الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بكتيريا العبودية

حبيب محمد

2019 / 3 / 2
حقوق الانسان



شاهدت البارحة برنامج نقطة حوار الذي تبثه قناة BBC العربية من لندن لكن هذه المرة في حلقة خاصة من العاصمة الموريتانية انواكشوط وكان حول العبودية في موريتانيا :

هناك طرفين ممثل الحكومة الموريتانية ونائب رئيس منظمة نجدة العبيد إضافة لآراء الجمهور الذي اغلبه من شريحة الحراطين التي تم استبعادها في الماضي ..

مالاحظته أن ممثل النظام الموريتاني كلامه متناقض وغير مقنع في غالبه مزايدات وطبعا كعادة المتطفلين والمطبلين لنظام الفيافي تجميل وترقيع فلم تعد تجدي مساحيق التجميل لأن الوضع قبيح جدا ، فكيف لحكومة تنفي وجود العبودية أن تسن قوانين لمحاربتها وتجريمها أليس هذا دليل على وجودها !!

المداخلات الأخرى كانت معقولة وتحكي الواقع دون عاطفة..

وتجدر الإشارة هنا أن ملف العبودية في موريتانيا أصبح وسيلة لجني المال وكسب التعاطف الدولي دون أي جدوائية على الشريحة التي تعرضت للظلم التاريخي والمعنوي ، لذا كل نظام يركب القضية من منطلق معروف وهو التمصلح تارة وزرع الفتن وتأزيم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي . ..

لكن هل سألنا انفسنا عن مسببات العبودية في موريتانيا!!
العوامل المسببة لذلك كثيرة ولكن أهمها :
تراثية وانتروبولوجية واقتصادية وثقافية واجتماعية ونفسية…
كل هذه المسببات لها دعاتها : فدعاة التراث هم المتورط الرئيسي في قمع الإنسان وبيعه والمتاجرة به في سوق الخرافات واصنام الجهل..
وبعد ذلك تأتي الأدوار الأخرى على شكل سلسلة متتاليات محفورة برموز مقدسة..
لهذا يصعب التخلص من نفايات الاستخبارات التراثية وجيشها الوحشي لأنها تلعب على العواطف وتشحن مشاعر البسطاء وتوهمهم بأن كل مايفعلونه هو واجب وسيجنون اجورا عليه ، حتى لو كان ذلك الفعل مشينا ويتلخص في موت الضمير وسحق كرامة الإنسان..

العبودية الثقافية:
وهي أن تكون الثقافة السائدة تحث على التهميش وإقصاء وغبن وإرهاب تجاه الأقليات ..
العبودية الاقتصادية :
وتنجم عن عدم تساوي في الفرص والوظائف وهو غياب الرقابة وتفشي منطق الانتهازية على حساب المصلحة العامة للمواطن..

العبودية من منطلق نفسي :
وهو سيادة لهجة الأفكار الميتة التي تصارع الوجود داخل اعماق الشخص وتريد عودة عصر الجواري والقتل والذبح وتحويل بلداننا إلى مجازر وانهار من الدماء ..

العبودية من مفهوم الانتروبولوجيا:
هي ظاهرة تعبر عن الاحتباس الحضاري وغياب لمفاهيم الإنسانية والتمدن حيث الرؤية العصرية والمنظمة للأشياء..
ان كل الحضارات القديمة عاشت فترات جمود ورخاء ولكن ليس من العقلانية أن تفتخر في بجرائمك في عصر التفوق العلمي والحضاري حيث الأولوية للمواطنة والصدارة للكفاءة وحقوق الإنسان مهما كان ..

ان طبيعية المجتمع الموريتاني بتنوعه هو حصن صلب في وجه دعاة التفرقة..
نعلم أن مجتمعنا في أعماقه يؤمن بمنهج القبيلة على حساب الدولة الحديثة وهذا راجع لطبيعة البيئة الصحراوية وشح في الموارد المعرفية وخاصة تلك التي تعطي الأسبقية للعقل والوعي والأخلاق بدل موجة التصحر الوعظي التي اجتاحت موريتانيا منذ الأستقلال إلى يومنا هذا..
ان من يرى الأمور من زاوية ضيقة سيحمل الأجيال الحالية من فئة معينة مشكلة ما اقترف بعض أجدادهم من جرائم بشعة بحق فئة أخرى هي اخت لهم في الوطن والدين والإنسانية ولكن كما يقال عندما يغيب الوازع الانساني يصبح الإنسان مجرد كائن عنفواني يطبق ما قيل له لأنه لا يمتلك مايكبح غريزته الحيوانية السادية التي تغذي ثقافة الشنق وبتر الأعضاء واغتصاب الحقوق وضرب الأعناق على حساب التسامح والحب والسلام..

ان الاعتراف بوجود خلل في مجتمع ما مهما كان هو خطوة مبشرة للعلاج ، ولكن مالاحظته أن التهم جاهزة جدا بحق كل من يقول ان العبودية في موريتانيا هي بكتيريا قاتلة وموجودة مابالك من يناضل من اجل ضحدها واستئصال جذورها ، بل يقال انه يثير الفتن الطائفية وغير ذلك من المغالطات الشائعة. .
الفكرة لاتعدو كونها نوع من مصادرة حق الآخر في التعبير عن وجهة نظره ، وهذا منطق مزدوج يفسر لكم حجم التناقض والتخبط الذي نعيشه يوميا ، فاعلامنا المنبوذ اصبح لاموضوع له سوى حرية التعبير وحقوق الإنسان ، وهو أكبر مزيف للحقيقة ومتمرس على نكران كل ماهو موضوعي وواقعي..

إذا كملخص للقضية بشكل مختصر :
هذا المرض الذي يسمى العبودية في موريتانيا كان موجود فعلا وله جذور تاريخية وتم التأصيل له من منطلق تقليدي ولايستطيع أي شخص إنكار ذلك ، ولكن العبودية اليوم أخذت منحى آخر اقتصادي أساسا ، ولهذا يجب علاج الوضع بتفعيل القوانين ونبذ العنصرية وترسيخ المساواة ، العبودية هي حلقة من التاريخ البشري المتوحش وتقريبا كل شعوب العالم مارستها بحق بعضها ولكن الحل يكمن في التصالح مع الذات ومحاربة آثار الظاهرة وتحقيق العدالة الاجتماعية والقطيعة مع أفكار القرون الوسطى ، بعيدا عن التكسب واستثمار القضية لمآرب أخرى فذلك هو التلوث ولاينتج سوى إثارة النعرات، فموريتانيا اليوم مشاكلها واضحة جدا فهي الفقر والجهل والبطالة ، وأن لم نقضي على هذه الأمراض سيظل حالنا يتجه نحو الأسوأ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش




.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟