الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اضطراب اللاوعي الافتراضي

بكر الإدريسي

2019 / 2 / 25
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لماذا تعطينا مواقع التواصل لذة في الكشف عن خصوصياتنا.
يبدأ الأمر باعتراف بسيط ثم تتوالى الاعترافات وتحطيم جميع الاسوار التي تحمي حياتنا الخاصة.
ندمن على ذلك ونبحث عن المزيد من النشوة بهتك أسرارنا وعندما تستنفد سيرتنا الذاتية نشعر بإحباط كبير جداً بعد كل الانتشاءات التي حصلنا عليها.

ما الحل؟
كيف نحصل على اللذة وهزات النشوة الافتراضية مجدداً؟
بعد تفكير طويل نكتشف أن حقولنا لم تنضب من القصص، هناك قصص الأب والأم والأخوة وذوينا من الاقارب.
مرحى مرحى بالمزيد من النشوة.

مدمنو السوشل ميديا من هذا النمط يشتركون بعض الشيء مع مدمني المخدرات الذين لديهم الاستعداد لبيع أو سرقة أي شيء مقابل الحصول على المخدرات.

يكشف مدمن السوشل ميديا حياته الخاصة ثم ينتهك شيء فشيئاً خصوصيات ذويه بالتقاط صور وفيديوهات لهم ونشرها دون أذنهم.

يعري عن تفاصيل حياتهم يروي أشياء مخجلة أو مضحكة أو محزنة ولا يتورع عن السطو على ذاكرتهم وحكاياتهم ليربح مقابلها النشوة.

الجميع قد يكون اصطدم معهم بسبب قصة أو صورة أو علاقة حب أو حالة وفاة أصر ذلك المدمن على البوح بها غير مكترث إلا بجرعة "الدوبامين" التي يحصل عليها من العالم الافتراضي.
الكثير منا حاول ان يلفت أنتباه صديق أو حبيب أو أخ بأن هناك سعادة تكمن في حياة الظل.
لكن بدون جدوى.

حتى حين تنهار تلك العلاقة التي تربطنا بهم بسبب موقفنا من انتهاك الخصوصية، تكون أول ردة فعل لهم هي نشر أن لم نقل فضح ما حدث!

فهل نستطيع ان نتحدث هنا عن "اضطراب اللاوعي الافتراضي"؟

اضطراب يشل دفاعاتنا النفسية ويرخي من قبضة الوعي فندخل مرحلة الانزلاق والكشف للوصول إلى اللذة.
الكشف عن كل شيء ابتداء من يومياتنا وعاداتنا وذكرياتنا وانتهاء بأجسادنا واعضائنا.

لكن مهلاً، وفق أي ثقافة أصدرنا هذه الاحكام؟

إدمان واضطراب في اللاوعي الافتراضي، يبدو انها أحكام بعيدة عن روح العصر.
إننا نعيش في عصر الثورة الرقمية ويجب إعادة الحكم والنظر إلى الاشياء وفق القيم والاخلاقيات الجديدة.
ففي الوقت الراهن لا يجب التشبث بعادات رجعية كالخصوصية والخوف من مواجهة المجتمع.
فالناشط في مواقع التواصل تجاوز كل هذه العقد النفسية والمحظورات الاجتماعية.
إنه يعيش حالة من الصراحة والتماهي مع العالم الجديد.
فهو لا يريد أن يخفي شيء عن العالم وليس لديه ما يخجل منه بتاتاً.
لا ينافق ولا يمارس تقية إنه واضح وصريح وفي حالة بث مباشر "لايف".

وبخلاف انطباعنا الأول بأنهم مدمنون يعيشون اضطراباً بين النشوة والإحباط.
في الحقيقية يبدو أن نشطاء مواقع التواصل أذكى مما نتصور، وذلك بقدرتهم على التماهي مع متطلبات العالم الافتراضي، والانسيابية التي يبدونها مع المتغيرات والاحداث الجديدة.

بدليل أنهم ماضون في حمقهم ومرحهم غير آبيهين بحقيقة ما يفعلون.
بينما القابضون على خصوصياتهم وقيم ما قبل الثورة الرقمية يتوارون وينعزلون أكثر فأكثر نتيجة الشعور بعدم الانتماء والاغتراب.
وبالتالي يقررون الهجرة والانسحاب من العالم الافتراضي.


وبما أننا تحدثنا عن الخصوصية من الجانب النفسي والاستخدام الفردي لها على مواقع التواصل، لننتقل لخبير بالمجال الرقمي، ونرى كيف ينظر للخصوصية، والسياسة المتبعة من قبل مؤسسي شبكات الانترنت، الباحث في الشبكات الاجتماعية" أنطونيو كاسيلي" حيث يقول في حوار نشرته مجلة الدوحة:

( لقد وصف بعض المفكرين ممن يلقبون ب"عرابي الانترنت" هذه المرحلة بمرحلة الحياة "العامّوِيّة-publicness" وهي نقيض "الخصوصية" التي إذا كانت تعرف على أنها سلوك دفاعي يهدف إلى حماية جوانب معينة من الحياة الخاصة للمرء أو هي حفظ مجاله الشخصي من أعين الآخرين ف"العامّوِيّة" تعني بالأحرى حياة مكشوفة أمام الآخرين. وهي وضعية تبسيطية تعبر عنها مقولة 》إذا لم يكن لديك شيء لتخفيه فلا يوجد شيء يمكن أن تخشاه《. أولئك الذين شجعوا هذه "العامّوِيّة" وحوّلوها إلى قاعدة حقيقية هم الفاعلون الجدد في شبكة الإنترنت، خلال أواخر القرن العشرين والعشرية الأولى من القرن الحالي، كفيسبوك أو جوجل.)

ويضيف "كاسيلي" معبراً عن نقده للقيم التي يروج لها الفيسبوك وغوغل.

( نتذكر حرفياً تصريحات مارك زوكربيرج بمناسبة حفل تقديم الشكولاتة المقرمشة "كرانشيز" في 2010 حين أكد على أن مستخدمي الفيسبوك هم، اليوم أكثر ارتياحاً لأنهم يتبادلون كل شيء دون عوائق، وقد أضاف قوله إن "الحياة العلنية هي القاعدة الاجتماعية الجديدة". وظاهرٌ أن مارك زوكربيرج يؤكد الوجود الفعلي لهذه القاعدة حتى ليبدو لنا أن مسألة " الحياة العلنية" قد ظهرت فجأة ودون سابق إنذار وأن فيسبوك لا يقوم وفقاً لرأي زوكربيج إلا بمجاراتها والتكيف معها.

أما عالم الرياضيات وأحد الاباء المؤسسين للإنترنت " فينت سيرف" الذي يشغل منذ سنوات دور " رئيس المبشرين " في غوغل. فقد صرح سنة 2013 قائلاً " قد تكون الخصوصية في الواقع شذوذاً".

وشرح فكرته بقوله إن الخصوصية لا تعكس حالة طبيعية، وإنما "الحالة الطبيعية الحقيقية هي الموافقة على اختراق الفضاء الشخصي للمواطنين". وهو أمر تمتدحه شركته وتمارسه دونما تحفظ.)



هذه الافكار والقيم الجديدة التي أنتقدها الباحث الفرنسي "كاسيلي" جسدتها السينما في فيلم "الدائرة/ The Circle"

القصة تدور حول شركة "سيركل" التي تقدم خدمات تكنولوجية للحكومات والافراد، تزعم أنها سوف تتصدى لجميع المشاكل بوسائلها التقنية، وبالتالي توفر على مستخدميها مئات الساعات من الازعاج.

شركة "سيركل" التي تكره الفرد الغامض والملغز وتدعو للانفتاح، طورت تقنية " سي تشينج See change" وهيا عبارة عن كاميرات بحجم حبة البازلاء مثبته بالآلاف في كل مكان، والتي لا تترك لأي مجرم أو ارهابي أو سياسي أو أين كان الاختباء، لأن العالم كله يشاهدهم ويسمعهم ويعرف كل شيء عنهم.

هذه التقنية المرعبة لا تترك حتى لمن يريد الانتحار أن يمضي بسلام!
فثمة من يراقبه ويرسل بلاغات للشرطة والتي سوف تأتي بسرعة قصوى وتفك الحبل عن رقبته وتحبط عملية انتحاره.
المدهش في الفيلم القصة الشيقة لفتاة موظفة في شركة " سيركل" تطوعت بوضع كاميرة "سي تشينج" على سترتها لتعرض كل لحظة من حياتها للمشاهدين حول العالم.

كيف سينعكس ذلك على علاقتها بوالديها وصديقها المقرب، ذلك ما سوف يعرفه القارئ عندما يشاهد الفيلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجمهوريون في فرنسا يطردون رئيسهم سيوتي بعد دعوته للتحالف مع


.. مجلة بيلد الألمانية: ماكرون حل الجمعية لإحداث -صدمة- تخلط ال




.. ما هي السيناريوهات المحتملة لتشكيل الجمعية الوطنية الفرنسية


.. تحالفات الفرصة الأخيرة في فرنسا لخوض الانتخابات التشريعية




.. ما هي الضمانات التي تطلبها حماس من أجل القبول باتفاق الهدنة