الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكرامة مسألة اعتبارية

صائب خليل

2006 / 4 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما دارت رحى الإنتخابات الأمريكية الأخيرة, قسمت الأمريكيين الى نصفين متضادين متعاديين تقريباً, وكل يرى في الآخر خطراً على البلاد. كذلك اصطف العالم بشكل لم يسبق له مثيل مع احد المرشحين الأمريكيين ضد الآخر. والحقيقة ان الموضوع كان فقط "ضد الآخر" الذي هو بوش. وليس هذا غريباً, فالإنتخابات الأمريكية انتخابات عالمية من ناحية تأثيرها. فمن يجيء الى البيت الأبيض يضع بصمات إدارته على العالم, وكان العالم خائفاً من بوش, الرجل الديني المتطرف الذي يعتقد ان الله هو الذي اختاره, والذي كان له الفضل في ان الغالبية العظمى من شعوب العالم صارت تكره اميركا وتخشى منها على مستقبلها, وعلى حد علمي الإستثناءان الوحيدان هما اسرائيل وبولونيا.

في هذا الجو المشحون والقلق لم يستطع العالم ان يخفي مشاعره وامنياته من خلال الصحف والبرامج التلفزيونية والإنترنيت وكلها تقريبا تتمنى أن يفوز كيري ليخلص العالم من " الخطر الأكبر على الحياة على وجه الأرض" حسبما وصفه محافظ لندن.

على احدى صفحات الإنترنيت قرأت رسالة ملفتة للنظر كتبها أمريكي شديد الحماس للتخلص من بوش, يرجو فيها الناس في الخارج التوقف عن تأييد كيري تحت عنوان كبير: "ارجوكم لاتساعدونا". والسبب هو أن لذلك اثر سلبي على نتائج الإنتخابات بالنسبة لكيري نفسه. أما تفسير ذلك فهو ان الشعب الأمريكي شعب يعتز باستقلال قراره وله احساس عال بكرامته, فأن احس ان الناس في الخارج تحاول الضغط من اجل مرشح ما, فأنه سيميل الى انتخاب المرشح المعاكس كرد فعل.

تذكرت هذه الرسالة وانا اقرأ اليوم خبرا في الحياة يقول انه في اجتماع للسفير مع «التحالف الكردستاني» و«جبهة التوافق» و«الائتلاف» و قائمة اياد علاوي (كما اسماها الخبر في جريدة الحياة) يقول صالح المطلك، زعيم «جبهة الحوار الوطني» أن خليل زاد قال المجتمعين معه: «يمكنني ان أقبل بأي شيء الا ترشيح الجعفري».

فـ "سعادة السفير" لايقبل,....عفواً "لايمكنه ان يقبل" مرشح الكتلة الفائزة في الإنتخابات. وهذا, ان صدقنا ما قاله صالح المطلك, ابعد كثيرا وكثيرا من ان تعطي تفضيلك لمرشح ما قبل الإنتخابات.

إنها اهانة للجعفري ان يتحكم سفير في ترشيحه,

إنها اهانة للإئتلاف الذي رشحه,

إنها اهانة للشعب العراقي الذي انتخب الإئتلاف, وهو يعلم ان الجعفري مرشحه, وهذا ما يعادل تقريباً انتخاب الجفعري مباشرة.

إنها اهانة لبقية السياسيين لأنهم يفترض ان يختاروا رؤساءهم بأنفسهم, وهو تحد لهم...

إنها اهانة للديمقراطية وللآملين بها في العراق

هل هذا هو رجلك "الصديق الذي لايتدخل" يا سيادة الرئيس طالباني؟

إنها اهانة للمرشح البديل الذي يسعى خليل زاد لوضعه على رأس الحكومة العراقية بديلاًَ لمن انتخبه الشعب. وهذه الإهانة ستبقى دهوراً, ولو كان هناك احساس بها لأعلن المرشحون البدائل انسحابهم حرصاً على سمعتهم.

أنها اهانة ايضاً للكتل الرافضة للجعفري لأسبابها الخاصة, حيث اندمجت هذه الأسباب مع الضغط الأمريكي فلم يعد تمييزها ممكناً وسيحسب التأريخ على هذه الكتل انها ساهمت مع السفير الأمريكي يوماً لحرمان المرشح المنتخب ممارسة حقه.

هل نسمع صوتاً من الأصوات الكثيرة التي تستيقظ كرامتها حين تتدخل دول الجوار؟ ام ان الكرامة لاتتحس الا من الجيران؟

إنها اهانة لمنصب رئيس الوزراء وكل من سيتولى المنصب فيما بعد بشكل ديمقراطي حيث سيقال انه لو لم يرض عنه الأمريكان لما وصل الى الحكم...

هل ابالغ؟ هل ان الأمر مجرد حديث طبيعي لا علاقة له بالكرامة والأهانة؟

على اية حال, فـ "الكرامة" و "الإهانة" مسائل اعتبارية يصعب البرهنة عليها, وهي ذاتية بحتة. فالعبيد الذين نتعجب اليوم لقبولهم وضعهم المهين, ابتعلوا البصاق المقذوف في افواههم قروناً دون ان يحسوا ان نظام العبودية امر غريب او مهين. لقد وجدوه امراً "طبيعياً" لقرون طويلة, الى ان تغيرت الإعتبارات والمفاهيم. فإلى اي القرون نعود نحن في مفاهيمنا واعتباراتنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر