الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدارية

رنا جعفر ياسين

2006 / 4 / 23
الادب والفن


لم تكنْ لأشعةِ الشمس ِالمفتولةِ و هي تعربدُ على سكون ِ تلك الظهيرةِ الصاخبةِ القيظِ إنعكاساً ملحوظاً عليهِ , متقوقعٌ في ارتكازهِ على ركام ِ حائط بـَلِيَ من الخنوع ِ , يسندُ عليهِ أوهامه ُ و ربما الآمه ُ غيرَ مدركٍ لما يدورُ حوله ُ
. . . يعبثُ بما في يدهِ من نفاياتٍ .

هو الطاعونُ الذي بدا واضحاً على مخيلتهِ المتشعـّبةِ في الغياب ِو الذبولُ يطرِّزُ محيـّاه رغمَ ضراوةِ عينيهِ في التحديق ِإلى ما في يديهِ من نفايات .
تفاعله ُ الفيزياوي بانَ جليّاً من هستيريةِ يده ِ في طردِ الذبابِ عن وجههِ المتسخ ِ , يطردها بيدٍ و بالأخرى يعبثُ بقاذوراتهِ بعد أن يلمّها من الأزبال ِ و الأشياءِ المرميةِ قربَ حاوياتٍ أو قربَ بيوتٍ في شوارع ٍ تكتظ ُُّ اليومَ بالأزبال ِ ( بدلَ النباتاتِ .. و هذه مفارقة ٌ أخرى ) .
و حينَ يكونُ في مأمن ٍ من الذبابِ تراهُ يتفحـَّصُ ما يمسكه ُ بفرح ٍكمن يمسكُ محارة ً يبحثُ فيها عن لؤلؤةٍ نفيسةٍ , و على يمينهِ قنينة ُ ماءٍ كان قد حزّها بأسنانه فاصلاً عنها عنقها فبدت كقدح ٍكبير ٍ ( مشرشب ) الحافات يملؤهُ الوسخُ
إلى جانبهِ كيسٌ مجعدٌ أسودُ اللون ِ.


هكذا كانَ دوماً يثيرُ السؤالَ بذهولهِ و شرودهِ الممتزجين ِ. . .
يجيءُ من مجهول ٍ يلوذ ُإليهِ في الصباح ِ من تشرّدهِ المسائي غيرَ قاصدٍ الوصولَ إلى اللاشيء ِ , خارجا ً عن ميقاتيةِ الزمان ِ و ستراتيجية المكان كفنار ٍ تصفرُ فيه الريح ُ و تعوي , يقبعُ في البحر ِدونَ أن يعومَ على موجةٍ أو تهزّهُ إرتجافة ُ الأسماكِ الوليدةِ .

كان الظهرُ رغمَ فظاظتهِ هو وقتُ لعبِ أفكارهِ في فضاءٍ مشحون ٍ بسخونةِ الجو تارة ًو بتلاشي وجودهِ طوراً فهو يحاكي مجهولاً لا يدركُ كنههُ و ماهيـّتهُ إلا هو , و حينَ يعودُ ( مضطراً ) إلى حضورهِ الآدمي لا ينفكُّ يأكلُ و يأكلُ و يأكلُ كمن يجترُّ بقايا الإنسانية في خضم ِ حربٍ تلتهمُ الشعوبَ و تواريها في غيابٍ مقيم ٍ في معدتهِ المتقيحة , ينزاحُ بينَ فينةٍ و فينة ٍ عن ركودٍِ ذاتهِ في قعر ِالوحدةِ الموغل ِ في الحلكةِ الى مجالسة كلابِ الشارع ِ وهي تفترشُ الأرضَ قربهُ بجموح ِ الباحثينَ عن سكينةٍ أو مأوى تلوذ ُ به من تسيبها .


و الفضولُ يأكلني عن ماهيـّةِ هذا الجوال ِالمتشرّد ليلاً تحت الجسور ِأو قربَ المقابر أو على أعتابِ كراجاتِ السكرابِ . . . و هو على هذا الحال ِ منذُ شتاءاتٍ مريرةٍ .

. . . . . .
. . . . . .
. . . . . .

في أحدِ النهارتِ الطويلةِ الأمد . . . كان هناكَ شيءٌ لا يشبهُ سابقاتِ هذا النهار . .
كانَ جالساً متكوّراً , ساكناً و هادئاً كأنهُ في حلم ٍ لذيذ ٍ يعانقُ الشمسَ او يضاجع القمرَ
لكنه بدا غريبا . . ملتذاً بغيابهِ

اقتربتُ منه
كانَ الذبابُ يدورُ حولهُ . . على شفتيهِ و اذنيهِ وعلى عينيهِ المغلقتين
أمسكتُ كتفهُ فمالَ جانباً و سقطَ َ على الأرض ِفأنسكبت قنينة ُ الماءِ الآسن ِ حولهُ
. . . انه ميت .

بسرعةٍ تلقفتُ ذلك الكيس علـّهُ يدلـّني على هويةٍ لمجهولي أو أي عنوان ٍ يوصلني لمن يطفئوا ظمأ السكينةِ في روحهِ الثكلى
لم أعثرُ على دالـّةٍ سوى جدرايةِ محمود درويش و شريط ُ تسجيل ٍ مقطوع كتبَ عليه ( مديحُ الظلِّ العالي ) و صورة أمرأةٍ جميلة و قطعة خشبٍ بالية كتبَ عليها بخطٍ بائس ٍ :
وحدي
آهِ يا وحدي
و لم أقترفَ الوحدة َوحدي وأنا المؤولُ بالغيابِ
وحدي و لم أكنْ الوحيد
وحدي و لم أعتد حضورَ الحاضرين
وحدي

و حدي وصلتُ بوحدتي الخرقاءَ
لأموتَ وحدي

يا أيها الـ ( وحدي ) بينَ الأوحدين
أنا مثلكَ . .
وحدي أجوبُ بوحدتي
وحدي أشرِّدُ انتظاري
مرة ً
أخرى
و أخرى
و أ ُخر َ

وحدي
و يالشقاءِ وحدي على وحدي
أنفجرُ وحدي
أ ُشظـّي وحدتي وحدي

لم أكن وحدي لأولدَ مرة ً أخرى لوحدي
كم طواني غيبكم و أنا المؤولُ بالغيابِ
و أنا من عمر آدم وحدي

و سأظلُّ وحدي
وحدي

. . . . . .

كانَ هذا كلَّ مايملكُ مجهولَ الهوية .






ايار - 2005
بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف