الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجريب في السرد القصصي في مجموعة رؤى المدينة المقدسة لأميمة صبحي

أماني فؤاد

2019 / 2 / 23
الادب والفن


التجريب في السرد القصصي
د. أماني فؤاد
تنشغل الكاتبة "أميمة صبحي" في مجموعتها الأولى "رؤى المدينة المقدسة" بالتجريب في استخدام التقنيات السردية، لتقع نصوصها في منطقة وسطى بين القصة القصيرة وتقنيات السرد الروائي، حيث توظيفها لعبر النوعية استنادا إلى الخبرة بالكتابات الإبداعية وعلاقاتها بالفنون الآخرى، ووعيها بالتيارات الفنية والنقدية، وخلفية القراءات العالمية نتيجة لاشتغالها بالترجمة عن اللغة الإنجليزية. كما يتضح تأثرها بعوالم السرد عند كافكا حيث تطل أطيافه الغرائبية في ثلاث عشرة قصة محتوى المجموعة، وتطل طبيعة الكاتبة القلقة التي تجادل الأفكار والأشكال الفنية الراسخة والمستقرة للبحث عن جوهر الفن السردي واقتناص روحه، إذ تتبنى القاصة خيط الانفلات أو الهروب من سطوة الواقع وجوديا وإبداعيا والذي يعد في المجموعة معيارا أسلوبيا يعتمد على استفزاز طاقات ذكاء القارئ ومخيلته؛ ليجاري ما يصنعه الكاتب، حيث الخرافة الحديثة أو النبوئية. فلم تعد قدرات الكاتب تتحدد بتغيير المعايير الأدبية والجمالية فقط، بل بالتعبير عن الطبيعة الاجتماعية لزمنه ولحظته دون الاستغراق في الاستعارات المقصودة.
أحسب أن الأفق الذهني للفنان يتلقى العالم من حوله عناصر متشظية يحدسها ضمن منظومة موجودات ومعان يخلّقها بنفسه ويعيد ترتيبها، يقيم بينها علاقات متشابكة ومعقدة، أو يتركها مفردة متناثرة، هناك دائما بحث وراء المستقر وإعادة طرحه بعيدا عن المتفق عليه والمبتذل لتكراره، وبقدر ما يكون الواقع غريبًا ومربكًا وظالمًا، يصبح النص ذا شكل غير مألوف، ويصبح عميق التأثير، يخدش الاعتياد، ويقلقل الرضوخ للمعطيات التي تحكم حركة الحياة.
تقدم المجموعة رحلة اكتشاف واسعة متخيلة للنسيج الاجتماعي المتباين، فالقصص لا تمثل طبقة واحدة ولا فئة محددة من البشر، كما أنها لا تتماس مع الحياة الشخصية للكاتبة لتتحول لمرآة لعالمها وهواجسها الخاصة. وهو ما يفصح عن رؤية متسعة للكاتبة تشتبك بطريقتها الفنية ورؤيتها مع النماذج الممثلة لطبقات المجتمع المتفاوتة بالحياة. فتقدم القاصة قراءة للواقع الاجتماعي والإلمام بمستوياته بطريقة فنتازية: ففي قصتي "حصاد السافانا" و"الرأس الذي كشف غطاؤه" تجسد الكاتبة وعيها بالحالة الاقتصادية والنفسية لشرائح من المجتمع، حيث تجسد أثر تدني المستوى الاقتصادي على الشباب وأشكال الهجرات غير الشرعية التي يلجأون إليها في ظل أوطان طاردة لمواطنيها يقول منصور:" تزداد الحياة التباسا هنا، كأنها سلاسل متصلة لخيط وسط نسيج معقد"، تحارب السلطة تلك الهجرات بأن يستنبتون غابات على الحدود في الصحراء، ويستقدمون حيواناتها ويوجدون سياق الطبيعة القاسية التي يصعب النفاذ منها؛ ليسدوا منافذ هرب الشباب ورغم غرابة الفكرة وفنتازيتها إلا أنها تشي بجبروت السلطة عندما تريد فعل شيء، وإصرار الأفراد أيضا وسعيهم لما يريدون بالوسائل كافة. تجسد الكاتبة تلك العلاقة بطريقة تعتمد على السريالية والتعبيرية متكئة على ما يعرف بفوق الواقع لو استعرنا طرق توصيف الفنون التشكيلية ومصطلحاتها، حيث إن كل عمل فني لا يخلو من سريالية. في "قصة الرأس الذي كشف غطاؤه" تشير القاصة للأمراض النفسية التي تواجه الطبقة الفقيرة حيث الحياة الخارجة عن القانون، وما تتركه من تعدد وجوه الإنسان وأقنعته في تحدي ما يواجه بالحياة، يقول السارد متحدثا عن عبد العاطي:" لفت انتباهه كتب الشعر المرصوصة بجانب فراشي. فأخبرته أنها كل مابقي من زمن مضى. هز رأسه المربع، وهرش شعره الأشعث قليلا ولم يرد. لكننا توقفنا عن الحديث بعد عودته. سمعت أنه واجه اغتصابا ما بالسجن، فانسحبت بلطف. انشغل هو بأسر الدخان الأزرق، بينما أهدهد أنا رأسا مذعورا بلا جسد" الهروب إلى المخدرات أو الخوف والأمراض النفسية. ولقد شكّلت الكاتبة لغة من قدراتها صنع هذا العالم المخلوق الموازي للحياة الحقيقية الواقعية والدخول معها في حالة جدل، فخلخلة الواقع الصلب الذي نتعارف عليه جميعنا بحاجة لمفردات مولدة لمعاني أخرى، وتوليف تعابير قادرة على خلق عوالم ومشاهد تضج بالحركة والحيوية، والمزج والتأليف بين تفاصيل متنوعة استنادا إلى الخبرة، لغة تستطيع الدمج بين الواقع والأسطوري والهم اليومي في شكل يستند في فنياته على لغة تقريرية في الغالب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا