الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الهارد تالك- أو المقارنات المستحيلة

عزيز مشواط

2006 / 4 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


لم يكن مفاجئا تراجع حكام فرنسا عن اقرار قانون الوظيفة الأولى بعد نزول اكثر من ثلاثة ملايين مواطن فرنسي الى الشارع في موجة احتجاجية قادها الطلاب الفرنسيون و أعادت الى الأذهان قوة الشارع الفرنسي حين تهدد حقوقه الثابتة .
ولم يكن مفاجئا كذلك حجم التعبئة التي استطاعت النقابات حشدها بفعل التاريخ الفرنسي الذي عودنا على المبادرات الشعبية و الجماهيرية الحاسمة و التي لا تمس فقط المشهد السياسي الفرنسي و و انما تمتد تأثيراتها الى باقي انحاء العالم .
انتهى اذن قانون الوظيفة االأولى الى الفشل و انكسر تصلب دوفيلبان الى الفشل على وقع الضربات الموجعة لشارع فرنسي مستعد للتضحية بهدف حماية نظام اجتماعي يعتبر الأكثر تطورا في العالم.
و اذا كان قانون الوظيفة الأولى شأنا فرنسيا صرفا فان رسائل الشارع الفرنسي الى العالم و الى المغرب بالخصوص لا تنتهي،ولعل أولى الخلاصات الممكن تسجيلها تلك المرتبطة بمدى الوعي الاجتماعي للطلبة الفرنسيين الذين قادوا المسيرات الاحتجاجية بحنكة سياسية بالغة.
أما الملاحظة الثانية فتهم خصوصيات النظام التربوي الفرنسي الذي يستمر في انتاج النخب القادرة على حمل مشعل المثقف العضوي الملتزم بقضاياه و القادر على تغيير مجرى الأحداث و التأثير فيها و التفكير من خارج النظام السائد .و اخيرا تلك القدرة التي لا تزال للفاعلين الاجتماعيين و للنقابات على التجاوب مع مطالب الشغيلة و المواطنين و مصداقيتهم النابعة من استثمار كافة وسائل الضغط.
و بالمقابل فان التراجع الخطير الذي يشهده الفضاء النقابي المغربي و حجم التنازلات المسجلة في مختلف مناحي الحياة العمالية ،يفيد بما لا يدع مجالا للشك أن النقابات ماضية في التخلي عن دورها الموكول اليها و الترويج لخطابات استسلامية أقل ما يمكن وصفها به انها خطابات مهادنة تحت ذريعة السلم الاجتماعي و الوفاق و النقابة المواطنة و كأن النقابات الفرنسية التي اعلنتها لاءات مدوية و نزلت الى الشوارع للاحتجاج لا تهمها مصلحة فرنسا .
الشعارات التي ترفعها التنظيمات النقابية لا تعني في النهاية سوى مزيدا من الانبطاح و التخلي عن الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية للفقراء الذين تزداد الهوة بينهم و بين مالكي الخيرات بشتى أنواعها ، و هو ما يفيد بأن النقابات بترديدها لهاته الاسطوانة المكرورة وباستمرار تبرير مواقف الدولة بمبررات المرونة انما تضع نفسها مطية سهلة لتمرير كافة القراررات المجحفة في حق الشعب.
المدهش حقا في الحركة الاحتجاجية و التي شكل الطلبة احد اعمدتها الرئيسية هي ذلك البروز اللافت جدا لجيل جديد من الفاعلين الجدد على الساحة الفرنسية و الذين سيمثلون القوة الضاربة لوعي نقدي مضاد لمسلسل أمركة فرنسا و تحويلها في اتجاه تبني النموذج الفرنسي ،ففي حديث لبرنامج Hardtalk والذي تبثه البي بي سي قال فيكتور وهو أحد ممثلي الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا و لا يتجاوز عمره 22سنة للمذيعة التي استفسرته حول جدوى الاحتجاجات ضد قرار سيمكن فرنسا في حالة اقراره من التخلص من حالة التخلف التي تعاني منها مقارنة مع امريكا و بريطانيا فكان رده الحاسم و الجازم "اننا نرفض رفضا باتا النموذج الامريكي و البريطاني في التقدم "قبل أن يضيف انهما لم يخلقا سوى ملايين من الفقراء موردا في هذا السياق رقم 12مليونا أمريكي يعيشون تحت عتبة الفقر أي باقل من دولار في اليوم .
و بالرغم من المحاولات الحثيثة التي قامت بها الصحفية للايقاع بهذا القيادي الشاب في أسر النموذجين الأمريكي و البريطاني فانه دافع باستماتة عن خصوصية التجربة الفرنسية و استعداد الطلبة و الجماهير الفرنسية للدفاع عنها كنموذج ثقافي عالمي مستقل و متميز.
ولا يسع من شاهد ردود القائد الطلابي الفرنسي الا أن يستشف في خطابه حسا نقديا و اجتماعيا وسياسيا عاليا .
صحيح أن لا مقارنة مع وجود الفارق ،لكن الشئ بالشئ يذكر،و هنا لا بد أن نستحضر بؤس الخطاب الطلابي المغربي حيث انتقلت الجامعة من انتاج الفكر النقدي الخلاق الى تفريخ ماأسماه السوسيولوجي محمد جسوس في مقالته الشهيرة جيل الضباع بفعل سياسة ممنهجة استهدفت القضاء على المعاقل العلمية بغية الانهاء مع دورها التنويري،وتحويلها الى أداة طيعة .
قد تربح فرنسا وقد تخسر ،وقد يقبر قانون الوظيفة الأولى أو يعاد اخراجه في حلة متخفية جديدة ،وقد يستمر الصراع بين رؤيتين مختلفتين الأولى يمينية يقودها توجه يميني يقوده القادم الجديد ساركوزي و من معه و الثانية ذات حس نقدي اجتماعي يمثلها جيل من الشباب و الطلبة الذين بشروا العالم بثورة يقودها حس يساري واع و مستشرف للمستقبل .لكن الأكيد هو أننا نتخلف أشواطا كبيرا عن مسار فرنسا التي يسبح قادتنا باسمها هي المركز و النموذج ،انهم يتخلفون عن نموذجهم حين يكون النموذج صادما و يقبلونه حين يوطد دعائم الاستغلال.
وقبل ان ان ارتاح من وعثاء هذه المقارنات المستحيلة أود أن أوضح :ليس التخلف هنا تخلفا تكنولوجيا و لا اقتصاديا ولا حتى سياسيا،ولكن التخلف كل التخلف كامن في عدم القدرة على خلق الدينامية الفكرية و الثقافية وعدم تحريك الوضع الأسن ،فلتتدبر النخبة في مآلها و ليعد الفرقاء الاجتماعيون و الدولة حسابات الربح و الخسارة لان الأجهزة الرمزية بما فيها النقابات و الاحزاب و المدارس و الجمعيات تكاد تفقد مصداقيتها مطلقا، وفي ذلك ايذان بهبات قد تكون عواقبهاغير محسوبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا