الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ندرأ خطر الإرهاب من جذروه ؟

مجدى يوسف
(Magdi Youssef)

2019 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


عندما كنت فى مقتبل العمر محررا بصحيفة الجمهورية القاهرية كتبت مقالا تحت عنوان" حاربوا الجريمة ولا تنشروها" أنتقد فيه المسلسلات البوليسية فى الإذاعة آنذاك، وأدعو لأن تقدم أخرى للنشء عن "سير القدوة من الأبطال والعظماء" بديلا عنها. فتلك المسلسلات وإن كانت تتمتع بقدر من التشويق فى متابعة سعى الجناة لإخفاء معالم جريمتهم، وملاحقة رجال الأمن لهم على طريقة "عسكر وحرامية"، إلا أنى كنت أرى أنها تبث من ناحية أخرى فى الشباب روح الاندفاع وراء الجريمة والانحراف. وما لبث أن رد على بعدها بيومين اثنين فى الصحيفة نفسها الإذاعى المرموق آنذاك على فايق زغلول فى مقال مساحته ضعف مساحة مقالى يدافع فيه عن تلك المسلسلات البوليسية بأنها تبين أن الجريمة لا تفيد، إذ لا يلبث أن يضبط فيها الجانى ليلقى فى نهاية المطاف الجزاء الرادع على ما اقترفت يداه.
واليوم يطالعنا فى صحيفة الموند الفرنسية تحقيق موسع عن لجوء الداخلية الفرنسية لحصر حالات العنصرية التى تصاعدت بشدة فى الفترة الأخيرة فى فرنسا ضد الأقليات هناك، متمثلة فى سبهم وتلطيخ مقابرهم، مما يؤدى لردود فعل من جانب تلك الأقليات برفضها للمجتمع الفرنسى، ولجوئها للعنف المضاد، الذى يتمثل بعضه فى التمترس وراء الدعوات الإرهابية. وهو ما يفسر انضمام بعض مواطنى الدول الغربية لتنظيم داعش. لذلك صار الأمر يستدعى الدولة الفرنسية بإلحاح لاستصدار قانون صارم يجرم مظاهر تلك العنصرية باعتبار أن الإرهاب الفيزيقى يبدأ برفض الآخر وإقصائه نفسيا واجتماعيا.
وكان قد روى لى فى القاهرة الصديق الراحل د. رؤوف عباس، أستاذ التاريخ السابق فى كلية الآداب جامعة عين شمس، أن حفيده قال له يوما: أنا مش حلو يا جدو ؟ وردا على تساؤل الجد : حلو ليه يا حبيبى ؟ جاء جواب الطفل: علشان مبلعبش مع رمسيس اللى ساكن عندنا فى العمارة. وعندما سأله جده: مين قال لك كده يا بابا ؟ قال له الطفل: "الميس فى الحضانة". عندئذ سارع بإخراجه من تلك الحضانة، وإلحاقه بأخرى.
والسؤال هنا: كم تبلغ حالات الأهل الذين يسلكون مسلك هذا العالم الراحل فى بلادنا ؟
وهل يكفى مثل ذلك الحل الفردى ، أم يستلزم الأمر معالجات تبدأ بالتمثيليات التلفزيونية، وتنتهى بسن قوانين تحرم مثل هذا المسلك الذى يخرج لنا إرهابيين فكرا ونزوعا ريفيا انغلاقيا يقصى الآخر لمجرد الاختلاف فى طقوس العقيدة، وإن كان المشترك بين العقيدتين الرئيسيتين فى المجتمع المصرى يجب الممارسات الطقسية لكل منهما بفراسخ، وهو ما سبق أن أشرنا إليه فى مقال سابق من أن الأنغام التى تقام بها تلك الشعائر فى كلتا الديانتين إنما تؤدى بالمقام الموسيقى نفسه ( انظر مقالنا بالمصرى اليوم: وحدتنا الوطنية فى أنغامنا الدينية" بتاريخ 24 نوفمبر 2018 ).
اعتقد أن المعالجة الإعلامية لهذه القضية بالغة الخطورة عن طريق المسلسلات التلفزيونية صار يمثل ضرورة ملحة يجب أن يكلف بها كبار كتاب مسلسلاتنا من أمثال يسرى الجندى، ويؤديها مخرجون وممثلون على درجة عالية من الثقافة والخبرة من أمثال عبد العزيز مخيون. فمن هنا يبدأ علاج الإرهاب فى جذوره الإقصائية قبل أن يتفشى ويصبح ظاهرة إجرامية تهدد المجتمع فيزيقيا.
فمن هنا يجب أن تبدأ مكافحة الإرهاب، ليس فقط على المستوى المحلى، من جذور الوعى لدى النشء. وليس ما هو أفضل فى درء ذلك الخطر الذى يتهدد الوطن من المسلسلات التلفزيونية فهى تفوق بفراسخ أثر التعليم العام خاصة وأنها تشاهد من الكافة، لا سيما أطفالنا حديثى العهد بالحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة