الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بطل من زماننا
أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)
2019 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية
بطلٌ من زماننا
أسامة عرابي
نُطالعُ في كتابِ الكاتب الكبير محمد المخزنجي "مع الدكتور محمد غنيم:السعادة في مكانٍ آخر"، الصادرِ عن دار الشروق المصرية، صورةً مضيئةً لرجل العلم المهموم بواقعه، مع حرصه على الثراء المعرفي والتجديد الإبداعي. إذ لم يسجن "د. محمد غنيم"أستاذ جراحة المسالك البوليَّة نفسه في زاوية اختصاصه الضيِّقة، ولم يجعلْ من العلم حقلًا مغلقًا، بل جعله وثيقَ الصلة بالقيمِ الإنسانيَّة وبالمجتمع، أي بأرضيتِهِ الإنسانيَّةِ والأخلاقيَّة. لهذا تنوَّعتِ اهتماماتُه بين الطب والسياسة ورياضة السِّباحة والتنس وكرة القدم والتصوير والفن التَّشكيليّ والرِّحلات البحريَّة؛ لتعكسَ على الصَّعيدِ العامِّ أنموذجًا لرجالاتِعصرِ النهضة، وحيويَّة نظرتهم إلى الإنسان وإلى المعاني الناظمة للوجود الإنساني، والسعي الدائب نحو الجمال والحريَّة والتجدُّدِ والتجديد.لذا آمنَ منذ البدءِ بحقِّ "المرضى الفلاحين في رعايةٍ صحيَّةٍ مجانيَّةٍ من دون مقابلٍ، في مُنشأةٍ جيِّدةٍ".. ولم ينسَ للمنصورةِ ولشعبها تحمُّسَهما وعطاءهما لإنشاءِ "مركزِ الكُلى والمسالكِ البوليَّةِ"، "وتكوينَهما رأيًا عامًّا داعمًا مبنيًّا على رصيدٍ من الثَّقةِ بالعاملين في المشروع وهدفهم السامي".. الأمر الذي ضاعفَ من إحساسِ د. غنيم وفريقِهِ البحثي بالمسئوليَّةِ، ودفعهما إلى العملِ الدَّءوبِ من أجل كسبِ معركتِهما الكبرى ضد" البلهارسيا وما تُسبِّبُه من أمراضٍ في الدلتا؛ حيث يُصابُ الناسُ بحصواتٍ وفشلٍ كُلويٍّ وأمراضٍ سرطانيَّةٍ لاسيما سرطان المثانةِ بأنواعِهِ المختلفة". الأمرُ الذي يُذكِّرُني بجُملةٍ دالَّةٍ كتبها الفيلسوفُ الفرنسيُّ الأشهرُ "جان بول سارتر" في تقديمِهِ كتابَ "فرانز فانون" (معذبو الأرض) : إن العالمَ الثَّالثَ يكتشفُ نفسَه، ويُخاطبُ نفسَه بهذا الصَّوتِ، ويُعلِّمُ النَّاسَ أن هذا العالمَ ليسَ مُتجانسًا". وهو ما أدركه بجلاءٍ د. محمد غنيم بما لديهِ من هَمٍّ نهضويٍّ، وإيمانٍ بالأمَّةِ ونهضتهِا، وبقدرتِها على التَّواصلِ والتَّقدُّمِ والمشاركةِ والنديَّةِ؛ ما أفضى به إلى التَّوثُّبِ العلميِّ والأكاديميِّ، مُفيدًا من دروسِ أساتذتِهِ الكبارِ: د. عبد الفتَّاح يوسُف، ود. محمود بدر، ود. إسماعيل السِّباعي، وسافرَ إلى إنجلترا وأميركا وكندا؛ ليتعلَّمَ ويُضيفَ الجديدَ، مُنخرطًا في العالمِ بتياراتِهِ الطليعيَّةِ ونظرياتِهِ المعاصرةِ، وبحثِهِ الحيويِّ عن المعنى والجوهر، مُدافعًا عن العدالةِ والنزعة الإنسانيَّةِ نشدانًا لعالمٍ متحرِّرٍ من الهيمنةِ والإقصاء، تكون فيه الفروقاتُ الفرديَّةُ بين البشر مصدرَ غنًى للجميعِ، وليس دافعًا للتمييزِ الطبقيِّ والعنصريِّ،بل لإرساءِ حقوقِ الإنسانِ في الوطن.لهذا امتلك د. محمد غنيم وعيًا تاريخيًّا أعانه على مواجهةِ مشكلاتِنا بأسئلةٍ صحيحةٍ ومقارباتٍ علميَّةٍ مُجديَةٍ؛ تأسيًا بجرَّاحِنا الفذِّ د. إسماعيل السِّباعي في اهتمامِهِ ومعرفتِهِ الجيِّدةِ بتاريخِ مصرَ الحديثِ. فأقدمَ مع فريقٍ من الأطباءِ الشُّبانِ غيرِ المعروفين في مارسَ 1976 على إجراءِ أولِ عمليَّةِ نقلِ كُلى في كليَّةِ الطب - جامعةِ المنصورة. وكانتْ أولَ عمليَّةٍتُجرى بنجاحٍ في المِنْطقةِ العربيَّةِ والشَّرقِ الأوسطِ، سابقين إسرائيل وسواها على حدِّ تعبيرِهِ. بعدَ أنْ آمنَ بأن قوَّةَ الأفكارِ تكمُنُ في الوقائعِ الإيجابيَّةِ التي تُخلِّفُها، أو في الوقائعِ السَّلبيَّةِ التي تُواجهها. فالسَّيرورةُ مع الأفكارِ لهما دومًا الأولويَّةُ في مشروعِهِ البحثيِّ. لذا يُؤكِّدُ د. محمد المخزنجي في تضاعيفِ سيرةِ د.غنيم الذَّاتيَّةِ أنَّ "الإنجازَ العلميَّ الحديثَ ليسَ عملًا فرديًّا"، بل هو بالطَّبعِ فعلٌ جمعيٌّ يأتي تتويجًا لتطوُّرٍ ثقافيٍّ وأخلاقيٍّ وقِيميٍّ. من هنا؛ حرَصَ د. غنيم على أن يعزوَ الفضلَ في إنشاءِ "مركزِ الكُلى والمسالكِ البوليَّةِ" إلى كلِّ مَنْ أسهمَ فيه بعرقِهِ وجهدِهِ وماله والكتابةِ عنه؛ من مهندسين وعمالٍ وفنيين وأفرادٍ وهيئاتٍ دوليَّةٍ مانحةٍ، ومَنْ عملَ معه في قسمِ "4" المُخصَّصِ لجراحةِ المسالكِ البوليَّةِ في مستشفى المنصورة، مُثمِّنًا بوجهٍ خاصٍّ جُهدَ د. أحمد بيومي ود. عادل بكر، وصحفيين تبنوْا القضيَّةَ ودافعوا عنها مثل مصطفى أمين وأنيس منصور وإسماعيل يُونُس، وآخرين لم يتسعِ المقامُ لذكرِ أسمائهم. فعلى حدِّ تعبيرِهِ "كنا نبني اسمًا لا قسمًا"، أي يبني مؤسسةً علميَّةً أو صرحًا علميًّا له عوائدُهُ الطبيَّةُ والمهنيَّةُ الجَمَّةُ حتى باتَ مضربَ الأمثالِ، يؤمُّهُ المرضى من أرجاءِ المعمورةِ كافة؛ على نحوِ ماشهدَ بهِ نائبُ رئيس زيمبابوي "جوشوا نكومو"الذي نصحه أطباءُ من جامعةِ "كيب تاون" بجنوب إفريقيا كانوا قد زاروا المركزَ من قبلُ، ويعرفون إمكاناتِهِ الباهرةَ، بالعلاجِ فيه، والطبيبُ الأميركيُّ "أنتوني أورلندنا"في كلمتِهِ التي عَنْوَنَها باسمِ "أميركيّ في المنصورةِ" في سجلِ زياراتِ المركزِ، والكاتبانِ الصحفيانِ مصطفى أمين وإسماعيل يُونُس، وقياداتٌ كثيرةٌ، وجميعُ رؤساءِ الوزراءِ المصريين ماعدا أحمد نظيف الذي كانتْ تربطه علاقةٌ وثيقةٌ، وهو بعدُ وزيرٌ للاتصالات قبل أن يليَ منصبَ رئيسِ الوزراءِ،بشركةٍ ألمانيَّةٍ دخلت في نزاعٍ قضائيٍّ مع المركزِ وخسرتِ القضيَّة؛ نتيجةَ عدمِ التزامِها بموعدِ التَّسليمِ. فنشأتْ معركةٌ إعلاميَّةٌ ضخمةٌ بينَ الطَّرفيْنِ، ومُورستْ فيها ضغوطٌ من أفرادٍ وحكوماتٍ، فعدَّ أحمد نظيف ذلك كلَّه ضربًا من ضروبِ التَّشهيرِ بالشَّركةِ، ورفضَ زيارةَ المركزِ. و"ماركوس هوهنفليز"رئيسُ قسمِ المسالكِ البوليَّةِ في مستشفى هايدلبرجأشهرِ مستشفياتِ ألمانيا، وكان أحدَ المتدرِّبين في المركزِ؛ لهذا كان يُولي اهتمامًا خاصًّا بعلاجِ الرئيسِ المعزولِ "محمد حسني مبارك" إبَّانَ سنواتِ رئاستِهِ؛ امتنانًا لمصرَ ولفضلِها عليه...وسواهم كثيرٌ.لذلك قرَّرَ د. محمد غنيم التفرُّغَ للعمل في المركزِ، ورفضَ فتحَ عيادةٍ خاصَّةٍ؛ "فمسئوليةُ تسييرِ العملِ، وتدريبِ الأطباءِ، والقيامِ بالبحوثِ، تتناقضُ مع أيِّ محاولةٍ لعملٍ خاصٍّ"، ثمَّ يُضيفُ مُؤكِّدًا ما سلفَ: "والحمد لله، لم يكنْ لي يومًا عملٌ خاصٌّ، وعندما أنظرُ الآن إلى هذا القرارِ وأتساءلُ: لو عادَ بيَ الزمنُ فهل سأتخذ نفسَ القرارِ؟ نعم، سأتخذُ نفسَ القرارِ، وأنا لا أشعُرُ بالنَّدمِ، بل بالعكسِ، أتصوَّرُ أنه كان خيارًا صائبًا".لهذا نعثُرُ في تكوينِ د. محمد غنيم الباكرِ إيمانَه الخاصَّ بثالوثِ: الوطنيِّ والقوميِّ والإنسانيِّ؛ انطلاقًا من شغفِهِ الشَّديدِ بالحريَّةِ، وارتباطِهِ بالواقعِ.فتطوَّعَ وهو بعدُ طالبٌ في الصفِّ الأولِ بكليَّةِ الطب عام 1956للقتالِ في أثناء العدوان الثلاثيِّ على مصرَ، برغمِ معارضةِ الأمِّ والوالدِ، على نحو ما تطوَّعَ يومَ الثامن من يونية عام 1967 في المجهود الحربيّ لتطبيب جرحى الحرب ومداواتهم في مدينةِ "المَنْزَلة" بعد يومْينِ من استلامِهِ عملَه مدرسًا في جامعة المنصورة.ورفضَ الانضواءَ تحت رايةِ أيٍّ من التنظيماتِ السياسيَّةِ الرسميَّةِ ( الاتحاد القوميّ، الاتحاد الاشتراكيّ، المنابر، حزب مصر، الحزب الوطنيّ)؛ نظرًا إلى طابَعِها الاحتفالي الدوغمائي، ونزوعها الاستبداديّ، ولكيلا يجورَ العملُ السياسيُّ على الفكر والجهد العلمييْن، من خلالِ الركضِ اليوميّ وراءَالاجتماعاتِ والمؤتمراتِوالمسيراتِ، وانتفاءِفرصِ القراءةِ الجادَّة. غيرَ أنَّ لقاءه في الجوالة في إجازة ما بعد السنة الثَّانية في الطب بزميله د. عليّ مختار الذي كان يكبره بعدة سنوات "وكان مثالًا للمثقف والمعلِّم لنا، وكان قارئًا جيِّدًا وصاحب شخصيَّة قويَّة وسويَّة، وهو الذي عرَّفنا بالاشتراكيَّة العلميَّة والقوميَّة العربيَّة، وكانت حركة متنامية بعد عام 1956، والحريَّات من المستعمرين ومن الإقطاع"؛ ممَّاأسهمَ في صياغة توجهاته العامَّة في هذه الفترة، لاسيما أنَّههو الذي "أسَّسَ فَرعَ حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ في مصرَ، واستضافَ في بيته بالجيزة، وكان به مكانٌ متسعٌ كبدروم، استضافَ ميشيل عفلق ليلقيَ محاضرةً ويُديرَ نقاشًا مع بعض الشباب؛نحو أربعين شابًّا وكنتُ واحدًا منهم". ولا شكَّ أنَّ شعاراتِ البعثِ الثَّلاثةَ : الحريَّة والوحدة والاشتراكيَّة لعبتْ دورًا عاطفيًّا في اجتذاب شبابٍ يافعٍ لم يبلغِ العشرين بعدُ ودغدغةِ مشاعره الوطنيَّة، فضلًا عن شخصيَّة ميشيل عفلق التي تميل إلى البساطة والهدوء والرزانة، وتراسله البياني الأخاذ كما بلورتها كراسته المعروفة باسم "ذكرى الرسول العربيّ- 1943، واقتناعه بأن" أصدق مرآة للنفس الإنسانيَّة هي الأعمال. ولا أكتمك أنني كلما فكَّرتُ أنني سأكرِّس نفسي للكتابة، أخجل في داخلي وأحتقرُ نفسي نوعًا ما؛ لأن الكتابة ليست غايتي العميقة. "- ميشيل عفلق.. الكتابات الأولى.. المؤسسة العربيَّة للدراسات والنشر.. د. ذَوقان قرقوط.ويروي لنا د. جلال أمين- رحمه الله- في الجزء الأول من مذكراتهالذي حملَ اسمَ "ماذا علَّمتني الحياة؟"، أن أول خليَّة من خلايا حزب البعث تشكَّلتْ في مصر كانت في عام 1954، وتكوَّنت من علي مختار وجلال أمين، وأنَّ قيادة الحزب في دمشق قرَّرت تعيينَ جلال أمين مسئولًا عن الحزب في مصرَ؛ بدعوى أنَّه أنهى دراسته، وأصبح لديه وقتٌيُمكن تخصيصُه للحزب ( إذ لم يكن عليّ مختار قد تخرَّجَ بعدُ في كليَّة الطب)، لكنْ ظلَّ عليَ مختار هو الدينامو المُحرِّك بنشاطه والتزامه اللذيْن لم يُفارقاه قطُّ، على حدِّ تعبيره.وإنْ كانَد. غنيم يُضيفُ إلى أعضاء فَرْع حزب البعث في مصر مجموعة يُطلق عليها "أنصار"، ضمَّتْ اسمي أحمد بهاء الدين وفاروق شوشة. وفي هذا السِّياقِ، يُشيرُ د. غنيم إشارة ذات مغزى حول دور الجامعة في تكوينه العلميّ، وإتاحة حريَّة الحركة التي تربطها بالمجتمع وما يدور فيه، وإشاعة مناخٍ من التفاعل الثَّقافي والاجتماعيّ والإنسانيّ يجعل منه أفقًا لتطلعاته المستقبليَّة. حيثُ كانتْ هناك ندواتٌ للموسيقى الكلاسيكيَّة والسيمفونيَّات وتحليلها، يُنظِّمها الطالبُ "طارق عليّ حسن" أستاذُالطب فيما بعدُ، وأحدُ مَنْ رأسوا دار الأوبرا المِصريَّة. كما أفادَ من ملاحظات أستاذه محمود بدر؛ الرَّجلِ الثَّاني في قسم المسالك البوليَّة بعد الدكتور فوزي، "ومشاهداته في المؤتمراتِ العالميَّة، وما استمعَ إليه في المحاضرات؛ فقد كان ناقلًا ممتازًا للمعرفة".وأدرك بيقينٍ"أن مسئوليَّة الأستاذ أن يُعلِّمَ الطالبَ ويضغطَ عليه حتى يتعلَّمَ، وفي آخر العام يكتب التِّلميذ تقريرًا عمَّا تعلَّمه، وهل أتيحتْ له فرصُ التعلُّمِ، وإجراءُ العمليَّاتِ الجراحيَّةِ؟ هل فاته شيءٌ؟ويكتبُ الأستاذ أيضًا تقريرًا عن تلميذه". كذلك كان د. غنيم حريصًا على زيارة المتاحف العالميَّة كلما سنحت له الفرصة، كما فعلَ عندما سافر للعمل في أميركا، ونهوضه بزيارة "مُتحف معهد الفن المعاصر" في شيكاغو، الذي يصفه بأنَّه "أكبر مُتحفٍ للفنِّ الانطباعي في العالم"، مُضيفًا: "أميركا بعد الحرب العالمية الأولى كانتْ غنيَّة، وأوربا فقيرة؛ فذهب الأميركان واشتروْا اللوحاتِ الأوربيَّةَ بثمنٍ بخسٍ نسبيًّا، وسكان شيكاغو أغنياء، يُتاجرون في المحاصيلِ الزراعيَّةِ خصوصًا القمحَ، وفي الماشية، فاشتروْا اللَّوحاتِ هذه وسلَّموها للمحليَّات"؛ لهذا "أنصحُ أيَّ شخصٍ يذهب إلى شيكاغو بزيارة هذا المُتحف؛ سيجد أعظم أعمال بيكاسو، أعظم أعمال فان جوخ، أعظم أعمال مونيه، وهكذا". وهي العادة التي لازمته طَوالَ سني عمره، حتى إن الزَّائر لمركز الكُلى يرى"أصص النباتات والزُّهور تتناثرُ في كلِّ الأركان، وعلى الحوائطِ لوحاتٌ شدَّني أسلوبُ عددٍ منها، حسبتُها لفنانٍ مِصريٍّ أو عالميٍّ شهير، وأدهشني أنها لفنانةٍ محليَّةٍ مغمورةٍ اسمها"سامية الليثي"، اكتشف موهبتَها الدكتورُ غنيم، وتبيَّنَ أنها "مُدرِّسة أشغال" تُربِّي أولادها بعد وفاة زوجها، فاقتنى عددًا من لوحاتها؛ إيمانًا بتميُّزها الفنيِّ وتقديرًا لكفاحِها الإنسانيِّ؛ لتُزيِّنَ مع غيرِها مكتبه ورَدَهات المبنى إضافة إلى النباتات والزُّهور.رؤية جماليَّة متكاملة في مستشفًى حكوميٍّ مِصريٍّ" على نحو ما يذهب د. محمد المخزنجي. الأمرُ الذي جعلَ مغامرة د. غنيم العلميَّة الإبداعيَّة صِنْوَ مغامرةٍ حياتيَّةٍ تتحقَّق بالفعل، وتُشكِّل بُعْدَ وجوده المستقبلي، ونظرته الاجتماعيَّة التنويريَّة إلى الممارسة السياسيَّة والثَّقافيَّة معًا.لذلك استطاعَ أنْ يستخلصَ درسًا مُهمًّا من تجرِبةِ عمله في مستشفى مانهاتن لخَّصه في"التأمل؛ وهو أن تبحثَ عن طريقةٍ لتحسين الأداء، مراجعة الأخطاء ودراستها، فكرة لكتابة بحث. وفي أميركا كان هناك مبدأ سارٍ وهو (publish´-or-perish)، ويعني أنْ تنشرَ أوراقًا بحثيَّة كثيرة، خصوصًا في العلوم الأساسيَّة، وإما أنْ تنتهي".كما أدرك أنَّ النجاح الباهر الذي حقَّقه"مركز الكُلى" على المستويات الإستراتيجيَّة والتكتيكيَّة والتنفيذيَّة ظلَّ ناقصًا" لأنَّه "لم يستطعْ تحويلَ هذه الأفكار من مستوى اللائحة إلى مستوى القانون حتى اليوم"، وهذا لا شكَّ مرتهنٌ بشرطيْنِ ضرورييْنِ هما"تغيير قانون الجامعاتلإرساء التفرُّغ والإعلان المفتوح والتَّرقية على أسس علميَّة وعودة أستاذ الكرسي، ثمَّ التَّمويل الذي سيُتيحُ لنا الاستمرارَ على نفس النَّهج الحالي؛ وهو العلاجُ المجانيُّ الجيِّدُ وتوفيره للمواطنين المحتاجين؛ حتى تأتيَنا تبرعاتٌ وهبات، وأنْ تزيدَ الحكومةُ الموازنة المُخصَّصَة للمركز". كذلك لم يتأخَّرْ عن تلبية نداء الواجب عندما تعرَّضت "غزة" للقصف الإسرائيليّ الهمجيّ في 27 من ديسمبر 2008 بقنابل الفوسفور الحارقة وقنابل دايم والقنابل الفراغيَّة؛ فاتصلَ بنقابة الأطباء لينضمَّ إلى قافلتها الذاهبة إلى هناك، بالتنسيق مع"اتحاد الأطباء العرب"، وبها ستة وعشرون طبيبًا، قاموا بعملهم بوصفهم أطباء طوارئ في الحرب؛ يؤدون ما هو مطلوب منهم من علاج وجراحات وتخييط جرح ونقل مُصاب أو ميِّت إلى المشرحة كلٌّ في حدود تخصُّصه. وعندما رأى أن مستوى التشخيص عندهم ضعيف جدًّا على صعيد المسالك البوليَّة، اتصلَ بصاحبة شركة "ستورز" الألمانيَّة للمناظير لمدِّ مستشفى "دار الشفاء" في غزة بمجموعةٍ متكاملةٍ منها مجانًا، وهو ما تحقَّقَ بالفعل. كما انضمَّ د. غنيم لفترةٍ إلى حزب"الجبهة الديمقراطيَّة"، لكنَّه سرعان ما استقالَ منه بسببِ الخلاف الذي اشتجرَ على رئاسة الحزب بين أسامة الغزالي حرب وبين نائبه محمد أنورعصمت السادات؛ "وهو ما أدَّى إلى ضياع الحزب، واندثار عملية بنائه، حتى تلاشى" وفق ما يذهب إليه. ثم بادرَ بالانضمام إلى "الجمعيَّة الوطنيَّة للتغيير"التي تشكَّلتْ من أطيافٍ فكريَّة متعددة ومختلفة، ساعية إلى: إنهاء حالة الطوارئ،وتمكين القضاء المصري من الرقابة الكاملة على العملية الانتخابية برمتها،وإشراف منظمات المجتمع المدني المحلي والدولي على العملية الانتخابية، وتوفير فرص متكافئة في وسائل الإعلام لجميع المرشحين وخصوصًا في الانتخابات الرئاسية، وتمكين المصريين في الخارج من ممارسة حقهم في التصويت بالسفارات والقنصليات المصرية، وكفالة حق الترشُّح في الانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية اتساقًا مع التزامات مصربالاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية،وقصر حق الترشُّح للرئاسة على فترتيْن، وأن تُجرى الانتخابات عن طريق الرقم القومي، وتعديل المواد 76 و 77، و88 من الدستور المصري. لكنَّ لم يُقيَّضْ لهذه التجرِبةِ النجاح والاستمرار؛ لأسبابٍ عدَّدها الإعلامي الكبير حمدي قنديل في سيرته الذاتيَّة "عشتُ مرتيْن" الصادرة عن دار الشروق المصريَّة عام 2014، وتُعزى إلى د. محمد البرادعي وطرائق إدارته الجمعية وتعامله مع القوى السياسية، ناهيك عن تعاليه واستخفافه بالآخرين؛ حيث "كان يتحدَّث إلى الناس عن بُعد، وكان غرامه بشبكة الإنترنت واضحًا، وكانت هي وسيلته الأولى للاتصال بمؤيديه، بل بأقرب معاونيه أيضًا، وعندما أبلغناه اندهاشنا لسفره بعد أيامٍ من استقباله الحماسي في المطار كان ردُّه جاهزًا: "الإنترنت ألغى المسافات"، وكان يُكرِّرُ هذا الردّ كلما سافرَ"، ثمَّ يُضيف حمدي قنديل:"لا أحدَ منَّا كان يستطيع أنْ يتصلَ بالبرادعي مباشرة؛ فقد احتفظ برقم هاتفه سرًّا على الجميع، وكان الطريق الوحيد للاتصال محصورًا في شقيقه علي البرادعي الذي يُلازمه كظلِّه؛ نقول له ما نقول وننتظر الردَّ أيضًا من خلاله، أما إذا كان هناك أمرٌ عاجلٌ فلا سبيلَ لإبلاغه سوى من خلال البريد الإلكتروني، وكنا نكظم غيظنا؛ آملين مع مرور الأيام أنه سوف يُدرك أن هذا الأسلوب لا يليق مع القامات التي التفَّتْ حوله"، بل الأدهى وأمرّ"أنَّ التَّواصل بين الرجل وبين قيادات الجمعيَّة قد أصبح محدودًا للغاية، والأرجح أنه كان يستعين بمجموعة بديلة".لهذا وصفه د.غنيم بأنه:"لا يمتلك كاريزما القائد، ولكنْ وضعنا عليه كلَّ آمالنا باعتباره القائد"! من هنا؛ وجدَ د. غنيم أن السياسة بوصفها شأنًا اجتماعيًّا عامًّا، هي فعل مقاومة بمقدوره تحريرُ المثقف من فضائه المغلق والمتعالي، ومنحُه القدرة على التمسُّكِ بإرادة التَّغيير وبالكرامة الإنسانيَّة الوطنيَّة. فنزل إلى شوارع المنصورة وميدان التَّحرير"كي يكونَ في قلب الحدث، ويتنشقَ عبيرَ الحريَّة حيث الحشودُ والمِنصاتُ والأغانيُّ الوطنيَّةُ والهُتافاتُ"؛ فثورة 25 يناير 2011"كانت ثورة أخلاقيَّة وحضاريَّة لم يكنْ فيها تحرُّشٌ؛ ثورة استخدمتْ فيها آلياتٌ لم نُشاهدْها من قبلُ؛ ثورة استخدمَ فيها الإنترنت ووسائلُ التَّواصلِ الاجتماعيّ، وبرغم أن التَّجمُّعاتِ والحركاتِ الفئويَّةَ، تواصلت على مدار سنتيْن، فإنَّ ثورة يناير كانتْ ثورة سياسيَّة، لم تُرفعْ فيها شعاراتٌ ولا مطالبُ فئويَّة" على حدِّ تعبيره. فتأكَّدتْ له فكرة زميله "د. ميشيل برنارد" أستاذ ورئيس قسم المسالك البوليَّة بجامعة ليون، ومحافظ ليون ونائبها في "الجمعيَّة الوطنيَّة": يا محمد.. العملُ المهنيُّ لا يُغيِّرُ مصرَ، لابدَّ أنْ يكونَ لك اهتمامٌ بالسياسة". لذا "قبِلَ المشاركة في لجنة الخمسين لكتابة دستور 2014؛ لأني رأيتُ أن هناك إمكانية للتغيير"، واختارَ المُشاركة في "لجنة الحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة"، مُسهِمًا مع آخرين في النصِّ على أن"أموالَ التَّأميناتِ والمعاشاتِ أموالٌ خاصَّة"؛ لأنَّ هذه الأموالَ قبل ذلك أضيفتْ إلى ميزانية الدولة واستولتْ عليها وزارةُ الماليَّة"؛ فكونها"أموالًا خاصَّة"؛ يُخوِّلُ لها التمتُّعَ"بجميع أوجُهِ وأشكالِ الحماية المُقرَّرة للأموالِ العامَّةِ، وهي وعوائدها حقٌّ مُستحَقٌّ للمُستفيدين منها، وتُستثمرُ استثمارًا آمنًا، وتُديرُها هيئةٌ مستقلَّة وفقًا للقانون". كذلك حرَصَ د. غنيم مع مجموعةٍ أهمها د. مجدي يعقوب على أنْ يُنصَّ على أنْ"تلتزمَ الدولةُ بتخصيصِ نسبةٍ من الإنفاقِ الحكوميِّ للصحَّةِ لا تقلُّ عن 3 % من الناتج القوميِّ الإجماليِّ"، و4 % للتعليمِ قبلِ الجامعيِّ من الناتج القوميِّ الإجماليِّ، و2 % للتعليمِ الجامعيِّ من الناتج القوميِّ الإجماليِّ، و1 % للبحثِ العلميِّ من الناتج القوميِّ الإجماليِّ كذلك. وأن تعمل المناهجُ الدِّراسيَّةُ على"ترسيخِ القيمِ الحضاريَّةِ والروحيَّةِ للمواطنين كالمواطنةِ والتَّسامُحِ وعدمِ التَّمييزِ"، و"تشجيع إنشاء الجامعات الأهليَّة، والتزامها بمعايير الجودة العالميَّة، وإعداد كوادرها التَّعليميَّة الخاصَّة". وأنْ يُراعى في فرضِ الضَّرائبِ"أنْ تكونَ متعدِّدةَ المصادرِ، وتصاعُديَّةً متعدِّدةَ الشرائحِ وفقًا لقدراتِ الأفرادِ التَّكليفيَّةِ"، وأنْ يكفلَ"النِّظامُ الضريبيُّ تشجيعَ الأنشطةِ الاقتصاديَّةِ كثيفةِ العمالة، وتحفيز دورها في التَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة"، و"ضرورة فرض ضريبة على تحوُّلات الرأسماليَّة،انتقال المِلكيَّة من خلال سوق المال"،"وأنْ تئول الرسوم كافة للخِزانة العامَّةِ للدولة". وعلى هذا النحو، أمضى د. محمد غنيم حياته في البحث والدَّرس العلمييْن، وخدمة بني بلده، مُقدِّمًا لنا أنموذجًا حيًّا لاقتران الرأي بالجسارة، وتلازم الوعي بالدور المسئول، حتى إنه كان" يُجري الجراحة للفلاح مجانًا، ويعتني به حتى يتماثلَ للشِّفاء، ثمَّ يصحبه إلى محطة القطارات ويقطع له تذكرة ويُجلسه في القطار ويُوصي عليه، وينصرف كواحدٍ من غمار النَّاس. بلا زهوٍ ولا التفاتٍ إلى وجوهٍ تلتفت إليه" كما أسرَّ الأديبُ "أحمد حسني" الموظف بمحطة سكك حديد المنصورة لصديقه د. محمد المخزنجي كاتب هذه السيرة الذاتيَّة الفاتنة. ولم يكنْ ذلك بغريبٍ على رجلٍ (د. غنيم) يتطلَّعُ إلى غدٍ يضمُّ الجميع، ويأخذ بيدهم إلى حداثةٍ ترتبط جدليًّا بمشروعِ تحرُّرٍ مُتعدِّدِ المستوياتِ؛ فقد كانَ يراه كاتبُنا الكبيرُ محمد المخزنجي"وهو بين المهندسين والعمال وأكوام الرَّمل وربطات حديد التَّسليح وشكائر الأسمنت، يحملُ ما يستطيعُ حملَه كأي عاملٍ في مشروع تشييد مركز الكُلى الذي نهضَ أعجوبة طبيَّة علميَّة وجماليَّة وإنسانيَّة فيما بعد"، كما يتذكَّره عندما كان يأتي إلى جامعة المنصورة"ليقرأ مجلات الحائط التي كنَّا نكتبها منتقدة أداء منظومة الحكم بجرأة، بل بتهُّورٍ في كثيرٍ من الأحيان. وكان يظهر صامتًا ليتأمل بعمقٍ أعمالَ المعارض الفنيَّة للطلبة، ولفناني المدينة. أمَّا حكايات صرامته وحدَّته ونجاحه في الإدارة واشتباكاته مع لجاجات اللجوجين، فقد أحببتُ الإصغاءَ إليها واستعادتَها بمتعةٍ، كما لو كانتْ نوعًا من الإبداعِ الحيِّ المدهشِ والمنعشِ" على حدِّ تعبيره. لهذا نجح د. غنيم في إشاعة مُناخٍ علمي يسمح لتلاميذه بمواصلة البحثِ العلميِّ، والإيمان الدائم بأن لهم رسالة تُجاه فلاحي مصر الذين يُعانون من سرطان المثانة، وراحَ يهنئ نفسه والعالم بنجاح تلميذه الباحث الشابّ "د. حسن أبو العينين"مدرس مساعد جراحة المسالك بالمركز في"اكتشاف صمام جديد للمثانة يُصنع من الأمعاء، لا يُكلِّفُ أكثر من خمسة دولارات، بدلًا من الصِّمام المعدنيِّ الذي كان يُوضع لكل مثانةٍ مُصنَّعةٍ من الأمعاء، وتُركَّب للمريض بعد عمليَّات استئصال المثانة المُصابة بالسَّرطان"، واضطلاعه ود.عطا الله شعبان ود. محمد مهران من قسم الجراحة بمركز الكُلى وجراحة المسالك بجامعة المنصورة _ مصر، في التوصُّلِ إلى اكتشاف بديلٍ المثانة"كيس كوك" الموصول بقناة التبوُّل الطبيعيَّة؛ وهو الخبر الذي نشرته الجريدة العلميَّة لجراحة المسالك البوليَّة النَّاطقة باسم رابطة جرَّاحي المسالك البوليَّة الأميركيَّة تحتَ عنوان"خبرات جديدة". لهذا استحقَّ د. محمد غنيم عن جدارةٍ الدّكتوراه الفخريَّة من جامعة جوتنبرج، والعضويَّة الشرفيَّة في جميع الجمعيات العلميَّة للمسالك البوليَّة، وعضوية المجلس الاستشاري لعلماء وخبراء مصر، وأنْ يُسمَّى"مركز جراحة الكُلى والمسالك البوليَّة"، باسم"مركز غنيم لعلاج أمراض الكُلى والمسالك البوليَّة"؛ بعد موافقة جامعة المنصورة بالإجماع يوم الاثنين السابع والعشرين من يونية 2016 على الاقتراح المُقدَّمِ من الأستاذ الدكتور/ محمد القناوي رئيس الجامعة بذلك.
إذن.. لماذا قسَّمَ د. محمد المخزنجي سيرة د. محمد غنيم إلى جزأيْن: الدكتور غنيم يحكي، وكاتب تشغله المعاني؟ هل ليُمسكَ بتلابيب التجرِبة، محاولًا الإحاطة بها، من زوايا ومداخل متعدِّدةٍ مُتباينة، أم أنها الرغبة في معايشة اللحظة الإنسانيَّة باعتبارِها كثافة حيواتٍ وأزمنةٍ تبعث فينا تلكم الحركة الخفيَّة التي تُنبِّهنا إلى معالمِها وقسماتها؟
في الحقيقة، استطاع د. المخزنجي أن يُعبِّرَ عن تجرِبة د. غنيم الحيَّة بشاعريَّة عاليةٍ منفتحة على أقانيم الروح التي يعمل على عمارتها، مشدودًا إلى تقاطع الذاتي مع الموضوعيِّ، متجاوزًا العاطفيَّة السهلة والبلاغة الفضفاضة؛ ليُقدِّمَ لنا محطاته بنبرةٍ نبيلةٍ وبسيطة، نتعرَّف من خلالها على وجهه الحقيقي، وطاقته الذاتيَّة الخلَّاقة، وإحساسه المعادِل للحياة. فمنحنا دفقة شعوريَّة شبيهة بالنافذة المفتوحة، التي رأى من خلالها الشاعرُ اليونانيُّ "يانيس ريتسوس" (السماءَ المُزهرةَ تتمرأى في البحر)، حاملًا معه أبديته التي تُشكِّل اندفاعته القويَّة نحو الحريَّة.
هنا يقول د. محمد المخزنجي:"رحلة طويلة في الطب والعلم والحياة؛ رحلة كبيرة قطعها الدكتور غنيم، فهل كانت سعيدة؟". يُجيب:"أجدني أمضي مع استحضار الخاطر لشيء من سيرة طه حسين وزوجته سوزان، والتَّشابه الذي أراه واردًا بينهما وبين الدكتور غنيم وزوجته؛ حيث يكمن جوهر الإجابة عن سؤال: ما السَّعادة؟ فسوزان طه حسين في كتابها "معك"، وتعليقًا على عبارة طه حسين لها:"إننا لا نحيا لنكون سعداء"، تقول:"عندما قلتَ لي هذه الكلمات في عام 1934 أصابني الذُّهول، لكنني أدرك الآن ماذا تعني، أعرف أنه عندما يكون شأن المرء شأن طه حسين، فإنه لا يعيش ليكون سعيدًا، وإنما لأداء ما طُلبَ منه"! وهو ما عثرَ عليه د. المخزنجي لدى د. غنيم حينما سألته الإعلاميَّة منى الشاذلي في برنامجها"العاشرة مساء"عمَّا كان يفعله عندما ذهب إلى غزة متطوِّعًا في أثناء العدوان الإسرائيلي في 27 من ديسمبرعام 2008؛ فكانتْ إجابته:"نعمل المطلوب".أي أن العالِمَ هم مَنْ يجعلُ وَكْدَه تطوير الحياة انطلاقًا من وعيه بدوره الاجتماعي والتَّاريخيِّ. أو بتعبير كاتب السيرة:"المهم هو المطلوب عملُه، والذي تُحدِّده الحالة لا ما يُحدِّده الطبيب، والمطلوب يستدعي التَّفاني والتَّواضع، ولا أظنُّ توارد الخواطر لإيرادِ التَّعبير نفسه كان صدفة بلا معنًى، بل هو معنًى كامنٌ أظهرته الصُّدفةُ. وياله من معنًى". ألم يقلْ لنا المحامي والكاتبُ الإسكتلندي"جيمس بوزويل":"الحياة تقدُّمٌ من رغبة إلى أخرى، وليس من متعةٍ إلى أخرى".. أي أن الرَّغبة هي التي تُحدِّدُ وظيفيًّا ماهيَّة التَّوجُهِ والقصد أو الغاية التي رسَّخها داخلنا التطوُّرُ الإنسانيُّ.. الأمر الذي يجعل الأحلام حيَّة ومؤلمة في كثيرٍ من الأحيان.
وبذلك قدَّم لنا د. محمد غنيم عبر سيرته الذاتيَّة"السَّعادة في مكانٍ آخرَ"، ود. محمد المخزنجي بصياغته لها، وبحثِه عن معانيها ومغازيها وجماليَّاتها، عملًا إبداعيًّا يُلامس الرُّوح، ويُضيء الطَّريق إلى المستقبل.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار
.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس
.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر
.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل
.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية