الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاد اضيق من الحلم

صبحي عبد العليم صبحي
باحث بالفكر الإسلامي المعاصر

(Sobhee Abdelalem)

2019 / 2 / 28
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


إن وطنا نحلم فيه بالحياة لا يمكن أن يكون إلا مقبرة ، فلا توجد ترجمة حقيقية لبلد يعاني فيها ما يعانيه المصري في ما يسمي بوطنه سوي كلمة " مقبرة " . بلد اضيق من الحلم يموت الحلم فيها سجينا يحاول عابثا أن يبحث عن هواء نظيف حتي لا يموت مختنقا ، هذه هي بلادنا ، مقبرة الاحلام ، كم من الاحلام قتلت ويصرخ الحالم جوارها يحارب مدافعا عنها ، حتي تضطره بلاده أن يعيش منتظرا لأن يعيش . أشخاص كل احلامهم كسرة خبز . اختيار انواع الطعام رفاهية لم يعرفوها اعتادوا دوما ان يأكلوا ما يقدم اليهم حامدين شاكرين ، حتي اصبح التمرد علي بعض أنواع الطعام أو اختيار لون الملابس محرما بمثابة جريمة ، يستغفرون ربهم اذا تذمروا يوما من حياة لا تشبه ابدا الحياة . لم يملكوا يوما شيئا سوي أحلامهم ، كل يوم يذهب أطفال الفقراء صباحا حفاة الي مدارسهم كي يتعلموا ، محاولين قتل الفقر ، والخروج عنه لقسوته . مجمل دخل اهالي هؤلاء الاطفال يدفعونه كي يتعلم أولادهم ، متمنين ان لا يكونوا مثلهم . أن لا يكونوا فقراء ، ولا يجدوا سوي العلم سبيلا للخروج عن هذا الفقر .
تري ما هي جريمتهم حتي يموتوا محروقين مذعورين؟؟! . اكانت جريمتهم انهم حلموا يوما بالحياة ؟؟! فلم يكن لهم عقاب اقل قسوة من أن يموتوا محروقين ، هاربين بحثا عن نجاة حدها خيالهم ، فلا نجاة الا في خيالهم ، ولكن غريزة البقاء تجعلهم دوما يفرون إلي أي طريق ظنا منهم أنه طريق النجاة .
لا يمكن ان نقول ان جريمة كهذه هي جريمة بلد باكملها ، فاليوم علي التلفاز ظهر أحد المشايخ المحبين للسلام الرائعين علي المستوي الخلقي ، يلبس زيا رخيصا لا يتعدي الثلاثة الاف جنيه ، أمام كاميرا لا نعرف سعرها بالتحديد ولكن نعرف أننا ظللنا قرابة عام ندخر ثمن التلفاز الذي نراه فيه ، جلس في المكيف الهوائي حزينا للغاية يدعي للموتي ، ويأمرنا بان نتعظ ، فالحياة قصيرة أفلم نري باعيننا اشخاص يموتون وهم ذاهبين الي حربهم اليومية علي كسرة الخبز؟! ، وشباب تخلي عن أحلامه سعيا وراء سد جوعه ، يموت حرقا ليس لشيء الا لأنه مصري ، فيجب ان نزهد في الحياة ونسعي نحو الموت ، ولكن نحن وقحين للغاية ، فنحن نريد كما قال محمود درويش ان نحيا قليلا ، لا لشيء الا لنحترم القيامة بعد الموت ، نريد أن نحيا ، حتي يمكننا ان نزعم بإمتلاك شيء نزهد فيه . لا نحلم بزي كزيك مولانا حاشا لله ، ولكنا نحلم باي زي ، لا نحلم بركوب سيارة كسيارتك ، بل نرجوك الا تدهسنا بها ، طمعا في كرمك . ونقدر كثيرا إستياء المذيعين وألمهم علي الضحايا المقتولين ، ولكنا نرجوهم طمعا في كرمهم ووطنيتهم أن يصفوا لنا الحياة ، ان يخبرونا كيف نحيا ، فقد ضاقت بنا السبل ، نخرج كل يوم جاهدين نحاول ان نبحث عن كسرة خبز زائدة عن حاجتكم ، أو قطعة لحم لا تروق الي مذاقكم ، لنقيم حفلا بها ، لننظف الطرق للقاضاة حتي يحكموا يوما علينا بمذاق الحياة . نمسح سيرات الوزراء حتي تظهر بلادنا نظيفة ، علي اكتافنا علي جثثنا ، المهم ان تكون بلادنا نظيقة !!. المهم ان تكون اجهزة الصوت جيدة للغاية حتي نتمكن من سماعكم وانتم تتألمون لنا اشد من ألمكم علي قطة ربيتموها يوما ، أو كلبا تودد الي أريكتكم . وانتم تتحدثون عن فقرنا ، عن حياتنا عن تجارتكم باحلامنا ، للحديث عن موتانا كسبق اعلامي .
نحن لا نتوقح الي ذلك الحد الذي نطلب فيه المحاسبة والمسألة ، لا نتوقح ونطلب المسواة ، ونعتذر عن اننا طلبنا يوما الحياة ، ولكنا نرجوكم ان تختاروا طريقة اكثر رأفة من أن نموت محروقين بنيران منتجات صنعنها بايدينا لتخدمكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة