الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة الإفريقية بالخط العربي-عجمي-، ونمو الهوية الثقافية الإفريقية

أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)

2019 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



يُواصل "حلمي شعراوي" خبير العلاقات الثقافية العربية والإفريقية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، وأستاذ الاجتماع السياسي في جامعة جوبا، ورئيس مركز البحوث العربية والإفريقية، عبر تحريره كتاب" تراث مخطوطات اللغات الإفريقية بالحرف العربي ( عجمي) والتقديم له، والصادر عن المعهد الثقافي الإفريقي العربي في "باماكو" بجزأيْه، يُواصل جهوده في التأكيد على عمق الأواصر العربية - الإفريقية، وأهمية التعاون والتكامل بينهما، في إطار تصوُّراتٍ جديدة لوضع الكتلة العربية والإفريقية معًا داخل نطاق حركة تحرير الجنوب من القهر المُعولم، وإرساء مُناخ صحيّ لمعالجة قضايا التنوُّع الاجتماعي، ومُعضلات التطوُّر على الأصعدة كافة، والسلام والأمن والتنمية والتغلغل الإسرائيلي في إطار العولمة الجديد، لاسيما أن أهم جيران العرب موجودون في إفريقيا، وأكثر من ثلثي الأمة العربية إفريقيون، وأقطار المغرب العربي تُجاور السنغال ودول الساحل (ساحل الصحراء الكبرى) مالي والنيجر وتشاد وإفريقيا الوسطى. كما أن قُرابة نصف السودان تنتمي إلى عِرقياتٍ غير عربية.. كما أن هناك كذلك علاقاتٍ تاريخيةً بين اليمن وعُمان ودول القرن الإفريقي.. ثمَّ تأتي الرابطةُ العظمى: النيل ودول حوْضه، وبصفةٍ خاصَّةٍ إثيوبيا ( 80 % من مياه النيل التي تصل إلى مصر تأتي من الهضبة الإثيوبية). لكنْ، أين مصرُ المُشعَّةُ في إفريقيا الآن، وعدونا الصهيوني يُعزِّزُ وجودَه العسكريَّ والسياسيَّ والاقتصاديَّ في القارَّةِ السوداءِ بطريقةٍ فعَّالةٍ ومؤثرةٍ؟ لهذا أدركَ حلمي شعراوي بممارستِه العلميةِ، وبالأسئلةِ التي يطرحُها، أدركَ تاريخيةَ الوظيفةِ الثقافية وصيرورتَها في الحقلِ الفكريِّ والمعرفيِّ؛ ما دفعه إلى مُعايشة الآخر داخل حركته العقلية ذاتِها عبر لغتِه وإبداعاتِه.. بحيث يُمسي الوصولُ إلى الحقيقةِ التي هي دائمًا تاريخيةٌ... نسبيةٌ، سيرورةً جمعيةً يُشاركُ فيها الكلُّ الإنسانيُّ على الرغم من تبايناتِه. لذا شُغِلَ حلمي شعراوي بظاهرةِ " كتابة عددٍ من اللغات الإفريقية، تزيدُ في بعضِ التقديراتِ على العشرين، بالحرفِ العربيِّ؛ نتيجة التفاعلِ التاريخيِّ بين الأفارقةِ والعرب، أو قُلِ العربَ الأفارقة" على حدِّ تعبيره، مُشدِّدًا على أنه" تفاعلٌ أدَّى إلى أشكالٍ من التثاقف والتبادل والاندماج في فتراتٍ من التاريخ الوسيط والحديث، وصل بهم جميعًا إلى هذا الحضور المشترك في العالم".الأمر الذي دفعه إلى التنبيه على أهمية البُعد الإفريقي للعالمِ العربيّ؛ لنتابعَ في ضوئه أبعادَ الحضورِ العربيِّ في العالم. فالحدثُ العربيُّ – في رأيه – حدثٌ إفريقيٌّ بالضرورةِ، والعكسُ صحيحٌ أيضًا. ومواضعاتُ العولمةِ تطرح علينا ذلك بشدَّةٍ؛ ما يُلخِّصُ لنا الأفقَ الإشكاليَّ الغائبَ عنِ اللحظةِ العربيةِ الراهنةِ، داعيًا في ضوئها إلى أشكالٍ من التضامنِ على أساسٍ شعبيٍّ وثقافيٍّ. لهذا عُنيَ بمفهومِ "التنوع في الوحدةِ"، وتعاونَ مع عالِمِ الاجتماعِ والأنثروبولوجيا د. محيي الدين صابر المديرِ الأسبقِ للأليكسو لتأسيسِ مجموعةٍ عربيةٍ إفريقيةٍ تهتمُّ بجمعِ التُّراثِ الإفريقيِّ من المخطوطاتِ المكتوبةِ بالحرفِ العربيِّ ( العجمي) عام 1998/ 2000 ودراستِه ونشرِه، وتعميقِ زخمِ التفاعلِ الداخليِّ بين الثقافتيْنِ الإفريقيةِ والعربيةِ وتوطيدِ عناصرِ اللُّحمةِ والتواصلِ بينهما، دونَ إنكارٍ لخصوصيتيْهما وكونيتيْهما في آنٍ معًا. وقد أشارَ حلمي شعراوي في تقديمِه الضافي إلى المراحلِ التي مرَّ بها الاهتمامُ بمخطوطاتِ العجمي، والآثارِ التي خلَّفها الاستعمارُ على الشعوبِ التي عانتْ منه لاسيما على الصَّعيدِ الثقافيِّ، وظلَّتْ جواهرُها ثابتةً في سردياتِه المُفعمةِ بروحِ العنصريةِ والتفوُّقِ والاستغلالِ الاقتصاديِّ والعِرقيِّ، " في إطارِ ما عُرِفَ بإفريقيا الفرنكوفونيةِ أو الأنجلوفونيةِ".. إلخ، وتوقَّفَ عندَ رفضِ أصحابِ هذا التُّراثِ وحَفَظَتِه منحه" للأغرابِ لعدمِ الثقةِ بهم، أو اعتبارِه مِلكيةً مُقدَّسةً لا يجوزُ إطلاعهم عليه، واضطلاعهم باستثمارِه في العلاجِ والسِّحرِ، أو الاتِّجارِ به بالنسبة إلى الأجانبِ"؛ مُتحجِّجينَ مرَّةً بندرتِه، ومرَّةً أخرى بعدمِ وجودِ مُتخصِّصين ينهضون بتصنيفِه، فضلًا عن ندرةِ الإشارةِ إليه رسميًّا.غير أنَّ مؤسساتٍ أخرى تنبهتْ إلى أهميتِه، وقامتْ بدورٍ غيرِ منكورٍ في تسجيلِه وتوثيقِه ونشرِه، كما فعلتْ مكتبةُ الفرقانِ العربيةِ في لندن، والجماعةُ العلميةُ في نيجيريا من إبادان حتى زاريا وسوكوتو وكانو ومركز أحمد بابا بتومبوكتو، ومكتبةُ ماما حيدرا هناك، وجامعةُ نيامي بالنيجر، وبلدانُ الشَّمالِ الأوربيِّ، وجهودُ بعضِ الباحثين الأوربيين المبكرةُ مثل لودفيج عن الملاجاشية، وهايشنز عن السواحيلية، وراتراي عن الهوسا. كما كان لمنظمتي اليونسكو والوحدةِ الإفريقيةِ دورٌ فاعلٌ في الاهتمامِ باللغاتِ الإفريقيةِ وبقضايا التعليمِ والثقافةِ والتنميةِ، من خلالِ المؤتمراتِ وحلقاتِ النقاشِ التي ضمَّتْ خبراءَ أفارقةً برعايةِ اليونسكو، أو إنشاءِ المراكزِ المُتخصِّصَةِ التابعةِ لمنظمةِ الوحدةِ الإفريقيةِ من طرازِ" مراكزِ اللغاتِ الإفريقيةِ والتُّراثِ الشفويِّ"، بَيْدَ أنهما تُعانيانِ من مشكلاتٍ اقتصاديةٍ جمَّةٍ نالتْ كثيرًا من الأدوارِ المنوطةِ بهما والآمالِ المعقودةِ عليهما. ما جعلَ الموضوع مُرتهنًا بتحرُّكِ اليونسكو في هذا المجالِ لتمويل الاجتماعاتِ الخاصَّةِ بها في العواصمِ الإفريقيةِ. لكن مع تطوُّرِ التعاونِ العربيِّ والإفريقيِّ خصوصًا في السبعينياتِ، شهدنا مولدَ "اللجنةِ الثقافيةِ" ضمنَ لجانِ التعاونِ العربيِّ – الإفريقيِّ، ومولدَ "جهاز تنميةِ الثقافةِ العربيةِ الإسلاميةِ" ( 1981) الذي أنشأته المنظمةُ العربيةُ للتربيةِ والثقافةِ والعلومِ ( أليكسو)، ومولدَ "الإدارةِ الثقافيةِ" بمنظمة الوحدةِ الإفريقيةِ التي أدَّى التعاونُ بينهما إلى توقيعِ اتفاقيةِ " المعهدِ الثقافيِّ الإفريقيِّ العربيِّ" ( 1985)، في إطارِ الاتحادِ الإفريقيِّ والجامعةِ العربيةِ في باماكو ( 2002)؛ وهو ما أفضى إلى خلقِ ثقافةٍ تعدُّديةٍ مشتركةٍ أكثر غنًى وثراءً، وتشجيعِ التواصلِ بين العربِ والأفارقةِ، وإحياءِ الذاكرةِ الجمعيةِ، والحفاظِ على المصالحِ الوطنيةِ لكليْهما؛ ما دفعَ باحثًا مرموقًا من جنوبِ إفريقيا هو د. محمد هارون إلى إعدادِ بحثٍ يتناولُ " محاولةَ مستوطني جنوب إفريقيا من الآسيويين في أواخرِ القرنِ التاسعَ عشرَ وأوائلِ القرنِ العشرين، كتابةَ لغةِ الأفريكانز الجديدةَ بالحرفِ العربيِّ".. وإلى قيامِ " قسمِ التَّاريخِ بجامعةِ داكارَ في أكتوبرَ 2005، بعقدِ ندوةٍ عن المخطوطاتِ الإفريقيةِ ناقشتْ مناهجَ جمعِها ومكانتَها في الثقافاتِ الإفريقيةِ".. وتوالتْ جهودُ المعاهدِ والجامعاتِ والمراكزِ العربيةِ والإفريقيةِ في هذا الصَّدَدِ؛ هادفةً إلى اكتشافِ واقعٍ جديدٍ، وتاريخٍ جديدٍ، أو بدقَّةٍ أكثرَ : إلى تقديمِ سرديةٍ جديدةٍ مُضادَّةٍ للسردياتِ السَّائدةِ.. قابلةٍ لإعادةِ التأويلِ والمركزَةِ. وإن كان ينقصها _ كما يذهب حلمي شعراوي _ " الاهتمامُ بتراثِها الأدبيِّ من المخطوطاتِ، بما قد يكونُ عونًا لتطويرِ دورِ المعهدِ الثقافيِّ الإفريقيِّ العربيِّ في هذا المجالِ". وقد غدا التُّراثُ الأدبيُّ بما يشملُهُ من لغةٍ وأساطيرَ وخبراتٍ شعبيةٍ وفنٍّ مصدرًا من مصادرِ وعي الذاتِ الجمعيةِ بأمَّتِها وتاريخِها؛ نظرًا إلى ما يملكه من سلطةِ الإنشاءِ والنصوصِ والتمثيلاتِ ورؤيةِ الآخرِ وتشابكِ المخيلةِ بالتاريخِ. وبهذا " تنتفي فكرةُ الهيمنةِ باللغةِ العربيةِ ؛ ليُصبحَ تُراثُ اللغاتِ الإفريقيةِ بالحرفِ العربيِّ مصدرًا من مصادرِ ديمقراطيةِ الثقافةِ، ونفي الأُميةِ المعرفيةِ عن أوسعِ الجماهيرِ، فضلًا عن تنشيط الذاكرةِ الوطنيةِ لاستعادةِ ما انقطعَ من العلاقاتِ والمعارفِ العربيةِ الإفريقيةِ المُشتركةِ" وفق ما يذهبُ إليه الباحث الكبير حلمي شعراوي. من هنا؛ عمَدَتْ خطةُ البحثِ إلى " توفيرِ بعضِ صورِ المخطوطاتِ الإفريقيةِ المُدوَّنةِ بالخطّ العربيِّ والمعروفةِ تاريخيًّا وفي الواقعِ الإفريقيِّ الحالي باسم" العجمي"؛ وذلك لنضعَ أمامَ الباحثين – أفارقةٍ وعربٍ- وغيرِهم نماذجَ من الإنتاجِ الثقافيِّ لبعضِ الشعوبِ الإفريقيةِ من أنحاءَ مختلفةٍ من القارَّةِ في فتراتٍ سابقةٍ على الوجودِ الاستعماريِّ أو متآنيةٍ مع وجودِهِ؛ بعضُها ذو طابَعٍ شعبيٍّ لكنه مُدوَّنٌ مثل قصَّةِ جماعة " الأنتيمور" في مدغشقرَ أو قصَّةِ شعبِ الهوسا، وبعضُها نصوصٌ لرسائلَ أو حواراتٍ معَ الحكَّامِ أو أحكامٍ وفتاوى شرعيةٍ ذاتِ طابَعٍ اجتماعيٍّ، وقد حرَصَ المُحرِّرُ على أنْ تردَ هذه النصوصُ المخطوطةُ عن طريقِ شخصياتٍ أكاديميةٍ معروفةٍ في بلادِها لتحمُّلِ مسئوليةِ مصداقيةِ النصِّ ومصدرِهِ كما سجَّلناه، كما حرَصَ على أنْ يقومَ المصدرُ بنفسِهِ أو عن طريقِهِ بنقلِ المخطوطِ إلى الحرفِ اللاتينيِّ وترجمتِهِ إلى اللغةِ الأوربيةِ السَّائدةِ؛ فرنسيةٍ أو إنجليزيةٍ. وقمنا من جانبِنا فقط بترجمةِ ذلك إلى العربيةِ من قِبلِ شخصياتٍ مُختصَّةٍ. وفي حالاتٍ قليلةٍ توفَّرتْ نصوصٌ مُهمَّةٌ من كتبٍ علميةٍ مُعتمدَةٍ مثل كتابِ مونتي عن التُّراثِ الملاجاشيِّ العربيِّ، أو كتاب راتراي عن فولكلور الهوسا، وفي هذه الحالةِ كان الكتاب متضمنًا النصَّ بالحرفِ اللاتينيِّ وترجمتَه الفرنسيةَ أو الإنجليزيةَ، وترجمناه أيضًا بمعرفةِ ذوي ثقةٍ إلى العربيةِ"، غيرَ أنَّ حلمي شعراوي يُبادرُ فيقول:" وحيثُ إن الهدفَ هو تقديمُ نماذجَ للاطلاعِ على تراثٍ خصبٍ بمضمونه التاريخيِّ والاجتماعيِّ، فإنه لم يكنْ على المُحرِّرِ التدخلُ كثيرًا عندَ تقديمِ نصوصِ كلِّ لغةٍ من اللغاتِ التي توفَّرتْ نصوصُها، مكتفيًا بتعريفِ الإطارِ الجغرافيِّ والتَّاريخيِّ والثَّقافيِّ العام بهذه اللُّغةِ والشُّعوبِ المُتحدِّثةِ بها، دونَ الدُّخولِ في أيِّ مُعالجةٍ تأريخيةٍ أو لغويةٍ أو أدبيةٍ أو سسيولوجيةٍ للنصِّ، تاركًا للباحثين المُتخصِّصين دخولَ هذا الحقلِ وَفْقَ تخصُّصاتِهم" على حدِّ تعبيرِهِ. بَيْدَ أن حلمي شعراوي يُوردُ عددًا من الملاحظاتِ مُفادُها ما يلي :
"1_ أن أحدَ هذه النصوصِ جاءَ من بينِ آلاف المخطوطاتِ في النروج، مثل نصوصِ الملجاشية العربيةِ الذي يذكرُ لودفيج مونتي أن هناكَ سبعةَ آلافِ صفحةٍ من هذا النوعِ المسمَّى "سورابي"، وآخرَ جاءَ به مسئولٌ إداريٌّ في المستعمراتِ حرَصَ على تدوينِها من شخصياتٍ اجتماعيةٍ معروفةٍ مثل قصَّةِ شعبِ الهوسا التي سجَّلها راتراي وقدَّمها بدراسةٍ جديرةٍ بالقراءةِ والمتابعةِ.
2_ أن بعضَها من مكتباتٍ معروفةٍ بغناها بالمخطوطاتِ مثل (ifan) ومكتب سوكوتو، وهو ثروةٌ قوميةٌ في نيجيريا.
3- أن بعضَها من مكتباتٍ خاصَّةٍ مثل نصوصِ التَّماشقيةِ.
4_ وأنَّ البعضَ من جهاتٍ إداريةٍ مثل نصوصِ السنغاي.
5- تُعبِّرُ بعضُ المخطوطاتِ عن ميلٍ للتأريخِ، بنظرةٍ ذاتِ طابَعٍ شعبيٍّ، وعن تصوُّرٍ للتاريخِ من موقعٍ ورؤيةٍ شعبيةٍ معينةٍ جديرةٍ بالدِّراسةِ ( الملاجاش- الفولانية_ الهوسا...إلخ)، وفي نفسِ الوقتِ هناك نصوصٌ حديثةٌ من صحفٍ محليةٍ من زنجبار ( 1960) أو السِّنغالِ (2000) لتكشفَ عنِ التَّعاملِ الحديثِ مع كتابة العجمي.
6_ أنَّ بعضَ المخطوطاتِ يكشفُ عن طبيعةِ القضايا الاجتماعيةِ المُثارةِ مثل أوضاعِ الملكيةِ الخاصَّةِ ( رسائلِ السِّنغالِ)، أو العَلاقاتِ الاجتماعيةِ بينَ المجموعاتِ البشريةِ ( القتالِ مع المهدي)، أو فتاوى بشأنِ خلافاتٍ اجتماعيةٍ. وسوفَ يعني ذلك حصيلةً للأنثروبولوجيينَ وباحثي التَّاريخِ الاجتماعي، قد يدفعُهم إلى مزيدٍ من العملِ في هذا المجالِ، بديلًا لتصوُّراتِ الأنثروبولوجيا الكولونياليةِ وأحكامِها". لكنَّ حلمي شعراوي يعترفُ بمعاناتِهِ في إعدادِ هذا الكتابِ وما بذله من جهدٍ في انتظامِ مادتِهِ بين دفتيْهِ، ذاكرًا أن أولى الصعوباتِ لديهِ تمثَّلتْ في " ترتيبِ وضعِ النصوصِ الواردةِ بالعجمي في صورتِها بالحرف اللاتينيِّ (tran-script-ion)، ثمَّ ترجمتِها إلى لغةٍ أوربيةٍ من جهةٍ، وإلى العربيةِ من جهةٍ أخرى". ذلك أنَّ " المخطوطاتِ وهي بالحرفِ العربيِّ جاءتْ في تصفيحٍ من اليمينِ إلى اليسارِ، كما أنَّ الباحثَ المُحرِّرَ يكتبُ بدورِهِ بالعربيةِ أساسًا، ومن اليمينِ إلى اليسارِ أيضًا. لكنَّ الرسالةَ موجَّهةٌ أكثرَ إلى المثقفِ من غيرِ البلادِ العربيةِ لطرحِ قيمةِ المخطوطاتِ المُدوَّنةِ بالحرفِ العربيِّ". لهذا "غامرَ بترتيبِ الكتابِ _ في مجملِهِ – منَ اليسارِ؛ تحقيقًا للرسالةِ التي استهدفها بأكثرَ منَ اعتبارِ الأصولِ العربيةِ؛ آملًا أنْ يتعاملَ الجميعُ معَ هذه المادَّةِ المُهمَّةِ من اليسارِ إلى اليمينِ، وتفهُّمِ ما اضطررتُ لوضعِهِ من مقدماتٍ عربيةٍ معَ ترجمتِها الفرنسيةِ تيسيرًا على الناطقين بها فيما يُسمَّى بالمِنْطقةِ الفرنكوفونيةِ، وكذلك الأمرُ مع التَّرجمةِ الإنجليزيةِ لبعضِها الآخرِ بالنسبةِ إلى ما يُسمَّى بالمِنْطقةِ الأنجلوفونيةِ، ثمَّ يأتي تحمُّلُ أبناءِ العربيةِ لمتاعبِ رسالةِ التَّواصلِ بينَ كلِّ شعوبِ القارَّةِ".
أجلْ.. إن كتابَ" تُراثِ مخطوطاتِ اللُّغاتِ الإفريقيَّةِ بالحرفِ العربيِّ ( عجمي)" الذي حرَّرَهُ وقدَّمَ له الباحثُ الرصينُ والمفكِّرُ العربيُّ الكبيرُ حلمي شعراوي بالتعاونِ مع خمسةَ عشرَ أستاذًا / ة من صفوةِ الباحثين والمترجمين، يُتيحُ لنا الاطلاعَ على مادَّةٍ ثقافيَّةٍ حيَّةٍ متنوعةٍ، لستَّ عشرةَ لغةً إفريقيَّةً، بما تنطوي عليه من أجناسٍ أدبيَّةٍ، وموضوعاتٍ فولكلوريَّةٍ، وقضايا اجتماعيَّةٍ وزراعيَّةٍ وبيئيَّةٍ، ترمي إلى فهمِ الذاتِ والعالمِ بفعالياتِهما وتجارِبهما الإنسانيةِ المختلفةِ، والتعرُّفِ على الواقعِ التَّاريخيِّ المُحايثِ لهما، وأبعادِهما الجماليَّةِ، وعلى أنظمةِ المعنى والدِّلالاتِ المُصاحبةِ لهما؛ ما يمنحُهما حقَّ التمتعِ بما دعاه "ستيوارت هامبشير" ( رخصةَ التميُّزِ والاختلافِ) برصيدِهما الثَّقافيِّ الكبيرِ، وآفاقهما الرحبةِ القادرةِ على استيعابِ قضايا العصرِ ومستجداتِهِ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز