الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهر الماهر

مفيد بدر عبدالله

2019 / 2 / 27
الادب والفن



يُقال إن لكلّ شخصٍ من اسمه نصيب، والاسم لا يرتبط بصفاتِ الافراد الحقيقة قدر ما يتوقَّعها عنهم الآخرون، وهو ليس مصدرا او سببا في النجاح والفشل، فقد أختارها لنا آباؤنا قبل ولادتنا بأشهر أو سنين، لكن هذا لا يمنعنا من تأمل اسماء من حولنا ومطابقتها مع صفاتهم أحيانا، ولا غرابة أن نجد باسم انطوائيا او كئيبا ، وكريم بخيلا ، وسعيد ضجرا وتعيسا . كثيرا ما ابحث في معان الاسماء، ومن النادر أن أجد تطابقا كبيرا مع صفات حامليها، الا أحد أصدقائي الدكتور(ماهر) لمهارته الفائقة واتقانه لحرفته الرئيسة (المسرح)، ففي كل مرة أتأمله أجدني ودونما شعور أدقق في معنى أسمي ويراودني ذات السؤال المتكرر : هل سأكون مفيدا؟!.
الدكتور ماهر الماهر (هكذا يحلو لي تسميته) المبدع الذي تعلمت منه بأن الثقة بالنفس ركيزة أساسية لإنجاح أي عمل واستمراره، وهو المنطلق نحو الإبداع والتميز، وأن العمل الدؤوب يأتي من نفس قوية وإرادة فتية، فدائما ما كان يقول (من أراد أن يحقق النجاح عليه بالاجتهاد والصبر)، وما بين صعوده المسرح المدرسي للمرة الاولى عام 1977 حتى يومنا قصة نجاح كبيرة حرق خلالها مراحل وحقق نجاحات يعجز عنها الكثيرون، عمل دؤوب لم ينقطع، وهب الفن كل حياته، عرفته خشبات المسارح مخرجا ومؤلفا، وألفه المذياع وشاشة التلفاز مذيعا متميزا، واستطعمته آذان وقلوب الاطفال مؤلفا مؤديا لأروع القصص الهادفة البريئة.
كنّا، أنا وماهر الكتيباني، وكامل مطلع التسعينيات من القرن الماضي نتجمع عند صديقنا باسم الفيزيائي الذي اضطرته الحاجة للعمل في بيع الماء الحلو، لم يستطع الحصار اللعين بقسوته النيل من ارواحنا المرحة، روح الدعابة والنكات الطريفة كانت حاضرة في كل لقاء، يضج المكان (كرفان محطة بيع الماء) بالضحكات، سماحة الحاضرين تبث روح الطمأنينة وتشيع الاحسان ، منذ ذلك الوقت كنت الحظ تطور موهبة ماهر الفنية في اداء النكات او تقليد الشخصيات، بحركاته التعبيرية، وانفعالاته، وملامحه التي تشدنا وتضعنا في صورة الشخصية، كان يعيشها ويستحضر مكنونها بأدق تفاصيلها، وأذكر مرة قلد ضحكتي المميزة في صالة البلياردو( المحطة الثانية التي نجتمع فيها عند المساء)، لا اكون من المبالغين ان قلت بان أشعرني حينها اني امام مرآة على الرغم من الفارق الكبير في شكلينا، وبمجرد وقوفه امام شخص يتعرف على سماته وعاداته وإيماءاته الخاصة، ويتقمص تلك الشخصية بإتقان فائق .
في فندق جوهرة الخليج في محلة البتاوين وسط العاصمة بغداد كنت أزوره مع رفقائه طلبة الدراسات العليا، في غرفتهم المكتظة بالأسرة والكتب والآمال الكبيرة، كان يحدثني عن أهدافه الطموحة متناسيا كل الصعوبات التي خلفها حصار التسعينيات اللعين، له قدرة عجيبة على الانفصال عن الواقع والتحليق عاليا في عوالم الخيال، وبروح الدعابة والطرفة يوقد مصابيحا تبدد ظلمة الياس والقنوط ، قدرات خرافية على السخرية من الواقع المؤلم، وما لم يبرح الذاكرة منها سخريته وهو يصف سرقة كتبه من صندوق الحافلة الكبيرة التي أقلته بين بغداد والبصرة شاهد على ما اقول، متناسيا العواقب الوخيمة التي سببها الحادث، ، لكن ثمة أحداث مفجعة تحطم ابواب حزنه الكامن، ولعل اعظمها فقدانه لأخيه بموت فجائي.
يمكن لأي متابع لإعمال الدكتور ماهر ان يلحظ أثر الجغرافيا في مزاجه، فعباراته الجميلة تجسيد للعلاقة الحميمة التي تربطه بالمكان، سيلمح بين سطوره صور البساتين الخصيبية، ويستنشق بأحرفه رائحة الطين والطلع وشجيرات الاس ، ولعل هذا ديدن كل المحبين، صور كثيرة تتجلى في أعماله المتنوعة، ولعل ما يكتبه ويؤديه للأطفال في برنامج (فراشات المربد) خير شاهد على ما اقول، فهو يمثل جزءا مهما من سلسلة أعماله الهادفة والكبيرة (تلفازية، إذاعية، مسرحية) التي تخلق المسار المفترض للمشي البشري الصّحيح ، وكان آخرها مسرحية هلو- سات، ( مسرح الا توقع الحركي) التي الفها واخرجها فلقد حظيت باهتمام واسع، لما حوت من ايقاعات حسية وروحية، ومنافذة للضّوء والحلم والصّدى، منحتنا فرصة للتأمل في مسرح جاد و راق، في زمن المسرحيات الهابطة على خشبات المسارح والحياة ولعل اوضحها الادوار الهزيلة التي يؤديها بعض السياسيين .
نشر قبل ايام على احدى مواقع الفيس بوك التي تعني بالتراث صورة بالأبيض والاسود لوالده الأستاذ عبدالجبار الكتباني رحمه الله، الصورة أعادتني بذاكرتي لعقد التسعينيات من القرن الماضي قبل نحو من ثلاثة عقود، وذكرتني بمعاناته من المرض الذي فارق على اثره الحياة، أيامها كان صديقي ماهر يتناوب مع أخوته على تبريده رحمه الله ( المهفة ) خلال الساعات الطويلة لانقطاع التيار الكهربائي، وكنت أشاهد اثر الاحمرار المؤلم الذي تتركه عصا ( لمهفة) على يده، الصورة لم تبارحني حتى الساعة ، واليوم بعد مرور قرابة الثلاثة عقود عليها أستحضرها فاقول : ان النجاحات الكبيرة والمتواصلة التي حققها الدكتور ماهر لم تكن بالمثابرة والاجتهاد فحسب، أنما هي مكافئة من الله سبحانه وتعالى له على بره بوالديه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي