الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردا على الشاعر الليبي صالح قادربوه: - .. وانهم يقولون مالا يفعلون -

لطيفة الشعلان

2006 / 4 / 21
الادب والفن


لم يكفر الشاعر الليبي صالح قادربوه بالعرب وإلا لتحول صوب القارة الافريقية وشاعرات الكاميرون وساحل العاج وما نشر قصيدته العصماء التي ظاهرها جلد الشاعرات العربيات وباطنها محاولة اصلاح وترتيب البيت العربي خاصة بيوت الشاعرات اللواتي استفز (حالهن المنحل ) نخوة الشاعر الذي تقرأ قصيدته الركيكة مبنى ومعنى لتتذكر بأن اللهجة المصرية حين أبدعت مقولة "الستات اللي ماشين على حل شعرهم" إنما أرادت فيما أرادت ان تكفي الشعراء شر الشعر لو أرادوا هجاء ما بين النحر والخصر. لقد كان هجاء الشاعر سيبدو مفهوما، أو مهضوما على الأقل، حتى مع قذفه المشين، لو أنه لم يصطنع في المقابل صورة مثالية للشعراء الرجال تكسو عليهم معاني الفضيلة والنضال والجوع الذي بالمناسبة كثيرا ما يُربط بالثقافة المستقيمة، حتى عدوها جريمة أن تكون مثقفا و(شبعانا) !
المعنى أنه لم يكن يهجو حالة ثقافية يراها أو يتصورها أوجدها البؤس وفراغ العقول حتى تُقبل شطحاته من باب أن الشعراء يجوز لهم ما لايجوز لسواهم، بل كان هجاء جنسويا ينصب على جنس المرأة، وعلى المثقفة تحديدا، مساويا بينها وبين الغانية، وإلا فلا يمكن إحصاء الكتابات والشواهد والقصائد التي تثبت أن عشرات من الفحول منذ عهد جدهم المتكسب الكبير وما قبله بزمان وحتى يومنا لم يعرفوا شيئا من التعفف الذي يدعيه قادربوه، بل كانوا ماسحي جوخ يسافرون في مقاعد الدرجة الأولى ومعروفين لديوان الرئيس ولمحافظي المصارف المركزية حسب تعبيرات الشاعر غير الشعرية، إذ نراه يقول: "الشعراء لا يتبعهم أحد.. والشاعرات يتبعهن رجال الأمن..وديوان الرئيس.. وفخامة السادة الوزراء.. وعمال الميناء والنظافة والفنادق.. ومحافظو المصارف المركزية.. الشعراء يسافرون في مقاعد الدرجة الثالثة.. ولا ينتظرهم أحد في المطار.. ولا يعرفون بالضبط أين سيقيمون أول ليلة.. والشاعرات ينزلقن مباشرة إلى مقاعد الفيرست كلاس.. وينتظرهن ليموزين وطريق معبدة.. بل قد يوصلهن أصحاب التاكسي مجانا مقابل رقم هاتفي.. في قصاصة باهتة.. ويقمن دوما حيث تعرفون.. هناك حيث لم يدخل أي منا سابقا.. الشعراء يهربون من البرد إلى قاعة المحاضرات.. أو إلى حديث جانبي مع البوابين و عاملات المقاهي.. والشاعرات تأتيهن قاعات المحاضرات إلى حجر نومهن مع الإذاعتين المسموعة والمرئية.. وحديثهن علني حتى المحرم منه.. لأنهن ضلع المسؤولين غير الأعوج .. الشعراء يموتون كجرذ من الجوع أو السرطان أو الجلطة أو ذات الرئة.. الشاعرات لا يمتن أبدا .. وإن حدث ففي حضن الدولة الدافيء.. دون أن يجرؤ أي مرض أن يصيبهن.. فهل مازلت ترغب أن تصبح شاعرا.. أنصحك بعملية تغيير الجنس أو اختيار مصير آخر أقل إذلالا ".
انتهى (الشعر) الذي مع رداءته فإن أهميته تأتي من كونه يبين أن اضطهاد المثقفة العربية أو نكبتها لاتكون من قبل من أُصطلح على تسميتهم بالقوى الرجعية أو المتخلفة وحسب.. فهل كان قادربوه من عدم اللياقة، أم كان من الصدق مع نفسه والتواؤم مع أفكاره، بحيث ذهب بنمائم المثقفين وحكاياهم في المقاهي والحانات حتى آخر الشوط بإعلانها على رؤوس الأشهاد، بحيث يصبح الفارق فارقا في درجة الذكاء الإجتماعي بين مثقف يحرص على أن يكون كلامه الفج عن المثقفات محصورا بين الحيطان في جلسة خاصة، وبين آخر ينشره في أحد أشهر المواقع الثقافية العربية.
لاشك أن لكل فضاء فساده واعوجاجه، وله فضائله وموبقاته، لكن من كان من المثقفين العرب بلاخطيئة فليقذفهن بحجر ! وإن كان حال المثقفات أو الشاعرات كما وصفه قادربوه فحري به أيضا أن يسائل لنا في قصيدة عصماء أخرى الشريك المذكر في هذا السقوط الأخلاقي من الوجه الذي طرقه، أو من وجه آخر لم يكن هناك أشجع من هيفاء بيطار حين صورته في روايتها الشفيفة (امرأة من طابقين).
تعري بيطار من خلال بطلتها فساد بعض الأوساط الثقافية وانتهازيتها مع المثقفة، فنازك الشابة الأرثوذكسية المطلقة والموهوبة أدبيا التي تبحث عن ناشر لروايتها الأولى تتفاجأ بأن للنشر أحيانا ضريبته التي لم تكن في حسبانها. لقد وقعت بين براثن كاتب كبير شاءت أن تسميه بكاتب البلاد إكبارا لشأنه ناهر الخامسة والسبعين وناشر مشهور في الستينات من عمره، لم يتورعا عن التحرش بها تارة ومقايضتها صراحة تارة أخرى: " إنه يريد أن يعهّرني قبل أن يشهرني" ص 75 "ألم تكن المعادلة بيني وبين الناشر سافرة: سافري إلى بيروت واقضي برفقتي ثلاثة أيام أطبع لك الرواية" ص 175 "لماذا أخدع نفسي أليس واضحا منذ البداية أنه يريدني كامرأة مقابل أن يشهرني ككاتبة" ص 191.
أما إذا أتينا إلى النرجسية عند قادربوه فقد ذهبت لحدودها القصوى بجعل الشعراء وحدهم من يموت بالسرطان والجلطة والجوع، بينما الشاعرات يغفين في حضن الدولة، وليس في وسعي سوى أن أتخيل شكل حضن الدولة الذي غفت فيه أديبة عراقية مثل حياة شرارة حتى قررت من فرط الاحتضان الحكومي وشدة الدفء الرئاسي أن تنتحر مع ابنتها باستخدام أنبوبة غاز. وكيف حفرت فدوى طوقان الصخر بيديها في مجتمع نابلس الذي قهرها ووطأ عنقها حتى فاقت شعريتها وشهرتها عشرة الآف شاعر من عينة قادربوه.
حقا لا أعتقده الوقت ولا المكان الذي أستذكر فيه عذابات مثقفات وشاعرات عربيات لأنها معلومات معروفة إلا لمن أراد ألا يعرفها، كما أننا لسنا أمام دكّّة في سوق مزايدات، لكن الجديد الذي يقرره الشاعر الليبي وكل ما يأتينا من ليبيا له دائما طابع الصعقة الحداثية، هو أن المجبولين على المفاضلات سينتقلون من التقسيم التفاضلي في الابداع بين الجنسين: من هو الأكثر ابداعا وأصالة الرجل أم شهرزاد التي هُمشت أزمانا طويلة وأُقصي صوتها، إلى مفاضلة أخرى هي: من الأكثر موتا بذات الرئة الشعراء أم الشاعرات، وهنا لابد من تهنئة الشاعر الذي لم يأت مع السرطان والجلطة بمرض جرسه غير موسيقي كانفجار الزائدة الدودية بل جاء بأكثر الأمراض القديمة فتكا (ذات الرئة) لتزهر قصيدته بميتات الشعراء المفجعة .. ألم يكن ذات الرئة هو المرض الذي اختاره الكسندر دوما الابن لمارجريت جوتييه فاستدر بكاء الناس على مختلف طبقاتهم وأزمانهم ؟!
طبعا الفارق بين إثارة الدموع و إثارة الاشمئزاز مسألة فلسفية لايفترض بالمبدعين العرب أن يحسنوها دائما !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس