الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكاديمية الآلهة

عبد الإله بوحمالة

2006 / 4 / 22
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


إذا تأملنا أية صورة جماعية، حقيقية كانت أو ذهنية، لزعماء وقادة الأنظمة العربية من الخليج إلى المحيط، فإننا حتما لن نعثر على مواطن كثيرة للتشابه والانسجام والتقارب فيما بينهم لأسباب نجملها في الآتي:
أولا، لأنهم يمثلون أقطارا ودولا يوجد بينها أصلا مشاكل عديدة، بدءا بالخلافات الحدودية والمنازعات الترابية وربما مشاكل مياه، مرورا بالصراعات الإثنية والعرقية ومشاكل الأقليات، وانتهاء بالعداوات الموروثة والأطماع التاريخية المتبادلة بين بعضهم البعض.
ثانيا، لأن طبيعة الأنظمة السياسية التي ينتمون إليها مختلفة ومتعارضة جوهريا؛ فبعض الأنظمة ملكية أو أميرية أو سلطانية يتم تداول الحكم فيها عن طريق الوراثة، وبعضها الآخر رئاسية وجمهورية جاءت للحكم بعد "ثورات" أو عقب تصفيات أو الانقلابات.
ثالثا، لأن بينهم اختلاف طبقي واجتماعي من حيث الأصول والبيئة التي نشأوا فيها؛ فبعضهم ولد وتربى في الرفاهية والنعيم بين ردهات القصور وتحت رعاية الخدم والحشم وفي ظل البروتوكولات والمراسيم. وبعضهم ولد وتربى في أوساط الفقر والكفاف، وتدرج في الرتب العسكرية أو المراتب الحزبية إلى أن تغلغل في السلطة ثم استولى عليها بطريقة من الطرق.
رابعا، لأن بينهم اختلاف أجيال وتباعد أعمار؛ فبعضهم في ريعان شبابه وأوج فتوته وفرحه بالحكم والسلطة والحياة، وبعضهم شاخ وهرم وضرب مليا في سقف العمر وصار يرنو إلى القبر.
خامسا، لأن بينهم فوارق من حيث الخلفيات الثقافية والمرجعيات الفكرية. فبعضهم مربوط إلى الماضي مقيد بقيود التقليد وإرث السلف، وبعضهم مشدود إلى الحاضر مجرور بدعاوى التجديد والحداثة والعصرنة.
سادسا، لأنهم يختلفون حول إشكاليات عديدة تتعلق بالدين والدولة؛ فبعضهم يحكم تحت مظلة العقيدة ويقضي باسم الشريعة ( حقيقة أو ادعاء ).. وبعضهم يسعى لفصل الدين عن الدولة وعزل المسجد عن الحكم.. وبعضهم الثالث يقف في الوسط في المنزلة بين المنزلتين، يأخذ من الدين ما يسند شرعيته على سبيل الإحالة، ويكتفي من طقوسه يغذي الروح على سبيل التبرك والتعبد..
سابعا، لأن بينهم تفاوتات اقتصادية كبيرة، فبعضهم يمثل دولة المال والأعمال والثروة النفطية الطارئة، وبعضهم يمثل دولة الخصاص والجوع والفقر والديون.
ثامنا، لأنهم يختلفون إيديولوجيا ومذهبيا؛ فبعضهم من تلاميذ الشرق وبعضهم من تلاميذ الغرب.. بعضهم من مريدي اليمين وبعضهم من دعاة اليسار.. بعضهم يراهن على الاشتراكية، وبعضهم يراهن على الرأسمالية.. بعضهم يمزج بين الطريقين، وبعضهم يشق بينهما طريقا ثالثا.
تاسعا، لأن بينهم اختلاف في الأسلوب والمنهج والطريقة؛ فبعضهم مسرف في الشعبوية ومغازلة الفقراء، وبعضهم مغالي في النخبوية ومحاباة الأرستقراطية.. بعضهم ثائر لا يتوقف عن محاولات تصدير ثورته إلى الآخرين، وبعضهم محافظ منعزل همه تسكين الأوضاع المتحركة وتثبيت الوضع القائم.
عاشرا وأخيرا، لأنهم يختلفون في الموقف من الغرب، المستعمر القديم والمستعمر الجديد؛ فبعضهم يصر على النظر إليه كعدو إمبريالي غاشم يسعى إلى استنزاف الخيرات الوطنية ويعمل على تكريس حالة التبعية والتخلف. وبعضهم يعتبره صديقا استراتيجيا دائما وشريكا اقتصاديا يعمل على مد يد المساعدة وتقديم العون في مسيرة التقدم والنماء.
فهل تكفي إذن هاته الأمثلة العشرة لتوضيح عمق التباين والخلاف؟..
إن لم تكف ففي طيها عشرات الأمثلة الأخرى، يمكن لمن شاء، أن يشتق ويستنبط ويضيف ويفصل إلى ما يريد..
أما نحن فننتقل لطرح الأسئلة التالية:
إذا كان الحال على هذا الشكل من التباين والتنافر والاختلاف.. وإذا كان المشهد على هذه الدرجة من التمزق والشروخ.. وإذا كان كل حاكم أو زعيم حالة خاصة لا تشبه الحالات الأخرى.. فلماذا إذن نلوم زعماءنا على أنهم لا يتفقون؟. لماذا نلومهم على الفرقة والتشتت والتقوقع؟.
لماذا ننتظر منهم أن يمشوا جنبا إلى جنب حفاة عراة في حقل شاسع من الأشواك والمطبات والألغام؟.
ولماذا نتنذر عليهم فوق ذلك، على هذا الواقع، بمقولات من قبيل اتفق العرب على ألا يتفقوا؟. ونقصد بالعرب زعماءهم طبعا..
أليس هذا إجحافا في حقهم؟. أليس هذا ظلما لهم أو لبعضهم على الأقل؟.
أو ليس حالهم مجرد صورة مصغرة لحال أوطانهم شعوبها؟.
الجواب، إننا نفعل ذلك ونلقي باللائمة عليهم وحدهم، لأنه لا يمكن، رغم هذه المقدمة الطويلة، أن نسلم بأن هناك دائما أسبابا موضوعية قاهرة تؤدي إلى النفق المظلم المسدود.. وأن هناك دائما مواضيع بدرجة من التعقيد والاستعصاء تعجز همة الحكام وتحبط نواياهم الحسنة.. وأن هناك باستمرار أيادي خارجية خفية لا تكف عن العبث والتآمر تحول بينهم وبين إنجاز توافق حقيقي.. ملزم ومسؤول.. في كل مرة تطرح فيها قضية من القضايا المصيرية التي تخص الأمة العربية ومستقبلها ولو على سبيل بيضة الديك.
ذلك لأن لهم من الأزمة، كولاة أمر، نصيب الأسد..
صحيح أن الاختلاف أمر طبيعي.. وصحيح أن الخلاف سنة من سنن الحياة التي جبل عليها البشر.. لكن حينما يصل الحال إلى مستوى الانسداد الذي تنتهي إليه قمم واجتماعات القادة العرب في كل مرة.. وحينما يصبح من العادي أن يختلفوا على البديهيات والمسلمات والعناوين والقضايا الصغيرة والجانبية، وأن يغرقوا حتى الركب في العموميات واللجاج حول بعض ما كان بالأمس القريب موضع اتفاق لا نقاش فيه، فهذا ما لا يمكن أن يؤشر إلا على حالة من العبثية والعقم والقصور لا تليق لا بالأمة العربية ولا بتاريخها ولا بشعوبها ولا حتى بزعمائها أنفسهم.
فأمام ناظرينا وتحت أعيننا تمثل كل يوم مظاهر لصراع حكومات ودول، وأمثلة لاختلاف شعوب وأمم وقوميات، تتصادم مصالحها وتتناقض طموحاتها وأطماعها، لكننا مع ذلك نرى ساستهم وزعماءهم يجتمعون في ظل النزاع، ويتحاورون ويتفاوضون ثم يخرجون في النهاية بنتائج وحلول.. ينطلقون مما توفر من أضيق مسالك الاتفاق ليسووا ويمهدوا مساحات الاختلاف.. يقربون بين وجهة النظر ونقيضها بالحوار والتكرار والأخذ والرد وسعة الصدر.. فيبنون الجسور بالتراضي والتنازل.. ويوسعون مجال التفاهم بتقليص مجال التعصب..
وبعد كل اجتماع وحوار، لا بد أن يتقدموا خطوة إلى الأمام ولابد أن يقطعوا شوطا في التقارب، وأن لم يتفقوا جزئيا أومبدئيا أو مرحليا فالحبل ممدود بينهم دائما والأولوية للحوار.
إن الزعماء العرب الذين يذهبون إلى القمم والمؤتمرات العربية ثم يعودون منها بخفي حنين، مختلفين كما ذهبوا أول الأمر، ليسوا من هذه الطينة ولا من هذه المدرسة.. لأنهم في الواقع رهائن لنمط من الحياة السياسية الداخلية السائدة في أوطانهم، وصنائع لشكل واحد متخلف من العلاقات المبنية على الهرمية الحادة والبطريركية المهيمنة وما يصاحبهما من تقديس للأشخاص.. واستفراد بالحكم.. واستبداد بالرأي.. واستهجان للمشورة.. وتغييب للحوار.. وإقصاء للمعارضة.. وتهميش للنخب.. واستبعاد للمثقفين.. وإذلال للرعية...
ولأن تصلبهم ناجم عما ألفوه من تزلف الشعوب ونفاق الحاشية وتملق الأتباع والمستنفعين والطفيليين.. وعما درجوا عليه من سماع آيات الحمد والإطراء وعبارات السمع والطاعة والتمجيد والولاء صباح مساء.. وعما اعتادوه من أصوات التهليل والتطبيل والتزمير، حتى استكانوا للتعالي والتعاظم وانساقوا إلى التشبه بالآلهة والأنبياء، وبات الحاكم منهم ينظر إلى نفسه وكأنه أمة لوحده.. يختزل الوجود في ذاته ويتخيل أن مشيئته فوق المشيئات، وإرادته أسمى من القوانين وأعلى من التشريعات.. وأنه منبع الحكمة والحق والإلهام الساطع، لا يخطئ ولا يزل، ولا تفوته شاردة أو واردة.
إن زعماء، أو حكاما، كان هذا شأنهم في بلدانهم وبين وزرائهم وشعوبهم لا يمكنهم أن يحضروا قمة من القمم أو مؤتمرا من المؤتمرات ثم يتركوا أنانياتهم المفرطة ونرجسياتهم المتضخمة وتصلبهم واستعلائهم جانبا للاتفاق على فكرة واحدة أو موقف واحد موحد.. لأن من كان دأبه إصدار الأوامر وإعطاء التعليمات وإلقاء النصائح والتوجيهات لا يمكنه أن يتحول في لحظة إلى مستقبل لآراء الآخرين متقبل لأفكارهم راضخ لقراراتهم..
ولأن من كان ديدنه سماع صوته الوحيد مجلجلا في الآفاق، لا يمكنه أن يرهف السمع لأصوات الآخرين..
ولأن من كان في الأول والأخير رقما وحيدا في معادلة الوطن لا يمكنه أن يصبح مجرد رقم بين الأرقام ولو كانوا أندادا في معادلة الأمة..
فكيف إذن نطلب من الزعماء أن يتفقوا؟.
كيف نطلب من الآلهة أن تنزل من علياء ملكوتها وتمشي على الأرض وتعانق بعضها من أجل أمة عربية غير موحدة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30