الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصريون والعقل الجمعي

أماني فؤاد

2019 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


آمن المصريون القدماء بالخلود، وشكّل نهر النيل بحياتهم جوهرا ثابتا لا يتغير، ومن فكرة الحياة بعد الموت، والمستقر الذي تتغير عليه الظواهر ويظل هو على بقائه، تبلورت رؤاهم لكثير من قضايا الحياة وما بعدها. رفضْ الفناء والنهايات جعلتهم يؤبدون أشياء من طبيعتها أن تنتهي، أن تنقضي ويحل محلها آخرى، فهم يرتاحون إليها هكذا، حنطوا أجسادهم، وألّهوا ملوكهم، واتخذت فنونهم شكل الثبات دون حركة أو فراغ لتبقى رغم مرور الزمن. ولقد ظلت هذه الأفكار تسيطر على العقل الجمعي المصري بتجليات لها شتى، ففيها يستشعرون قدرا من الأمان دون مغامرة. تلك الرؤية للوجود جعلتهم ينجزون أشياءً ويفتقدون أشياءً أخرى، حيث تصيبهم فكرة التغيير بالقلق وكأنهم دائما يخشون من هذا المجهول الذي لم يختبروه بعد، وتسيطر تلك الرؤى على الجميع سواء ارتفعت ثقافتهم أو كانت محدودة، ولم ينج إلا القلة.
منذ أسابيع أشمُ رائحة احتراق دائم ترافقني، تصورت في البداية أنه ناجم عن الحرق المضاعف بأصبعي يدي، مع الوقت تكشف لي أنه رائحة الخوف من ردة الجموع عن استحقاق ديموقراطي شديد الأهمية كتب بدستور مصر سنة 2014 وأريقت من أجله دماء ذكية، هذه المادة التي تحدد مدة الرئاسة بفترتين فقط لا يزيدا عن ثماني سنوات ولا يجوز تعديلها لأنها محصنة. الاحتراق الذي تعلو أدخنته ناتج من عدم وعي مجتمعاتنا بأهمية تداول السلطة، وهو ما دفع كثيرون للمطالبة بتعديل تلك المادة مع بعض مواد أخرى تؤسس للحكم المطلق والمركزية التي رفضناها في تجارب الحكم السابقة، وكأننا لا نشبع من التأبيد وتبعاته.
يغيب عن وعي الجموع التقليدي مميزات تجديد الطاقات والاستراتيجيات التي تدفع بالبلاد إلى التطور والتقدم، لافتقار الموروث المعرفي لدينا لمميزات التداول والتغيير.
ــ فشعور القائد بأنه مكلف بمهمة وطنية يجعله يبذل أقصى ما في استطاعته في تلك المدة ليترك أثرا في ذاكرة التاريخ ويوضع لهذا برنامج عمل محدد الأهداف والمدى الزمني، وعلى المستوى النفسي لن تنازعه نوايا التجبر أو التسلط فدائما ما سيشعر بانقضاء مدة بقائه على رأس الحكم، كما أنه سيعيش كمواطن عادي بعد فترته ليسأل عن منجزه فيها.
ــ تقطع المدة المحددة غير القابلة للتمديد أية مصالح دائمة للبطانة التي تعمل حول الحاكم أو مع أسرته. فتداول السلطة لا يساعد على خلق طبقة من المنتفعين حول من بيده الأمر، فعادة ما تحتكر هذه الفئة كل المزايا والصلاحيات وتعوق وصول آثار التنمية للجموع، ونتيجة لبقاء مصالحهم وازدهارها مع أحد الحكام يسعون لبقائه حتى لو لم يحقق منجزا.
ــ يضمن تداول السلطة وتغيير الحاكم تجنب قيام الثورات، وما يترتب على اشتعالها من اضطرابات، وانهيار مؤسسات الدولة مما يؤثر على تدني الحالة الاقتصادية، حيث سيشعر جميع المواطنين أن هناك دستورا حاكما لا يمكن القفز فوقه أو تعديله، فهناك انتخابات وفترات محددة يمارسون حقهم في الاختيار من خلالها.
ــ يضمن تداول السلطة استراتيجيات جديدة لمشاكل مصر المزمنة الخاصة بقضايا الفقر والجهل والمرض ومحاولة ابتكار حلول لها خارج نطاق الأفكار التقليدية.
كلنا يدرك ويثمن أهمية الدور الخطير الذي قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي حين تصدى وحمى مصر من مصير دولة دينية تتنازعها الحروب الأهلية نتيجة الصراعات العقائدية والمذهبية، ندرك أيضا أنه لا يتوانى يفعل كل مايراه لخير مصر وتقدمها وفق رؤيته، كما أننا ندرك حساسية المرحلة التي نعيشها واستمرار العمليات الإرهابية التي تستهدف أمن المجتمع المصري. ولقد لاحظت في بعض توجيهات الرئيس بشأن بعض القضايا الجوهرية لمصر رغبته الصادقة في معالجتها من جذورها، والترسيخ لفكر جديد ولقيم العمل والإنجاز والنهضة بهذا البلد، لذا لم يزل يراود الكثير من المصريين أمل أن يقف الرئيس بنفسه ليؤسس لإرث ديمقراطي راقي لتثوير فكر المصريين التقليدي حول الثبات، ولينتصر لمبدأ تداول السلطة وتجديد الطاقات فيصبح القائد الرائد في تدشين الفكر السياسي الديمقراطي في مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم تداول السلطة مطلوب ولكن ...
زاهر زمان ( 2019 / 2 / 24 - 13:14 )
نعم تداول السلطة قمة الديمقراطية وقمة التعبير عن المصالح العليا للشعوب ، لكن فى حالة مصر ، لن يكون هناك تداول للسلطة ، مالم ينجح النظام الحالى فى الوصول بالوجدان والعقل الجمعى للمصريين الى التحرر التام من الاستعباد والاسترقاق والوقوع فى مصيدة تيارات الاسلام السياسى ، الذى لا يزال متغلغلاً بشعاراته ومظاهره ، فى كل شبر على أرض مصر ! لقد فوضنا عبدالفتاح السيسى فى 30 يونيو ثم انتخبناه بشرط أن يسلمنا دولة ديمقراطية مدنية حديثة ، وذلك الهدف لم يتحقق حتى الآن ، فمازالت تيارات الاسلام السياسى متغلغلة حتى فى المصالح والدوائر الحكومية ، وليس فقط على مستوى المجال الخاص بالأفراد ! خلاصة الكلام ، تيارات الاسلام السياسى المدعومة من أنظمة اقليمية ، لا تزال قادرة على اقتناص السلطة فى مصر ، بمجرد رحيل النظام الحالى ، سواء بانتخابات حرة نزيهة أو بغيرها ! ألا يكفينا العام الذى خبرنا فيه كيفية ممارسة تلك التيارات للسلطة عندما قفز تنظيم الاخوان الارهابى على السلطة فى 2012 ؟

اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك