الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدلُ أساسُ المُلكْ 1/2

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


من حكايات ألف ليلة وليلة أن رجلاً من حجاج الشام نام نومة طويلة في الطريق إلى مكة، وحين استيقظ لم ير لقافلة الحجاج أثراً، فقام يمشي، فضلَّ الطريق، وسار إلى أن رأى خيمة. ورأى امرأة عجوزاً، فسلَّم، وطلب طعاماً، فقالت العجوز: امض إلى ذلك الوادي، واصطد من تلك الحيَّات بقدر كفايتك، لأشوي لك منها، وأطعمك. فتردَّد الحاج، فقالت العجوز: أنا أمضي معك وأتصيَّد منها فلا تخف. ومضت معه، فاصطادت من الحيَّات بقد الكفاية، وجعلت تشوي منها، فلم ير الرجل الحاج من الأكل بداً، وخاف من الجوع فأكل من تلك الحيَّات. ثم إنه عطش، فطلب من العجوز ماء للشرب، فقالت: دونك العين فاشرب منها. فمضى إلى العين، فوجد ماءها مراً. ولم يجد من شربه بداً مع شدة مرارته, لما لحقه من العطش, فشرب ثم عاد إلى العجوز وقال لها: عجباً منك أيتها العجوز ومن مقامك بهذا الطعام وشربك من هذا الماء, فقالت: فكيف تكون بلادكم؟ قال: إن في بلادي الدور الواسعة الرحبة والمياه العذبة والأطعمة الطيبة ، وكل شيء طيب والخيرات حسان، فقالت العجوز: لقد سمعتك فقل لي: هل يكون لكم من سلطان يحكم عليكم ويجور في حكمه، وأنتم تحت يده وإن أذنب أحدكم أخذ أمواله وأتلف رزقه وإذا أراد أخرجكم من بيوتكم واستأصل شأفتكم؟ فقال الرجل: قد يكون ذلك. فقالت العجوز: إذاً والله يكون ذلك الطعام اللطيف والعيش الرغيد والنعم اللذيذة مع الجور والظلم سماً ناقعاً وتعود أطعمتنا مع الأمن والحرية ترياقاً نافعاً.
1
الحكاية تُقرُّ بأنَّ "عدل السلطان خير من خصب الزمان" ورد هذا القول أول مرة في كتاب عهد أردَشير، فقد نقل المبرد في كتابه الكامل عبارة من عهد أردَشير تقول: عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان، أو رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان. يقول أردَشير: يجب على السلطان أن يكون فائض العدل، فإن العدل جماع الخير، وهو الحصن الحصين من زوال السلطة وتخرمها، وأن أول مخايل الإدبار في السلطة ذهاب العدل منها. وكان يقول: ما شيء أضر على نفس الحاكم من بطانة فاسدة، لأن النفس تصلح على مخالطة الشريف كذلك تفسد بمعاشرة الخسيس حتى يقدح ذلك فيها ويزيلها عن فضلها ويثنيها عن شريف أخلاقها، وكما أن الريح إذا مرت بالطيب حملت طيباً تحيا به النفوس وتقوى به جوارحها كذلك إذا مرت بالنتن فحملته ألمت به النفس وأضرت بأخلاقها إضراراً تاماً والفساد أسرع إليها من الصلاح إذ الهدم أسرع من البناء.
2
فمن يكون أردَشير وما حكاية عهده؟ وهل يمكن القول إن عهد أردَشير هو أول عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم؟

يحتل أردَشير في تاريخ الفرس مقاماً عليّاً رفيعاً، فهو الذي قضى على حكم ملوك الطوائف، وأعاد للإمبراطورية الفارسية، بعد توحيد أجزائها وتوسيع رقعتها، مجدها القديم الذي كان لها أيام كورش ودارا الكبير، وردَّ لعقيدة زرادشت مكانتها القديمة وعمد إلى إحياء رسومها، وبذلك هيأ للفرس الوحدة السياسية وقوة الرابطة الدينية، وكان مؤسس الدولة الساسانية التي ظل ملوكها يتولون الحكم حتى ظهور الإسلام.
3
كان الدين، بعد أمر الدولة، أكبر شيء استأثر باهتمامه، ذلك أنه وجد أن مذهب زرادشت قد اضمحل، فعمد إلى إحيائه بكل وسيلة، فأمر بتحطيم الأصنام وإزالة الصور وبنى بيوت النار في كثير من البلاد وأمر بإيقاد النار بعد أن كانت قد أطفئت. وإلى أردَشير يعزى الفضل في كثير من القواعد والنظم الإدارية وضبطاً لنواحي الدولة وتحقيقاً للعدالة التي جعلها أسمى هدف له كان يتحرى عن أحوال الرعية تحرياً دقيقاً ويدقق في أحوال حكام الولايات ورجال إدارتها. ولم تكن أفعاله نائية عن أقواله في هذا المجال فقد ضُرب به المثل في حسن السيرة. وقد رفع أهل إصطخر رقعة إلى أردَشير يشكون فيها إمساك السماء مطرها وبخلها به، وسوء أثر القحط الذي أصاب زرعهم وضرعهم فكتب إليهم: إذا بخلت السماء بقطرها جادت سحابتنا بدرها، وقد أمرنا لكم بما يجبر كسركم، ويغني فقركم والسلام.
4
يشير الباحثون إلى أن كتاب «عهد أردَشير» تُرجم إلى العربية مبكراً وأنه ربما تمت ترجمته في أواخر العصر الأموي أي إبان ذلك الدور الأول الذي التفت فيه التراجمة إلى الثقافة الفارسية في الحكم وقواعده. والعهد في صورته العربية الإسلامية تألف من ست وثلاثين فقرة ومجموعة متفرقة من أقوال أردَشير التي تناقلتها كتب التاريخ والسير. وربما كان العرب في جزيرتهم على علاقة وثيقة بأهل فارس قبل ظهور الإسلام. وهناك خبر - إن صحَّ - أورده المسعودي في مروج الذهب يقول:
كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيماً له ولجدهم إبراهيم عليه السلام، وتمسكاً بهديه وحفظاً لأنسابه وكان آخر من حج منهم ساسان بن بابك جد أردَشير. وكانت الفرس إذا أتت البيت طافت به وزمزمت على بئر إسماعيل، فقيل إنما سميت زمزم لزمزمتها عليه بأصوات أعجمية. وكانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالاً في صدر الزمان وجواهر وقد كان ساسان بن بابك أهدى غزالين من ذهب وجوهراً وسيوفاً وذهباً. وقد ذهب قوم من مصنفي الكتب في التواريخ وغيرها من السير أن ذلك كان لجرهم حين كانت بمكة. ويعلق المسعودي: وجرهم لم تكن ذات مال فيضاف إليها، ويحتمل أن يكون لغيرها، والله أعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: لماذا تتهم مارين لوبان الرئيس ماكرون بتنفيذ -انقلاب إ


.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية: هدم منازل وضم مزيد من الأرا




.. تقدم ميداني روسي جديد في شرق أوكرانيا.. ما التفاصيل؟


.. من سيفوز بآخر بطاقتين لربع نهائي كأس أمم أوروبا؟




.. ماذا حصل بين محتجين والجيش التركي في شمال سوريا؟