الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة الغرب وإشكالية إجهاض أحلام الشعوب الفقيرة

الحجاري عادل

2019 / 2 / 25
العولمة وتطورات العالم المعاصر


عولمة الغرب وإشكاليةإجهاض أحلام الشعوب الفقيرة.

لم تمضي سنوات من الزمن والعولمة لا تزال تواصل مشروعها التوسعي في المجال الحيوي، من خلال ممارسة الحكم والرقابة على شعوب خارج حدود أروبا وأمريكا وأستراليا، ذلك أن التنظيم الدولي الجديد كما يسميه القانون الدولي باعتباره التنظيم الضامن للحريات العامة وحقوق الإنسان في ظل عولمة العالم ما بعد القطبية الثنائية، لكنه لم يخرج العالم اليوم إلى مما كان عليه في ظل القطبية الواحدة من تشتت وانقسام، أو قبلها من حرب مدمرة اجتاحت العالم وكادت أن تقضي على كل الأرواح التي تستوطن العالم.

إن العولمة المعاصرة ذو المرجعية الغربية، النيوليبرالية، ليست هي الأساس في توفير التأهيل الكامل والضمان المحدود لإنسان جديد داخل دولة معينة أو خارجها، داخل أوروبا أو آسيا أو إفريقيا فقط، بل لاحت تقوض مشروعيتها والبحث عن إيجاد البدائل الممكنة، متمثلا في التقسيم العالمي أو في إغتناء شعب، وإفقار شعب آخر، هذا الأخير ما كاد أن أن ينمو ويزدهر رغم مما ولدته النخب الفكرية التي تأثرت بفكر الحداثة المعاصرة، ورأت أن أحسن طريق للخروج من الأزمة والحروب والإنقسامات الداخلية، هو إيجاد طبيعة ونمط عيش مشترك بين كافة الشعوب والأمم، وعلى أساس المساواة والإحترام وتبادل الخيرات والأفكار والمنافع.

لذلك سعت العولمة مسعاها في خضم استراتجية شاملة، وخطط لا يزال العالم النامي إذن فهم ما يدور في فلك الصراع الدائر بينهم، لولا أن أوروبا وأمريكا كما تزعم، بأن الخيار من إنهاء مشكل الصراع يتطلب الحل الدبلوماسي وإرساء بعثة مراقبة ونظر في شؤون الدول، على الرغم مما ساهم هذا الخيار من عجزها عن إيقاف مسلسل الصراع، وفي المقابل سعت أوروبا وأمريكا إلى تسخير كافة المنابر الإعلامية الدولية، قصد ترويج كافة الخطابات حول المأساة التي يتعرض لها العالم النامي، فمن حروب أهلية إلى مشكل الصراع على السلطة، لكن هاته الخطابات تحاول تذليل صورة العالم الذي يطالب بالديمقراطية، ونزع هذا الشعار عنه أملا لعودة الأنظمة إلى مما كانت عليه تحت الوصاية الغربية.

الغرب إذن يعيش اليوم أزمة جزئية، إن لم نقل عنه فجوة في التحكم والرقابة على الدول استنادا إلى المصالح المشتركة ، وسوف تتجه أوروبا إلى التخلي وفك الإرتباط بمحور الولايات المتحدة، نظرا لكون البيئة التي تستحوذ عليها أوروبا ستصبح في الوقت الراهن من أبرز الصراع بين الدول الكبرى، لذلك اختار هذا الفك الأروبي - الأمريكي، التدخل في الشؤون السياسية في إفريقيا والشرق الأوسط، ومحاولة بناء وإعادة البناء أصدقاء جدد، وحمايتها وتوقيرها وتعظيمها لأجل نسف كل الأفكار التي تريد الخروج من هاته الأزمة، وتغيير طبيعة الحكم على أساس ديمقراطي، أو لمواكبة تطورات العصر قصد اللحاق بالعالم الأول.

ليست رغبة الشعوب العربية والإفريقية بحاجة إلى حماية غربية تكرس لها البقاء على ما تتوفر لهم الطعام والشراب، وإنما تحتاج خصوصاً إذا اقتضى الأمر، عدم تدخل الغرب في شؤونها، وعدم إيصال أستغلال أخبارها وتشويه الواقع لما حدث. إن الشعوب المتقدمة لا تريد أن ترى الشعوب النامية في حالة احتقان دائم، نتيجة سوء التسيير والتنظيم وإجبار الأفراد والجماعات على الهجرة والنزوح، وترك الأوطان ينزف بالظلم والدم والإستبداد، هذا ما تريده الشعوب المتقدمة هو أن يكون العالم لشعب واحد وأمم متحدة، قائمة على الإعتراف الضمني بحقوق الإنسان كأولى تجليات الطبيعة وروح الحضارة.

والعكس يظهر في كون التنظيم السياسي في الغرب، الذي يبقى وفيا لخدمة مصالحه لأجل بناء القوة، وتعزيز الإقتصاد الداخلي والخارجي، لكن هذا الإقتصاد لم يسير على خط متساوي من حيث إستراتيجية التجارة العالمية، وإنما السبيل إلى ذلك يقتضي استنزاف ثروات الشعوب الفقيرة، سواء أكان عن طريق الإتفاق السري أو الإخضاع أو إجبار مسؤولية الشعوب الفقيرة على فتح الباب شاغرا للإستنزاف لما تبقى من مواد خام، قصد تعزيز رأسمالهم الصناعي، وتغذية العولمة المتعجرفة، وبين ذلك يبقى استنزاف الثروات من أهم إستراتيجية الغرب اليوم، في حين سعى إلى توظيف العولمة متمثلا في عدة أليات ووسائل كصندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، للإستحواذ على ما تبقى من خيرات، وبالتالي تسخير العقول على تشجيع وتمجيد الثقافة الغربية، أو في استيراد الإيديولوجيا التي تجعل من البقاء أهم من التفكير في الوحدة.

إن الإيديولوجيا وما تبقى من أذيالها، وما اختلفت في دائرة إنتماءها على شكل إيديولوجيا ماركسية، ليبرالية، قومية، تقدمية، إسلامية، وما انتشرت في جل الميادين وداخل الأوساط الثقافية والفكرية. لم تكن كغطاء جديد يكرس خروج الشعوب الفقيرة من حالة التخلف والأزمة إلى حالة جديدة تكفل الضمان الكامل للحق في الحياة، وإنما جعل التشتت والإنقسام والصراع الفكري كأحد مكوناتها، وأحد برامج الغرب المنتشر من العالم النامي، لتقويض فكرة التقدم والوحدة والإنطلاق من القاعدة الى القمة، أو بعبارة أخرى، البحث عن التراث لأجل تعزيز مكانة الوطن والشعب، واستعادة صورتها رغم مما قام عليها تراثها.

لذلك لم يختار الغرب الحل الأفضل لإنصاف مشكلات العالم، ولم يطهر الأوطان التي استعمرها من براثين الفساد والتخلف، ولم يكف اليد عن المخزون الهائل لثروات الشعوب العربية، الإفريقية، لذلك فلم يكن هناك سبيل للعيش الأمين، وإنما زيادة الغرب رقابته أكثر فأكثر، فكان من شرط هاته الرقابة هو مؤامرة قصد تنفيذ الإعدامات، وإمداد سنوات الإعتقال التعسفي، والتعذيب القسري تحت التهديد بالموت في حق المعارضين كما في السعودية، الإمارات، سوريا، مصر...

ثم بعد ذلك يأتي تقرير الأمم المتحدة في نسخة منظمة رايس ووتش، ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان، تأكيدا على ما يجري من مواصلات الإعتقال وتنفيذ الإغتيال، حيث يتم إرسال بعثة للمراقبة والتفتيش، وتمشيط الأرضية من أي قطرة دم نزفت، نقول ذلك تمشيط بلدية اسطنبول من الدم الذي سال فيه، والذي يعود إلى الصحافي جمال غاشقجي، ولا يزال البحث والتحقيق جاري إلى الأن. فهل لا تتوفر الأمم المتحدة على أجهزة الكشف وتحديد الأيادي المشاركة في الإغتيال؟

والحق أن الحرب والإرهاب وممارسة الإعتقال والقيام بأعمال الإغتيال والتعذيب داخل دول معينة، اعتبارا لكونها مؤامرة الغرب علينا وعلى حكوماتنا لأجل التملص وإفقار الشعب وجياعه لأجل التفكير ما يأوي إليه من طعام وشراب، ونسيان مفهوم الحريات العامة وحقوق الإنسان، وممارسة الديمقراطية والنظر في شؤون الدولة وكيانها، أو تطهيرها من سياسة الغرب الإستنزافية والمستمرة التي لا يستقيم أي شعب حر العيش بأمن وسلام دون أن يرفع الغرب يده عن ثروات الشعوب، جاعلا بذلك المورود المهم والحيوي لتغذية رأسماله البشري والتقني والصناعي، بغض النظر عن تسخير العقول الحرة، وصياغة مفاهيم جديدة ونشرها إلى المشرق والمغرب الإسلامي، جاعلا من هاته المفاهيم إسلام جديد ذو مرجعية غربية، بيد أن المعركة الفكرية سوف تدخل في هذا المفهوم، وميلاد تيار إسلامي وأخر علماني، وتدجينه بأرقى سلاح القلم والفكر لأجل استمرار المعركة خارج التراث والحداثة، وفي المقابل تسخير القوى الوطنية والأحزاب السياسية، لقذف بعضهم البعض، اي صراع بين التقليد والتحديث والوطنية والقومية...

لذلك كانت محاولة الغرب هي قلب الرأي العام داخل الأوساط العربية الإسلامية، والبحث عن إيجاد وسيلة تكمن في تعزيز وتقوية مصالحهم، فكان اللجوء إلى تزويد العالم النامي بأرقى أنواع الأسلحة المتطورة، تكون بمثابة ردع المعارضين، وتكوين نواة من الجواسيس وتدريبها على التطرف واستعمال الإرهاب الداخلي، هذا ما حوله الغرب في أواخر التسعينات إلى اليوم من صناعة جماعة متطرفة، تحت ذريعة أفكارهم ونشر الجواسيس وإلباسهم لباس الثقافة الشعبية، لكن في واقع الأمر، يظهر ترسيم خريطة كاملة عن أحوال البلاد ودراستها والإتفاق عليها، هذا ما تم اعتماده في تسخير الفكرة لميلاد حركة طالبان، القاعدة، داعش...

نحن نعلم أنه بدون التصرف السيئ الذي تم تحت قرار الغرب، هو المشكل الذي أعاد العالم اليوم إلى مما كان عليه زمن الحروب العالمية كما في أوروبا وزمن القومية كما في المشرق العربي، ولعل أن العولمة تقف إلى جانب هذا السلوك والتصرف الاعقلاني تجاه شعوب فقيرة لا هم لها سوى العيش بسلام وإبعاد شبح الحروب والمأساة التي يتعرض منها أطفال أبرياء من دمار وتجويع ونزوح وإلقاء الأرواح في قاع البحر، وفي المقابل شعرت الشعوب الضعيفة أن إمكانية إنهاء المأساة يتطلب النجدة من الدول الكبرى، فليس من شك أن تغامر الشعوب بهذا الخداع السري الذي ترك البؤس والقهر يعم في الأمس القريب، ودور العولمة المتعجرفة التي تغطي أخبار حول مأساة الإنسانية، وبعبارة أصح، العولمة شريكة في الظلم الذي تتعرضه الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة