الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع المسرحي التونسي لطفي ابراهم: أكتب انتصارا للمنسيين وملح الأرض والصباح الجديد

حكمت الحاج

2019 / 2 / 25
الادب والفن


الكاتب لطفي ابراهم من مواليد مدينة مساكن بالجمهورية التونسية. كاتب وباحث جامعي في مجال السرديات . متحصل على شهادة الماجستير من كلية الآداب بسوسة سنة 2017 بأطروحة جامعية هي تحت الطبع الآن بعنوان الجسد في طقوس الإشارات والتحولات لسعد الله ونوس. وعنده رواية تشارك حاليا في مسابقة عربية لفئة الروايات غير المنشورة، ورواية ثانية غير منشورة بعنوان بربروس. صدرت له قبل أيام عن مومنت للكتب والنشر بالمملكة المتحدة مسرحية بعنوان زمن الجنرال في 124 صفحة من القطع الكبير لتأخذ مكانها ضمن خارطة الأدب المسرحي المكتوب في تونس. وبهذه المناسبة التقيناه بسوسة فكان هذا الحوار:

- كيف حدث أن جئت إلى الأدب المسرحي تحديدا وكلنا يعرف كم هذا الخيار يكون مغامرا بالنظر إلى ضعف وتهميش الكتابة الأدبية للمسرح؟

حدث الكتابة المسرحية عندي يحمل جملة من المفارقات المحيرة. فأنا أميل إلى المسرح فرجة وممارسة ركحية أكثر من ميلي إلى قراءته نصوصا أدبية، وأنا أقرأ الرواية والشعر أكثر من قراءة النصوص المسرحية. حتى عندما بدأت أتلمّس طريقي إلى الكتابة كانت أولى محاولاتي نصوصا سردية روائية وليست مسرحية. ربما الصدفة وحدها شاءت أن تكون أول أعمالي المنشورة نصا مسرحيا. لكن هذه الصدفة لم تكن سبب مجيئي إلى الكتابة المسرحية. ربما كانت هذه الكتابة تتويجا لمسار طويل من الشغف بفنين أعشقهما هما المسرح والسينما. كنت في بداية الثمانينات من رواد نوادي السينما المزدهرة في بلادنا تلك الأيام.. في هذه النوادي العريقة اكتشفت بعض العوالم الخفية لهذا الفن الآسر. وفي فضاء هذه النوادي اكتشفت احتفاليات العروض وسحر الصورة وسلطة الكلمة التي تبني سيناريو الفيلم. ثم كانت تجربة العمل الثقافي في نوادي دار الثقافة في مدينتي "مساكن" . كنت أواظب، منذ كنت تلميذا في المرحلة الثانوية، على المشاركة في النوادي الأدبية وأذكر أنني في تلك الفترة شاركت في تمثيل مسرحية "الدقاّز" أي (العرّاف) وقد كتبها صديقي الحبيب رمضان وعرضناها في مهرجان وطني ولاقت نجاحا لا بأس به. ثم كنت من الهواة الذين لبوا دعوة الممثل المسرحي المرحوم علي مصباح الذي حلم يوما من نهاية الثمانينات بإنشاء فرقة مسرحية في مدينتي. وقد جلست إلى علي مصباح سنة أو تزيد قليلا. ربما لم أتعلم منه كثيرا من فنون الأداء والإلقاء لكن هذا الرجل رسّخ في يقيني حب المسرح والإيمان بدوره الجمالي والاجتماعي. لم يكن علي مصباح مجرد ممثل أو رجل مسرح، كان مثقفا كبيرا يتنفّس المسرح ويحيا في فضاءاته، يقرأ بنهم ويكتب بإيمان ويبشر بغد أبهى. لم يكتب لتلك الفرقة أن ترى النور لكن البذرة والفكرة بقيت حية وبقي الحلم . ثم زادت مرحلة الدراسة الجامعية وعملي أستاذا للغة العربية وآدابها في المعاهد التونسية في تقريبي من النصوص الأدبية المسرحية دراسة وتدريسا وتذوقا. في الجامعة أعدت اكتشاف بريشت ويونسكو وبيكيت وسعد الله ونوس فزادت متعة إقبالي على النصوص المكتوبة للمسرح. ربما كنت في محاولاتي الكتابة للمسرح واقعا تحت غواية تلك النصوص أذكر أني اقترحت على الصديق الراحل علي مصباح قبل رحيله بزمن قصير كتابة مسرحية يخرجها بنفسه فشجعني على ذلك وشرعت في كتابة هذا النص بتوجيه من صديقي علي وقدمت له المسودة لكن رحيله المفاجئ صرفني عن استكمال العمل.

- هذا ربما تاريخ تتابعي لسيرتك البيداغوجية وتعالقها مع نشوء تذوقك الفني والمسرحي مبكرا، لكن اذكر لنا ان كانت ثمة عوامل أخرى خارجية ساهمت في الدفع بك نحو مغامرة الكتابة للمسرح تحديدا..

نعم. أذكر أن فاجعة سقوط بغداد في قبضة الإجرام الأمريكي في 2003 دفعتني إلى كتابة فصول من مسرحية لم أكملها وما زلت أحتفظ بمسودتها في أرشيفي ثم انصرفت عن محاولات الكتابة المسرحية إلى محاولات روائية أنهيت بعضها. ثم ظهرت فكرة هذه المسرحية فجأة فملكت علي نفسي وأعادتني إلى صبواتي القديمة ولم يستغرق كتابته أكثر من أربعة أشهر تقريبا. أما الحديث عن الكتابة الأدبية للمسرح فهذا عندي خيار جمالي حضاري لا أراني أحيد عنه. الكتابة الأدبية للمسرح في أمة لم تعرف المسرح إلا منذ زمن قصير خيار حضاري لا محيد عنه لأن هذه النصوص الأدبية هي أهم وسيلة لترسيخ هذا الفن في البيئة العربية، والذين يقولون غير هذا عليهم أن يعيدوا قراءة مرحلة تـأسيس المسرح اليوناني القديم ليدركوا هذه الحقيقة .

- بوصفك كاتبا تونسيا كيف ترى إلى تلك العلاقة الإشكالية الإلتباسية ما بين المسرح كأدب ونصوص وما بين المسرح كحراك فني مشهدي بالأساس يقوده ولعقود وبجدارة المخرج المسرحي والذي ربما أذاب في شخصه ملامح المؤلف المسرحي كمنتج للأدب؟

في بلد مثل تونس تعد الكتابة الأدبية للمسرح اليوم ضرورة ملحة من أجل الأدب ومن أجل المسرح هذا الفن العظيم. منذ عز الدين المدني والحبيب بولعراس لم نكد نصادف في تونس نصوصا أدبية مسرحية ذات شأن تقريبا. كيف نريد لهذا الفن أن يتقدم في غياب نصوص أدبية تكتب له ومن أجله؟ كيف يتقدم فن تفتقد نصوصه الحد الأدنى من مقومات الكتابة المسرحية ومن الجودة الأدبية؟ والذين يحصرون الكتابة المسرحية في نصوص "ركحيّة " أو "نصوص عرض" يرونها تغنيهم عن كتابة أدبية مسرحية، يعانون قصر نظر يدعو إلى الشفقة. فالعروض مهما كانت جودتها محكومة بسياقاتها الاجتماعية والتاريخية وغيرها لذلك هي زائلة، وحدها النصوص الأدبية المسرحية خالدة . هل يكفي أن أذكر بنصوص سوفوكل وراسين وشكسبير وغيرهم ليراجع أنصار النصوص الركحية بعض حساباتهم؟

- تتحدث عن خيار جمالي دفعك للتأليف الأدبي للمسرح، لكنني أستطيع أن أتحدث أيضا عن خيار فكري وتحديدا نقدي ذاك الذي ربما دفع بك الى ولوج عالم الكتابة المسرحية فأنت لك أطروحة جامعية كنت قد نلت بها درجة الماجستير من الجامعة التونسية وكانت مخصصة للبحث في التأليف المسرحي لواحد من أهم الأسماء في الكتابة العربية المعاصرة ألا وهو الراحل سعد الله ونوس. هلا حدثتنا عن هذه الأبعاد وعلاقتها بك نصا وشخصا؟

البعدان الجمالي والفكري، في اعتقادي، خياران متداخلان متكاملان. ودون فكر يصبح التعبير الجمالي مجرد ثرثرة ولغو لا طائل من ورائه . لذلك لم يكن البعد الفكري، كما تفضلت بالقول، غائبا عن نصي المسرحي الأول. فليست الكتابة عندي مجرد ترف فكري أو تدريب ذهني. الكتابة خيارات فنية وفكرية تتجلى في أشكال كتابة مسرحية وفي جملة من قضايا وأفكار تعطي لوجود صاحبها معنى. ولعل بعض الخيارات الفكرية المبثوثة في نصي المسرحي الأول تعود في بعض جوانبها إلى معايشتي الطويلة لسعد الله ونوس مبدعا ومنظرا وناقدا .

- واضح تأثرك الشديد بسعد الله ونوس، فحتى في مسرحيتك زمن الجنرال فقد قمت بإهداء المسرحية اليه.. فهل تأثرت بفكره ومواقفه أم بأسلوبه وتكنيكه المسرحي؟

لقد عايشت طويلا كتابات هذا الرجل الإبداعية والنقدية ودرستها واطلعت على مراحل تطور تجربته الثرية، وكان من ثمار ذلك بحث جامعي عن مسرحيته "طقوس الإشارات والتحوّلات " إضافة إلى مجموعة من المقالات النقديّة المحكّمة حول تجربته في الكتابة والتنظير المسرحيين . ولا شك أن تجربة بهذا الثراء إن عايشتها زمنا تأثرت بها وألهمتك وحفزتك إلى السير على نهجها ومنوالها. ولعل الناظر في نصي المسرحي الأول لا يخفى عليه حضور ونّوس اللافت في سطحه وقيعانه. فونوس حاضر في نصي منذ الإهداء. وقد أهديته إلى روحه المتمردة المتفائلة. وونوس حاضر في نصي من خلال خيارات فنية تحاول الانفتاح على أشكال مسرحية تتجاوز المسرح الأرسطي والكلاسيكي، ومن خلال قضايا السلطة ومحاولة تشريح أبنية الاستبداد ومحاولة فهم العقل الذي ينتجها ويصرّ على استنساخها في وطننا العربي وفي بقية الأوطان المتخلّفة.

- توجهات سعد الله ونوس الفكرية داخل أعماله المسرحية تكاد تكون واضحة ومتجانسة. بالنسبة إليك ما هي خياراتك الفكرية في توجهك المسرحي بعامة وفي مسرحيتك هذه بخاصة؟

إن معالجة قضايا السلطة بجميع أنواعها وألوانها ومراتبها ومستوياتها هي من أهم خياراتي الفكرية في هذا النص الأول، زمن الجنرال. والنص واضح قاطع ينتصر لقيم الحرية ويعرّي سوءات سلطة القهر والقمع ويشهّر بها ويرفضها حتى لو قادتنا إلى جنات عدن. أنا أشهر هذا النص المتنطّع في وجه كلّ سلطة لم تحصّل أوطاننا من ورائها سوى الهزائم المرّة والخيبات المتكرّرة والتخلّف المزمن. أنا أشهّر في هذا النص بالسلطان وآلة قمعه وزبانيته وحريمه. فبعد ما يزيد عن نصف قرن من تجارب الدولة الوطنية على امتداد الوطن العربي آن لنا أن نعترف أن شعارات لا صوت يعلو فوق صوت فخامة الزعيم الهمام أو صوت البندقية أو صوت الوحدة أو صوت التنمية أو ما شابه لم تكن سوى فزّاعة تهدف إلى إرهاب الشعوب وإخراس أصواتها ليطيل مولانا الحاكم بأمره ركوب ظهورها. في كلمة وجيزة أنا أكتب انطلاقا من خيارات جماليّة فكريّة تنتصر للمنسيين، للمطحونين، لملح الأرض. أنا أكتب حتى أبشّر بصباح جديد وأستعجل قدومه فالعيش مع سلاطين القمع والقهر بات مملا ومضجرا. أنا أكتب وفي ذهني مارتن لوثر كينغ يردّد أمام جماهير المسحوقين "لدي حلم". وحلمي أنا أن أحيا حرّا ولو ليوم، وأن أرى وطني العربي حرّا أبيّا، وأن أرى جماهير وطني العربي حرّة عزيزة . هذه بعض أحلامي . وهذا كل ما في الحكاية .

- تجلت أبرز خياراتك الجمالية في الشكل الفني الذي اخترته لمسرحيتك الأولى التي خرجت على الكتابة الكلاسيكية، وبحثت عن التنويع في فنيات الكتابة أكثر من بحثها عن الانتماء إلى مدرسة بعينها... لو وضحت لنا هذا الأمر؟

قد أكون من الذين يحبون قراءة التراجيديات القديمة لكني لا أحب أن أكتب على منوالها. أرى أن هذه الأشكال المسرحية مستهلكة وفاقدة لأسباب وجودها وقد أوصلت المسرح الغربي إلى طريق مسدود. ولم يستعد هذا المسرح شبابه إلا بعد ثورته منذ نهاية القرن التاسع عشر على هذه الأشكال ورفضه اجترارها وما موجات التجريب المسرحي المتلاحقة طيلة القرن العشرين إلا تأكيد لهذه الحقيقة . قطعا ليست "زمن الجنرال" مسرحية كلاسيكية، لكنها لا تنتمي كذلك في مستوى شكلها وفنيات كتابتها إلى مدرسة معينة من مدارس الحداثة المسرحية. وسيجد الناظر في هذا النص المسرحي مزيجا من أشكال وفنيات تحاول الاستفادة من مختلف مدارس الكتابة المسرحية. سيجد حضورا لبعض أشكال الكتابة الكلاسيكية .وسيصادف مزيجا من عوالم بريشت وبيراندللو في كسر الجدار الرابع ورفض الفصل القاطع بين الركح وصالة العرض وتقنية اللافتات والارتجال وسيصادف من شكسبير بعض فنيات إدارة الصراعات الداخلية والخارجية ووسمها بطابع صراعات فردية لا يغيب عنها البعد الاجتماعي. وسيجد من التراث العربي شكل الحكواتي قرين السمر وصانع المتعة في تراثنا الحكائي القديم. المسرحية في النهاية شكل قلق لا يستقر ولا يهدأ ولا يريد أن ينتمي.

- أين وفي أي سياق يمكن لك أن تضع نفسك في مضمار المسرح التونسي سواء من حيث انتاج النصوص أم من حيث إنتاج العروض؟

أعتقد أنه من الغرور أن أتحدّث عن موقع لي في مضمار المسرح التونسي العريق لمجرد أني كتبت نصا مسرحيا واحدا. ما زال طريق الكتابة المسرحية أمامي طويلا حتى أحجز لنفسي مكانا ضمن تاريخ هذا المسرح . ولكن يمكن الحديث عن النص الذي كتبته وموقعه من مسار هذا المسرح. وهو أيضا أمر لا يخلو من صعوبة . فمن العسير على كاتب أن يصنف نصّه أو يتحدث عنه ناقدا ومع ذلك يمكنني أن أبدي رأيي فأقول إن هذا النص بعيد عن الكتابة الركحية التي طغت على المسرح التونسي. فهو مختلف مثلا عن نصوص المسرح الوطني وما كتبته جليلة بكار أو نور الدين الورغي أو غيرهما فتلك كتابات على جودتها وأهميتها في تاريخ المسرح التونسي تبقى كتابات ركحيّة مشبعة مسرحانيّة بعيدة عن الأدب المسرحي وعن الأدبية أما مسرحيتي "زمن الجنرال" فهي أقرب إلى موجة الكتابة الأدبية التراثية كما تجلت في مسرح عزالدين المدني والحبيب بولعراس. وأعتقد أن بعض الأشكال والمضامين التراثية ما زالت تمارس غوايتها على كتاباتي فلي نص مسرحي ثان يواصل الاحتفاء بهذه الموجة، ولكن لا أعتقد أن هذا التيار سيتواصل. فلا بد من تجريب أشكال جديدة ومضامين جديدة في مشاريع كتاباتي القادمة.

- قل لنا صراحة إن كنت تأمل أن يتم إخراج عملك هذا زمن الجنرال على خشبة المسرح تونسيا أو عربيا أو كليهما معا؟

سبق مني القول إن الكتابة المسرحية عندي ليست ترفا فكريا أو تدريبا ذهنيا . أنا أكتب نصوصا مسرحية غايتها الركح وهدفها العرض، ولا معنى لأدب مسرحي يتعالى على الخشبة. وسيسعدني أن أرى يوما "زمن الجنرال" تعرض على الركح في تونس أو في غيرها من مدن وطني العربي.
(التقاه: حكمت الحاج)
نبذة عن المسرحية: تعيش مدينة "الراضية" مثل سائر مدن "جمهورية الباذنجان" في ظل حكم عسكري. وتسيطر على المدينة أجواء رعب ومكائد لا تنتهي. وتتنازع السلطة فيها ثلاث شخصيات متسلطة هي رجل الشرطة ومسؤول الحزب الحاكم ووالي المدينة. يتبادل الرجال الثلاثة الكره ويباغتهم خبر زيارة الجنرال الذي انتزع السلطة إثر انقلاب عسكري إلى مدينتهم عشية عيد ثورته العشرين فيزيد في اضطرابهم . تتكاتف كل أركان السلطة من أجل إنجاح زيارة الجنرال ولا ينغص راحتهم سوى كتابات معادية ما تفتأ تظهر على جدران المدينة ومنشورات توزع ومواقع الكترونية تعبر عن غضب شباب ساخط على حكم عسكري متسلط. لكن المفاجأة تحدث يوم الزيارة فيظهر الشباب الغاضب عند مرور موكب الجنرال ويتظاهر بعنف رغم العسس والترهيب. وتنتهي المسرحية ببشارات تؤكد إن زمن الجنرال لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث