الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألغاز في قصص البنزين والكاز

علي طه النوباني

2019 / 2 / 27
كتابات ساخرة


بقلم: علي طه النوباني
يوما ما كان الكاز أو المازوت أرخص أنواع المحروقات لدينا في الأردن، وكان من الممكن للفقراء أن يقوموا بتدفئة أكثر من غرفة في المنزل، فهنالك على الأقل حاجة ماسة لتدفئة غرفة المعيشة حيث تجلس العائلة، وغرفة أخرى للطلاب الذين يفترض أنهم يذهبون يوميا إلى المدرسة أو الجامعة.
ويوما ما ادَّعت الحكومة أنَّ أصحاب محطات المحروقات يخلطون الديزل بالكاز لكي يحصلوا على أرباح إضافية لأن الكاز أرخص من الديزل، وبناء عليه قامت الحكومة برفع سعر الكاز ليتساوى مع الديزل ولا يعود هنالك جدوى من خلطهما معاً.
والسؤال الذي يخطر في بالي منذ أن هجم علينا هذا الشتاء البارد: ماذا يحصل لو قام أحد أصحاب محطات المحروقات بإضافة بنزين 90 إلى بنزين 95 أو 98، هل سترقص السيارة وتصرخ معلنة أن هذا البنزين مغشوش، ستردُّ الحكومة أن هذا غير ممكن لأنَّ محطات المحروقات أصبحت شركات كبيرة ولديها معايير محترمة، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تبقى قصة الخوف من خلط الكاز بالديزل؟! وخاصة أن سعر الكاز الحالي يعتبر سعراً خياليا فلو اعتبرنا أن برميل النفط الواحد يحتوي على كاز فقط فإن سعره الحالي يعادل 127 دولار أي ضعف سعر برميل نفط برنت بكل ما فيه من مشتقات غالية ورخيصة!
لقد دفعنا ثمنا باهظا لهذه الكذبة المشينة عبر سنوات طويلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
انتشرت مدافئ الحطب بشكل جنوني، وقام عدد كبير من الناس باحتراف تقطيع أشجار الغابات بكل أنواعها، لكن السنديان الرائع الذي يزين جبالنا كان الضحية الأولى بدليل أن سعره مرتفع جداً مما يغري تجار الحطب بالاعتداء على الغابات التي لا يمكن حراستها بشكل فعال.
وانحشرت العائلات من الطبقة الدنيا ودنيا المتوسطة، وهي واسعة جداً في غرفة واحدة لعدم قدرتهم على توفير التدفئة في أكثر من غرفة؛ مما انعكس على تحصيل الطلاب في مدارسهم.
أما أصحاب المنشآت الصغيرة، فقد تعطلوا عن أعمالهم تقريبا طوال أيام الشتاء؛ لأن ميزانية التدفئة ارتفعت بشكل جنوني لا تحتمله جيوبهم. وأبعد من ذلك فقد لجأ البعض إلى إشعال مواد مضرة بالبيئة في مدافئ الحطب مثل الأحذية القديمة والكاوتشوك والبلاستيك وغير ذلك؛ لعدم قدرتهم على دفع أسعار الكاز المرتفعة.
روى لي أحد الذين يسكنون بلدة جبلية شديدة البرودة في الشتاء أن معظم أهل البلدة يكتفون بأن يتلفعوا ببطانية لعدم قدرتهم على شراء الحطب أو المحروقات، وهي بلدة يزيد سكانها على عشرين ألف نسمة، ويضاف إلى ذلك ما يتعرض له الأطفال من مخاطر صحية جمة بسبب البرد القارس.
إنَّ الإصرار على رفع سعر الكاز ليتساوى مع الديزل بحجة الغش هو فكرة غرائبية ومشينة، لأن هذه الطريقة في الغش تنطبق على ألف شيء آخر، فالكحول والسبيرتو يمكن أن يضاف إليهما ماء، والبنزي95 يمكن أن يضاف إليه البنزين 90، والماء الصالح للشرب يمكن أن يضاف إليه ماء غير صالح للشرب، والحليب يمكن أن يضاف إليه ماء، والزعتر يمكن أن يضاف إليه أية أعشاب مجففة، والحل في كل الحالات ليس رفع سعر الماء ليتساوى مع سعر الحليب، بل رفع الجودة والرقابة والمحافظة على الحد الأدنى من الإنسانية في التعامل مع شعب شبع جوعا وبردا وقهراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر