الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرغبة للشعور بالتفوق

فائز تركي القريشي
(Faiz Turky)

2019 / 3 / 1
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


يعرف التفوق لغوياً بأنه التقدم على الاخرين والعلو عليهم والغلبة والارتقاء ، ان المصطلح بحد ذاته لا تشوبه السلبية وان التفوق كهدف لا غبار عليه ولكن تنشأ الرغبة للشعور بالتفوق على الاخرين لدى الانسان منذ سنين الطفولة الاولى حين يبدأ بالادراك والحاجة للاستقلال عن الاخرين تتركز هذه الرغبة ويتم اشباعها من خلال البيئة المحيطة متمثلة اولا بالوالدين والعائلة حيث يتم تعبئة الطفل بأنه افضل من الاخرين وانه يستطيع هزيمة الاخرين او العلو عليهم او انه اشجع او اذكى الخ من التأكيدات ، ان هذه التأكيدات تحتوي على الكثير من البناء السلبي للشخصية والبعض يعتقد خاطئاً انه حين يعبئ الطفل بهذه الاعتقادات فأنه يساهم بتقوية شخصيته ويجعله قوياً حين يكبر ولا يمكن كسره والحال هنا ان هذا الامر كان بالامكان ان يكون صحيحا ان كانت التعبئة بزيادة الرغبة بالتفوق الايجابي كأن يؤكد على الطفل ان تفوقه لا يعني انه يجب ان يكون على حساب الاخرين او من خلال تحطيم القيمة الانسانية او الفكرية او المادية للاخرين او من خلال ازاحتهم او تشويه صورتهم امام الناس ، ان التفوق الاهم الذي يجب ان يزرع في عقول الاطفال وحتى الكبارهو التفوق في العلاقات الاجتماعية وان النجاح الاهم هو حب الناس وخدمتهم واشعارهم بالرضا وبالتالي يتحقق الرضا والقبول الذاتي للشخص نفسه .
ان كثير من الناس للاسف لا يدركون اهمية ما ذكرت ولا يعتقدون بصحته وان الكثير من الناس يتصرفون ارادياً او لا ارادياً من الرغبة الذاتية الملحة للشعور بالتفوق على حساب الاخرين وان هذا السلوك لهو سلوك نرجسي الى ابعد الحدود ، وفي كثير من الاحيان تذهب هذه الرغبة الملحة للتفوق على الاخرين بعيداً وقد تؤدي بالانسان للهلاك او خسارة كثير من الاشياء المهمة في حياته اولها الناس المحيطين به ولارضاء هذه الرغبة يسعى لتحقيقها بطرق شرعية او لا شرعية ، ان ماذكرت عن النجاح او التفوق الايجابي انما قصدت به حب الناس والتفوق لاجلهم وهناك الكثير من التجارب لشخصيات عالمية اتضح من خلال دراسة سيرهم واسباب وصولهم للقمة حيث انهم اناساً عاشوا حياتهم من نجاح الى اخر دون الشعور بأدنى حاجة لهذه الرغبة الخبيثة المدمرة ، من امثال هؤلاء ( الزعيم الهندي المهاتما غاندي ) و(رئيس جنوب افريقيا نلسون مانديلا ) و(الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت ) ويحضرني الان جزء من حوار تم مع الرئيس الامريكي روزفلت الذي قاد الولايات المتحدة في فترة كانت من اشد واصعب الفترات في تاريخ الولايات المتحدة والتي اصاب فيها الاقتصاد العالمي ازمة الكساد الكبير وكذلك الحرب العالمية الثانية ومع هذا فقد حكم هذا الرجل الولايات المتحدة لاربع فترات رئاسية وانتصر على ازمة الكساد وانتصر في الحرب وعندما سأله احد الصحافيين عن اسباب نجاحه وهل كان يتميز بقدرات عقلية تفوق الاخرين اجاب ( كلا ليس لدي قدرات عقلية تفوق الاخرين وانما نجحت في بناء علاقات جيدة وفزت بحب الناس وثقتهم ) لم يكن روزفلت ولا الزعماء الذين ذكرت يهتمون بالرغبة بالتفوق وانما كانوا يهتمون بالناس كثيراً ويشعرون بالحاجة للناس كثيراً .
ان التفوق الحقيقي هو الشعور بالتعايش بسلام مع الاخرين والشعور بأننا كائنات اجتماعية ويجب ان يكون تفوقنا بالانتصار على الرغبات الشيطانية المرتكزة على الانانية وحب الذات ، التفوق هو ان يشعر الناس بتفوقك لاجلهم لا عليهم وانك تكرس تفوقك العلمي او المهني او الدراسي او الفني لخدمة الناس ومساعدتهم ، التفوق يرتبط بالمعنى ولا يرتبط بالذات والتفوق لا يأتي بالعزلة عن الاخرين او الانتقاص منهم ، هنالك امثلة كثيرة لا حصر لها عن التفوق السلبي المبني على الرغبة الجامحة ولكني لست بصدد عرضها كونها معروفة وواضحة وان القارئ الكريم يعلم جيداً عن ماذا اتحدث ويعلم خطورة هذه الرغبة وخطورة نتائجها على الفرد والمجتمع وانما اردت مما كتبته التفريق بين نوعين من التفوق احدهما مدمر والثاني مثمر ، وعلى العائلة بدئاً بالاب والام ان يتنبهوا لخطورة التأكيد على الطفل بأنه ( افضل من الاخرين وانه يجب ان يفعل اي شئ للتفوق عليهم ) لانهم بذلك يدمروه مستقبلاً ، وعلى الناس ممن لديهم هذه الرغبة او لا ان يساهموا في كبح جماح هذه الرغبة لديهم ولدى غيرهم سواء في المجال الوظيفي او السياسي او الاجتماعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى