الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية (هلو. سات) تأليف وإخراج د. ماهر الكتيباني

عباس كاظم رحيمه

2019 / 2 / 22
الادب والفن


مسرح اللاتوقع الحركي حضور المفهوم وتناسل الدلالة:

إن المسرح من الفنون التركيبية التي يرتبط فيها الجمال السمعي بالجمال الحركي، فما أن يتفوه الممثل بالكلمة التي يتشكل من خلالها الحضور بمعناه المادي والفيزيقي، حتى تتخذ الكلمات لها وسيطاً آخر في ايصال المعنى الى المتلقي مستعينة- أي الكلمات- بحركات وإيماءات جسدية غالباً ما تحمل معنى مضافاً أو تؤكد على معنى ما. من هذه الثنائية تنشأ اشكالية العلاقة بين النص بوصفه ينتج مفهوماً محدداً، والحركة التي تميل الى التعدد وتناسل دلالاتها. هذا الأمر دعا الكثير من المخرجين الى اعتماد أساليب مختلفة، تراوحت بين أولوية سلطة النص على غيره من عناصر العرض، وأخرى حاولت البحث عن لغة تجريبية جديدة للعرض والتقليل من أهمية النص وتالياً استبعاده واستبداله بالإيماءة والحركة ومن ثمة تتم غلبة قوة الصورة البصرية ذات الابعاد الدلالية المتعدد على سلطة الكلمة وثبات المعنى.

في مسرح اللاتوقع الحركي: كيف يتسنى لنا قراءة الفعل الحركي بوصفه ما لا يمكن التوقع بحدوثه، هل يمكن أن يكون الحوار مفتاحاً لتأسيس معنى الحركة والتوقع بمسارها، وبهذا يكون الانتقال من حالة اللفظ الى المفهوم الحركي امراً ممكناً؟ واذا كان المسرح ينطلق كأسلوب اخراجي قائم على اللاتوقع الحركي، ماذا يمكن ان نستدل عليهِ من الحوار؟ إن المخرج مهمومٌ بالحركة المعبرة عن المتناقضات الداخلية التي تعصف بالفرد ككائن اجتماعي، فهي "شخصيات" متشوقة للحياة ولكنها فاقدة لها معنوياً، وان الحياة كمعطى وجودي تتمثل بوجودها المادي فقط. وبهذا يمكن ان نستشف من هذه العلاقة مدى التباين بين الملفوظ الحواري وحركة الممثل، ففي الوقت الذي ينطق الممثل حواره وكأنه يرتله ترتيلاً، نجد الحركة تسير مسرعة وباتجاهات متعددة، وبذلك لا يمكن الوثوق بدلالة واحدة في استعمالات الحركة ومقاصدها داخل شبكة العلاقات المتقابلة والمتقاطعة احياناً، مما يجعل عملية التوقع أو التنبؤ امراً عسيراً في ظل هذا التعقيد في العلاقات المتشابكة بين ما تلفظه "الشخصية" والفعل الدال عليه. ذلك هو مسرح اللاتوقع الحركي الذي يفصل بين القصد والمعنى، من خلال تفكيك العرض الى اصغر وحداته؛ وأن هذه العناصر تعمل كإشارات ولكنها اشارات جزئية دون أن يكون هناك ترابط فيما بينها، ووفقاً لهذا التباين الحاد بين ما تلفظه "الشخصية"، وبين حركتها يُسمح لدلالات العمل المسرحي أن تتحرر من حتمية التأويل الأُحادي، ومن هنا تكون العلاقة مجازية بين العرض كمفهوم دلالي واجتراحه للواقع كمدلول له.

في البدء، تنفرج لنا خشبة مقسمة عن طريق ثلاثة اعمدة وكأنها قبور شاخصة؛ وهذه الاعمدة تجعل الرؤية من قبل الجمهور عندما ينظر من خلفها بأن الخشبة مقسومة إلى نصفين، وعند التحام الممثل بها تُشطر الشخصية الى شطرين في اشارة الى الحياة والموت، أو الأنا، والهو، أو الرفض والقبول، وغيرها من الثنائيات التي يمكن أن يحيلنا عليها العرض. يؤكد هذا الزعم وجود المشانق في رقبة "الشخوص"؛ واذا يمكن لنا قراءتها على انها نوع من انواع القيود أو الحدود التي تحتجز "الشخصيات" وتحدد حركتها، تُعد بمثابة اشارة الى غياب الحرية التي تفتقدها "الشخصية"، وعلى الرغم من التدفق الحركي الا أننا نجدها شخصيات ساكنة جامدة، لا تقوم بفعل ما، وإن كل ما تأتي به هو رد فعل على قهريتها وانزوائها عن العالم الخارجي، فيكون رد الفعل هو فعلها المتردد والمتأخر في إنجاز أي هدف أو غاية، وذلك لأنها، تَنكُس في الانحطاط، والوجود الهش، الذي يستنزف كل امكانياتها فتلجأ الى الثرثرة أكثر من الحوار العقلاني المعبر عن كينوناتها الانسانية. من هنا كان الجمود ماثلا ايضاً بجمود المنطق وغيابه لديها. وذلك ما نجده في عبارة احد "الشخصيات": " أفكر ملياً في أمر القرقعة"، فتجيبه "شخصية" أخرى "ماذا يال المفاجئة منذ متى وأنت تفكر؟!" وعلى هذا الاساس يضعنا المخرج أمام "شخصيات" لا تصنع التغيير بحثاً عن التحول في مسار الحدث، ولا تنتمي الى موقف معين، لأنها ببساطة "شخصيات"، ترتاب وتشك وتخشى، وهي أفعال معيارية سلبية، تحاول ان تختار والاختيار شرط من شروط توفر الارادة الحرة القادرة على الاختيار؛ في حين انها تقول بأنها "ليس لديها مبررات الاختيار". بهذا الفهم تميل أكثر الى (مبدأ الوجود بالقوة وليس الوجود بالفعل).

وعليه يكون صدق الوجود منافياً لوهم الملفوظ بصيغته الدلالية، معبراً بذلك عن الفجوة والاختلاف بين ما تريده الشخصية وتسعى إليه من جهة وبين ارتهانها للواقع من جهة أخرى.

من هذه الناحية، نشاهد حركة جماعية مكررة وآلية، لا يتحقق فيها حدث متفرد لكل واحدة من "الشخصيات" وكأنها تدور في فلك حركة اجتماعية نمطية لا متناهية، وإذ تقوم "الشخصيات" بفعل الكنس يصبح – أي الكنس- عملية محو لأثر التخريب والدمار الذي أحدثه الزمن في حياتها، أو نسفاً لفعل الذات الواعية ومن ثم محوها هي ذاتياً، بمعنى، يتقلص فيها كيان الفرد ويتضاءل امام كيان اكبر منه، ربما يكون ذلك هو الهيكل الضخم – الذي يحدثنا عنه العرض- بأبعاده الاجتماعية، وبوصفه ميثولوجيا مهيمنة على الوعي الجمعي والفرد على حدٍ سواء.

على هذا النحو كان مبدئ التكرار سمة غالبة في العرض، سواءً بتكرار الحوار أو الحركة، بوصفه أسلوباً تعبيرياً في الانفتاح على الآخر، وتأكيداً للحظة زمنية عابرة والعودة الى الأشياء بقصد رؤيتها بطريقة مختلفة. لكن التكرار هنا لا يعني المطابقة والتشابه بقدر ما هو اختلاف وتغاير وبناء علاقات جديدة مع الآخر. في هذا الاطار كثيراً ما يرد التساؤل من قبل "الشخصيات"، عن ماهية كائن ما، أو مجموعة كائنات، فعن أي كائن يتم التساؤل، ومن هو السائل، هل هي الذات الواعية والمفكرة التي تتصدر فضاءها الذي تنتمي اليه، أم هي الذات الفاعلة التي تسعى الى الخروج من عالمها الداخلي لتذهب نحو الآخر، كما في مقولة: "ما نحن غير الآخر المتغلغل في دواخلنا"؟ ان سؤاله واتجاهه نحو الآخر هو بمعنى ما سؤاله عن ذاته ومحاولة ادراكها من خلال ادراكه للعالم وللآخر، تماشياً مع فكرة هيدغر: "قد يكون كل واحد آخر ولا يكون كل آخر ذاتي" هذا ما يحيلنا الى الاختلاف وعدم التطابق ما بين "الشخصيات". إذ وبحسب سياق العرض: يتبادر الى الذهن أننا أمام أرادات متضادة لا تحمل هوية واحدة، إنما نواجه مجموعة من الرموز أو إحالات لكينونات وليست كينونة واحد منقسمة على نفسها، أو ذوات مستقلة، يستند هذا الرأي على دخول وخروج أكثر من "شخصية" داخل المشهد ما يجعلها تتمتع ببعدها الدرامي المعبر عنها. ولذلك نجدها "شخصيات" قلقة دائماً تبحث عن ما يبرر وجودها، ولأنها تعيش في مكان معتماً ومحاصراً بالريبة، لا يجد الضوء اليه منفذاً حتى في أشد تحولات درجة الاضاءة لا تَتحدد زاوية نظر واضحة الرؤية؛ - نقصد الرؤية الجمالية التي تحيل الى معنى الرموز والغوص في استبطان دلالاتها- إنما هي رؤية غائمة يصعب معها توقع انماط الحركة والتدليل عليها، وكأن المتلقي يسمع أوضح مما يرى، وعندما يلجأ الى هذه المزية في التواصل مع ما يسمعه يجد نفسه أمام شفرات أكثر تعقيداً من علاقة الصورة بما توحي به لمحاولة استكشاف ما هو متخيل وجديد بصرياً. وبذلك يتحقق التمايز بين المفهوم الذي يتحدد به النص، وبين الاستدلال على المعنى الحركي الذي يحتجب وراء قابلية الحركة والإيماءة على التوالد الدلالي, فالعرض لا تنمو فيه شخصيات واقعية بمفهومها العام، وإنما يمكن وصفها بأدوار مسرحية تنبثق من صلب الواقع أو مجموعة من الدوافع التي تبحث عن مبررات لسلوك نفسي، اجتماعي، يمكن من خلاله الإجابة على ما يطرحه العرض من أزمات نفسية، يتمفصل فيها، القلق والخوف، والشك، وغياب الصورة الواضحة لما هو قادم الذي لا يختلف عن لحظة ما هو حاضر أو ماضٍ، من ثم يكون المجهول هو المجال الذي تتحرك فيه- ما يمكن تسميته مجازاً- "الشخصيات". وعليه يكون مسرح اللاتوقع الحركي لا تفصح به الأشياء أو الشخصيات عن نفسها، وإنما يكون اللا- توقع هو الهدف الذي تخضع له كافة عناصر العرض، فيصبح اللاتحديد أو عدم الوصل الى دلالة معينة صفة ضرورية من قبل المتلقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??