الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجمع المبعثر بعناية

سعد محمد موسى

2019 / 2 / 14
الادب والفن


في لقائي الاخير مع الصديق الشاعر والناقد عبد جبر شنان فوق أرصفة الناصرية وفي مقاهيها التي أعتدنا ارتيادها، أبدى لي برغبته في كتابة مقال ثاني عن انطباعاته حول تجربتي الفنية بعد مقاله السابق والذي كان بعنوان "دهشة الطين" ربما شعر عبد جبر بان هذا المقال سيكون آخر ما سيكتبه قبل رحيله أثناء وعكته الصحية الاخيرة. وخلال موعنا في مقهى الصوافي أعطاني عبد جبر أوراق مبعثرة كانت مدونة بخط يديه المرتعشتين فحاولت جمع الجمل والمفردات المبعثرة ثم قرأت له المقالة قبل الشروع بطباعته ، وبعد بضعة أيام من لقائي بالشاعر في المقهى ابدى موافقته بعد أن أضاف تعديلاته الاخيره حول قراءته النقدية.
وحين مغادرتي العراق بشهر تقريباً سمعت بنبأ وفاة عبد جبر..
رحل الشاعر الذي خسر نفسه وربحته الحروب التي سرقت عمره وفرحه وأحلامه وتركته متألماً تنخر في روحه الخيبات وهو يسعى لنسيان أوجاعه بترياق الخمرة والشعر والتسكع فوق ضفاف الفرات.
انتهت حرب الثمان سنوات العبثية بعد أن تركت ندبة وتهشم في جمجمته وغيرت الكثير من وساومته بشظية قذيفة أمام ملجئه في جبهة المعركة التي كانت تدار رحاها بين العراق وايران آنذاك.
توارى العاشق الاثيري بهدوء مثل عصفور حاصرته أسيجة الكونكريت والتلوث في المدينة بعد أن صودرت بساتينه فحلق باجنحته الواهنة يبحث عن عش صغير في السماء

ما أوحش المدينة برحيلك يا عراب الارصفة والمقاهي ورفيق المعدمين .. وأنت تموت صامتاً كالزجاج وبارداً كالظلال وحزيناً كسرير يتيم.

(تجمع المبعثر بعناية)
عبد جبر شنان
"لقد مضى أخر الازمة الهادئة التي كان الانسان لايقاوم وحوش نفسه" كونديرا.
الفنان سعد محمد موسى منذ بداياته رفض الارتهان لسلطة النموذج وكذلك خلخلة الصورة المقدسة لّلوحة, وجعلها تسعى لاستبطان قوانينها الداخلية من توهج التجربة وأنسنة الاشياء والتكثيف الايحائي والابتعاد قدر الامكان عن المتداول والسائد من التشكيل لذا كان يبحث في أغلب اطروحاته البصرية عن جمال مقصى وعن نص مبتكر, كان يبحث عن معنى مفتوح على لانهائية المعنى بعيداً عن الثرثرة .. كما يقول "ستيتيه"
لقد امتلك الفنان سعد تقنيات صور جمالية وبعد إيهامي حداثوي بتنويعات وتقنيات التشكيل لتشمل المفارقة السحرية ولعبة المرايا والتشظي.
مدينة الناصرية بالنسبة للفنان لم تعد مدينة فحسب بل اختزلت وطن برمته..
يقول ايلوار- على الفنان أن يترك في مروره لا براهين بل أآثاراًتجعلنا نحلم وهذا ما صنعه سعد.
وأكد على أن اللون عنصر من لغة الروح حسبما ذكره الفنان كاندينسكي.
أن لعنة المكان والمزج بين الدنيوي والمقدس ومثلما قاله ريتسوس هو عين الصواب: على ماصنعته وما لم تصنعه الحسرة هي نفسها, أيها الضوء السري المتكاثر في المرايا المهشمة.
يقال أن النظرة الطفولية للعالم وابتكار المكان هو خلفية اللوحة ربما أن الزمان مزيف لكن المكان يحتفظ بملامحه النائية ولا يخدش براءته الاولى.
في كتابه العمى والبصيرة يقول بولديمه سان: أن وسيلة رصد الاخرين وتأويلهم هو أيضاً يؤدي لرصد الذوات وهذه العملية التأويلية المتبادلة بين ذاتيّن في انهماكهما برصد الاخرين وان الذات المرصودة ليست باكثر اثباتاً من الذات الراصدة.
سعد موسى تمطره طفولته النائية فلوحته تحطم دهشتنا وهي ليست مجرد شكل بل ايقاع يتمثل في علاقة الفنان الفنان بعالمه وهو يصطاد اللامتوقع قي تمثيل علاقة الفنان بعالمه وصباه.
الفنان سعد مجنون بكثافة الشخوص والاسماء والامكنة الحاضرة في ذاته والتي شكّل منها بعد معرفي وحاصرها بالمألوف والمصير الفردي وأضحت اللوحة حصته من الصمت الشخصي في ليل الغربة ليل اللعب بالكلمات وبالذكريات والصور دون ان يستمتع بمرارتها وظلت للان صدى أشجانها تردد في أزقة مدينته .. ناصرية ...أوف
فسعد أبدع في تجديد العلاقة بين المتخيل ومرجعياته وتلك حسنة تشير الى قدرته على التعدد وقراءته المبصرة لعتمة شخوصه براءة المكان وصعوبة ترويضة .
مألوفية الخطاب التشكيلي المؤسس بعيداً بعيداً عن البصريات المحنطة للشخوص والاماكنأنه يهيمن على صفاء الدلالة التعبيرية وبصماته تؤرخ تفننه في ترميم آدميته والكائن الذي سحقته الشمولية وهدمته العهود المبادة.
" اني لا أنقل من الطبيعة انما أرسم بمعونتها اني أعرض العالم كما أراه بل كما أفكر فيه" بيكاسو.
يختبأ الفنان سعد خلف لوحته بقسوة ادراكا منه وهو الفنان المدرك لفجائعية اللوحة وأثر الاشتقاق الحسي للمشهد وفداحة غموضها
أيها الفنان انت أرحم من طفولتك عليك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل