الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة السودان

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2019 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ثورة السودان
تنضم السودان-أرض السواد عند العرب القدماء-إلى الربيع العربي المجيد الذي فجر الثورات ضد الاستبداد والقمع، لنيل الحرية والكرامة. منذ "١٩ كانون الأول-٢٠١٨" انطلقت شرارة تظاهرات الشعب السوداني الذي يشعر بالجوع طلباً للخبز، وضد غلاء المحروقات وكافة المواد الاستهلاكية. وشعارها الأساسي "تسقط، بس" الموجه إلى عمر البشير وحكومته، "وسلمية سلمية ضد الحرامية"، ومنادين بتأسيس حكومة انتقالية، تقود الوطن عبر مرحلة مؤقتة حتى يتم العمل على انتخابات نزيهة تقود الوطن نحو الحرية والعدالة والتنمية.
والرئيس البشير الذي استلم الحكم منذ"١٩٨٩"، إثر انقلابه العسكري على "الصادق المهدي"، أي منذ ثلاثين عاماَ، وهو يعمل مع حكومته في تجويع الشعب واعتقاله، وتعذيبه، وقتله، وتحويل السودان من وطن زراعي"٨٠٪من دخله يعتمد على الزراعة"، قادر على تغذية العالم العربي إلى سودان جائع يبحث عن الرغيف. وبحيث تبلغ نسبة التضخم"٧٠٪" بعد أزمة "٢٠١١"، وهو عام انفصال الجنوب الذي كان يؤمن "٨٠٪" من العملة الأجنبية نتيجة تصدير النفط، والنقص في السيولة بحيث لا يمكن لأي شخص أن يسحب من حسابه الشخصي أكثر من عشرة دولارات. وتوقف الحكومة-لانعدام السيولة-عن استيراد القمح، وتكليف القطاع الخاص بهذه المهمة، بحيث ارتفع سعر كيس الطحين ثلاث مرات، من"٢٤دولار"إلى"٦٥دولار"، مما أدى إلى اغلاق العديد من الأفران. وهذا قريب من تصريح مدير الزمن القومي والمخابرات "صالح قوش"، حول أسباب الاحتجاجات بقوله انها تعود إلى: شح الدولار، وتفشي الفساد والمحسوبية، وانعدام الرؤية الاقتصادية للحكومة، وغياب الدور القيادي وسيطرة الأهواء الشخصية، وضعف الخطاب الرسمي للدولة. وهي جميعها ادانات للرئيس والحكومة.
وكانت ردود فعل النظام، مثل الأنظمة العربية الأخرى التي واجهت الربيع العربي ضدها. حيث وصفها رئيس الوزراء بأن الاحتجاجات مشروعة، والحكومة تنظر إليها بقلب مفتوح، وسخر البشير من قدرة وسائل التواصل الاجتماعي وعدم قدرتها على اسقاط الحكومة، ووصف المحتجين "بالفئران وطالبهم بالعودة إلى جحورها"، وانهم من المندسين والمخربين والعملاء للخارج. وأن الحكومة لن تسقط، وهو باق كرئيس حتى الانتخابات القادمة، وأنه سينجح بالتزوير من جديد.
والانتفاضة السودانية عفوية قام بها الشعب من أجل رغيف الخبز أولاً، ثم سرعان ما تحولت إلى اسقاط النظام لعدم قدرة النظام على تأمين الرغيف، وهو الحاجة الرئيسة للتغذية. وأن الشباب المشاركين بالانتفاضة كانوا خارج الأيديولوجيات، والأحزاب، وكانوا دعاة للحرية والكرامة. ولم تشارك الأحزاب السياسية منذ بداية الانتفاضة، بتأييدها حتى تدفع عن نفسها اتهام التحريض كما ستوجهه النظام اليها، سوى "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي قاد الانتفاضة منذ الأيام الأولى. وهذا التجمع هو حالة سرية، غير مرخص، وغير علني، حتى لا يعتقل ويتم تعذيبه وانهاؤه على يد أجهزة الأمن. ويضم العديد من الشبان الناشطين المطالبين بالحرية. وحين انضمت باقي الأحزاب المعارضة، مثل الحزب الشيوعي، وتحالف نداء تونس، وقوى الاجماع الوطني، والتحالف الاتحادي، وأحزاب وتنظيمات مدنية متعددة، إلى صف تجمع المهنيين لقيادة الانتفاضة، تم وصفها من قبل الحكومة بأنها تعمل على استغلال الاحتجاجات الشعبية الناتجة عن الأزمة الاقتصادية، وانه سيتم ملاحقتها قانونيا. ولأنه لا يوجد قانون يُبيح بذلك، فقد تم اعتقال كافة القيادات الحزبية وعددهم"٢٦" قياديا اعتقالا تعسفيا، ووضعوا بأماكن غير معروفة، مثل اعتقال الآلاف من التظاهرات، وتعذيبهم، ورميهم في السجون الى أمد غير معروف.
وتم وصف الانتفاضة من قبل مجمل أحزاب المعارضة بالأزمة السياسية، فهي لم تنطلق من أجل الخبز والوقود، إنما هي أزمة سياسية سببها السياسة الاقتصادية والأمنية التي يمارسها النظام القائم، وعليه أن يرحل. والتظاهرات مستمرة حتى بعد القاء الرئيس خطابه التاريخي يوم السبت في "٢٢شباط-٢٠١٩"، بما فيها مظاهرات النساء التي تأتي دعماً للمعتقلات، والتي تم وصفها باحتجاجات "الكنداكات"، في إشارة إلى "كنداكة"، وهي تسمية لملكات كوش النوبية القديمة وتعني "الملكة العظيمة، في إشارة للمناضلات السودانيات.
وقد توضح أن الثورة قادرة على صنع المعجزات. فبعد التصريحات المتتالية بأن الحكومة لن تسقط، والرئيس لن يسقط، تقدم الرئيس بخطابه وكان عابساً، ومكفهر الوجه، محدداً مجموعة من النقاط: في المقدمة اعتبر وثيقة الحوار الوطني هي الأساس لحوارات المستقبل مع المعارضة، رغما أنه لم يتم تنفيذ أي من مخرجات الحوار السابقة كما صرح بذلك بعض الأقطاب المتحالفة مع النظام. ودعا مجلس البرلمان إلى تأجيل التعديلات الدستورية التي سيستند اليها دستوريا في حكم السودان حتى آخر العمر، ويمكن له إعادة اللجنة للعمل فيما بعد، كما حصل في"٢٠١٥"، رغم تنازل مدير المخابرات بأن البشير لن يترشح في الانتخابات المقبلة، وهذا تصريح يمكن الالتفاف عليه مستقبلا. وكذلك وضع البشير نفسه رئيساً قومياً، وأنه سيقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، دون أن يصرح صراحة أنه لن يترشح في المستقبل. وأيضاً تنازله بإسقاط الحكومة وحكومة الولايات، وأنه سيعمل على تأليف حكومة تكنوقراط مصغرة، حيث عمل في اليوم التالي ترشيح رئيس جديد للحكومة، وتم اعفاء حكام الولايات وتعيين نوابهم وهم من نفس البنية والطبيعة الحزبية من المؤتمر الشعبي الحاكم. وفوق كل ذلك كان إعلان حالة الطوارئ التي عممت في جميع البلاد، لمدة عام، من أجل وقف التظاهرات، وتوقيف أو قتل من يرونه يتخطى قرارات البشير، دون الرجوع إلى السلطة السياسية والقضائية.
وكانت سلسلة ردود الفعل على الخطاب مخيبة لآمال النظام، فتجمع المهنيين يدعو إلى مواصلة التظاهر حتى إسقاط البشير، وكذلك القوى المتحالفة معه مثل الحزب الشيوعي، وحزب الوفد وقوى الحرية والتغيير، الذين اعتبروا ان الحلول المطروحة غير نافعة وهي مكررة منذ زمن بعيد، وأن الخطاب ليس سوى استمرار للسلطة مع المزيد من التشدد الامني وكذلك اعتبروا أن الثورة السودانية ثورة عميقة، وأن انتشارها بسرعة من الأقاليم نحو المدن، وخاصة الخرطوم، وهي ثورة سياسية وحلها لا يتم بالإصلاحات التي تجاوزها الشارع، نحو اسقاط النظام بالكامل.
إن النظام السوداني عسكري وأمني، بحيث يسيطر الجيش والأمن على كافة مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد مدح الرئيس الجيش والشرطة ووقوفهم إلى جانب النظام. حيث خاض الجيش عدة حروب تاريخية، أولها حروبه ضد "الجبهة الشعبية لتحرير السودان" والتي انتهت بتقسيم السودان، وانفصال جنوبه عام"٢٠١١"، بموجب إتفاق السلام الشامل، بعد "٢١" عاماً من القتال. وكذلك الحروب الهمجية في دارفور، والتي تم تصنيف البشير كمجرم حرب ضد الإنسانية، وتم طلبه للمحكمة الجنائية الدولية. وأيضا قمع الانتفاضة في"٢٠١٣"، لسوء الأحوال المعيشية، حيث تم قتل "٢٠٠" متظاهر، بالإضافة إلى قتل وتعذيب الآلاف. ولذلك صرح وزير الدفاع ورئيس الأركان بأن "الجيش لن يفرط في قيادة البلاد، أو يسلمها إلى شذاذ الآفاق من قيادات التمرد المندحرة، ووكلاء المنظمات المشبوهة بالخارج. ولهذا تم الاعتماد على الجيش والأمن. وفي محاولة إعادة ترتيب ساحة النظام، تم الاعتماد على عسكريين من أجل السيطرة وقمع التظاهرات.
إنه نظام أمني، ومع قانون الطوارئ سمح للجيش والامن بالقتل والاعتقال التعسفي لجميع المتظاهرين. انه نظام لا يختلف عن النظام السوري الذي دمر العباد والحجر، أو نظام القذافي الذي كان ينظر للمتظاهرين كالحشرات.
والسيناريوهات متعددة للمستقبل: أولها أن تستمر التظاهرات حتى تجبر الرئيس على الاستقالة، وهذا لا يتم إلا إذا تم دعم المتظاهرين من قبل قسم من الجيش والأمن. وهذا يمكن الاستفادة من التجربة المصرية والتونسية، التي لم يرحل مبارك وبن علي إلا بدعم الجيش والتخلص من الرئيس. ومن التجربة السورية حيث بقاء الجيش متماسكاً رغم العديد من الانشقاقات، جعل النظام يستمر بعد تسع سنوات من الانتفاضة. أو سنكون أمام انقلاب عسكري يعمل على ترحيل البشير كما حصل في مصر. وهذا مستبعد في المرحلة الراهنة.
إن مشوار الربيع العربي طويل وشائك ومعقد والنصر للشعب السوداني الذي يعمل على اسقاط الاستبداد ونيل حريته وكرامته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية