التي تحتاج إلى كتبٍ هائلة الحجم لكي ترسم مراحلها، وترسم السواد الذي أطل خلالها، حتى إنه ليروى بأن كل بلاد عانت لوحدها الكثير من جراء الظلم بعد تفكك الدولة العباسية، التي ورغم "قسرها" كانت آخف وطءاً من المحتلين الأجانب.
دويلاتٌ لا تكفِ أحداً:
وهزم المغول، وبدء عصرٌ جديد، إنها الدويلات الوليدة من رحم الفراغ، تلك التي لا يخفي عريها شيء، ولا يغطيها شيء ولا يحميها، شي، والتي أوحى فراغها القاتل نفسه باستعدادها المطلق لقبول محتل ولو حتى من القمر، فجاء السلاجقة، ثم أتى العثمانيون بعدهم ليرسموا مرحلة لا تشبه ما قبلها أو بعدها بشكلٍ كلي. ولكن قبل الانتقال إلى تلك المرحلة، علينا أن ننطلق إلى مرحلتين مهمتين في تاريخ الأمة العربية، علينا أن نطل ولو قليلاً على تجارب القسر في بلاد أفريقيا العربية، وبالتحديد التجربة الأكثر ريادة، مصر، فمن تجربة الدولة الفاطمية، إلى صلاح الدين الأيوبي والمماليك. ولكي يبدأ الكلام ننظر إلى تجربة الدولة الفاطمية، والتي كانت واحدة من أوائل الدويلات/الممالك، وهذا التصنيف يورده الدكتور عبد الحميد محمود فيقول: "لم تكن الدولة الفاطمية أكثر من مملكة من الممالك العربية المنتشرة آنذاك، وصحيح أن البعض يعتد بها بصفتها دولة عربية كليةً وواحدة من التجارب المثالية، إلا أنها لم تتجاوز كونها ملكية/أسرية لا تختلف عن بنيان الدولة الأموية التركيبي".(د. محمود، عبد الحميد: الفاطميون والدولة، طباعة المركز الثقافي العربي، القاهرة، مصر). ونستطيع أن نستنتج من هذه الدراسة بأن الدولة المملكة/ الفاطمية، كانت محاولة خلافية، ولأن الفاطمين كانوا شيعة، فقد كانت دولتهم شيعية، أي أنها ببساطة اتخذت من مذهب أهل البيت وتوجهاتهم الفكرية أي الأئمة الإثني عشرية طريقها، ولكن كالعادة فإن القسر لا يلبث أن يطل برأسه من أي شق/فتحةٍ فظهر الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي المدهش، والذي يتحدث الكثيرون عن ابداعاته المدهشة، فهذا الخليفة الرائع، أجبر الشعب المصري على النوم عند الساعة الثامنة، ومن كان يلحظ أي نورٍ في منزله بعد الساعة الثامنة، كان يجر إلى الساحة العامة، ويجلد مئة جلدة، لقد كانت القاهرة تغرق في الظلام في الساعة الثامنة، حتى ظهور الفجر. أما تبرير الحاكم بأمر الله، "إذا كانوا يريدون التعبد، فهذا الليل صحرائهم". وأمر الجميع بالتحجب والاحتجاب، "لا نساء خارج المنزل"، وهذا ما حدث فعلاً. وقد يتساءل البعض عن كثيرٍ من عاداتنا القبيحة التي لايزال مجتمعنا يحملها، وللحقيقة فإن القسر الاجتماعي، يعود بأغلبه إلى تلك المرحلة، وخصوصاً مرحلة الحاكم بأمر الله، فمثلاً الفكرة المتمثلة بعدم السماح للمرأة بالخروج من المنزل إلا مرتين (بيت زوجها والقبر)، هي من الأفكار التي أرساها هذا الخليفة المختل. ويمكن الرجوع إلى كثيرٍ من المراجع التي تتحدث عن تلك المرحلة، وقسر تلك المرحلة.
صلاح الدين، بطلٌ أم جلاد؟
وظهر صلاح الدين، البطل العربي المقدام، ومحرر القدس من الصليبيين، ذلك الأيوبي الذي ظهر فجأة في التاريخ العربي ليحمل سنين القسر ويجعلها تضمحل وتختفي بلمح العين، هذا ما يريد أغلبنا أن يراه، وأن يصوره عند الحديث عن صلاح الدين، ولكن هل هي الحقيقة؟ هل كان صلاح الدين بطلاً أم أنه كان جلاداً كما يرى كثيرون؟
ولأننا اعتدنا في بلادنا أن نقدس أبطالنا، لدرجة أننا لا نتقبل مجرد فكرة النقاش عنهم، وصل صلاح الدين إلى هذه الدرجة، لكن هناك تساءل نود الاطلال عليه، مصر كانت أيام الفاطميين بلداً شيعياً بامتياز، أي أن مذهب الدولة كان المذهب الشيعي، وفجأة حينما ظهر صلاح الدين تحولت البلاد بين ليلةٍ وضحاها إلى بلدٍ سني المذهب، هل يتغير الناس بهذه السرعة؟ أنا لا أريد أن أطرق هذه النقطة، لكن تشير أغلب الكتب الشيعية، التي تتحدث عن تلك المرحلة، عن الطريقة التي تحولت البلاد فيها ناحية المذهب السني، وهو أمرٌ يمكن المناقشة به، ومناقشة ما كان لصلاح الدين من تأثير عليه، وبه.
نقطة أخرى أتساءل عند صلاح الدين عنها، لماذا حاول جرجي زيدان مثلاً في عددٍ من قصصه الإشارة إلى سلوك صلاح الدين الملتوي والغريب، سواء في التعامل مع الحلفاء أو الأصدقاء، ولأنني لا أوافق جرجي زيدان أو غيره في هذا الكلام، أترك التساءل مفتوحاً، وأترك الباب كذلك مشرعاً للاحتمالات، فهل كان صلاح الدين بطلاً، أم جلاداً؟
فهل كان القسر أيامه، لا يشبه القسر في أيامٍ كثيرة؟ لا جواب لدي، ولكن من ما رأيت وقرأت، أظن أن القسر لا ألوان متعددة لديه، فلونه واحد، وطعمه واحد، خصوصاً عند من يشربونه يومياً.
ولئن سيبدأ الكثيرون باتهامي بأنني أحاول تدمير تاريخنا العربي المشرف، وأبطالنا العظماء، اقول بأن النقاش في الأمر هو المنطق الصحي الوحيد، لأنه ليس هناك من معرفة ليست قوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة