الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخربون

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2019 / 3 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


دائما ما توجه الأنظمة الفاسدة للمحتجين تهم تتعلق بالتخريب لتبرر لنفسها قمع التظاهرات والتنكيل بالمتظاهرين، والحقيقة أنه لولا التخريب الذي تمارسه هذه الأنظمة ما خرج متظاهر ولا تكلم معارض فلا يوجد تخريب يمكن أن تحدثه مظاهرة يضاهي في اثاره مقدار ما تحدثه هذه الأنظمة من تخريب!
وعلى سبيل المثال اذا كان لديك نظاما يقوم بتخريب النظام التعليمي باصرار شديد حتى وصل الحال بالتعليم في الدولة لأن يخرج من التصنيف العالمي ويصل الحال بالخريج الجامعي انه لا يستطيع صياغة جملة بدون أخطاء، ولا يتقن لغة، ولا يعرف تاريخا ولا بلاغة ولا جغرافيا ويكره الرياضيات والكيمياء، ويعتمد الواسطة والنفاق والتزلف ودفع الرشاوي للتقدم في وظيفته، فهذا نوع من التخريب لا يمكن أن يضاهيه تخريب واجهة محل على سبيل المثال أو زجاج سيارة.
واذا كان لديك نظام يخرب الرعاية الصحية تخريبا منظما، حتى أن افراد هذا النظام يسافرون جميعا على حساب الدولة للعلاج في الخارج في اكبر وأقل المشكلات الصحية التي تواجههم، وحتى أن من يلجأ الى المستشفى الحكومي عليه شراء كل الأدوية والمستلزمات، وحتى أن البلاد تحتل المركز الأول على مستوى العالم في الوفيات من جراء الحوادث نتيجة تأخر الخدمات الصحية وسوء الطرق، وحتى أن الأطفال يعاني نسبة ضخمة منهم من التقزم وسوء التغذية، فلا يوجد تخريب يمكن أن تصنعه مظاهرة ايا كانت يمكنها أن تنتج تخريبا يضاهي هذا القدر من التخريب الذي تحدثه حكومة ونظام فاسد.
واذا كان لديك نظاما يبدد ثروات البلاد من غاز وذهب وبترول ويبيع المصانع والشركات ويتخلى عن حق الشعب في مصدر المياه العذبة الأهم ويدمر الزراعة تدميرا منظما ويترك الأرض للبوار ولا يحرك ساكنا أمام طوفان تهريب الآثار الى الخارج ولا يعنية سياحة ولا صيد، فلا يوجد أي احتجاج يمكنه أن يحدث تخريبا يوازي هذا التخريب على الاطلاق!
اذا كان لديك نظاما يستدين في كل يوم الملايين والمليارات ويطبع العملة بدون ضابط على المكشوف لتسقط قيمتها الى الحضيض ويخنق الناس بالغلاء ويسمح لكل فاسد وكل مرتشي وكل محتكر وكل مهرب أن يعمل بحرية، فهل هناك اي مظاهرة أو احتجاج أو اضراب يمكن أن يصنع تخريبا مماثلا في اقتصاد البلاد ولو شارك فيهم ملايين وملايين المحتجين؟
اذا كان اعلام النظام موجه بالكامل لتغييب العقول بمشروعات وهمية ويمنيهم بمستقبل لن يكون له وجود في ظل المقدمات الموجودة على الأرض ولا يتقن الا التشهير والكذب والخداع والتدليس، فهل يوجد أي نوع من التخريب يضاهي هذا النوع من تخريب الوعي وخلق شعب من المغيبين؟
ولذلك وعندما يخرج المسؤولون في دولة مثل الجزائر أو السودان الأن يتحدثون عن التنمية وعجلة الانتاج ويهاجمون دعاة التظاهر بأنهم مخربون لا يجد صوتهم اي صدى في اي مكان في العالم، فكل ذي عقل يدرك تماما حجم الخراب الذي تسببت فيه وتتسبب فيه الأنظمة العربية والذي لا يمكن لدعاة التظاهر الذين ما خرجوا ولا نطقوا الا أن بعد فاض الكيل أن يفعلوه.
هذه الأنظمة تعامل شعوبها باعتبارها شعوبا ميتة سريريا ويضربون بمصالحهم ورغباتهم عرض الحائط وحتى عندما يفيق الشعب ويرفض ما يتعرض له من مهانة لا تفكر هذه الانظمة الا في كيفية التحايل على الشعب واعادة انتاج النظام الفاسد في صور أخرى وهذا ما حدث تقريبا في كل الدول العربية التي خرجت الى الشارع منذ ثورة تونس في ديسمبر 2010.
إن الأوضاع الحالية لا يمكن لها الاستمرار على ما هي عليه ومهما فعلت هذه الأنظمة ومهما نكلت بالناس وخنقت صوت الحقيقة، غمهما بلغت قوة القبضة الأمنية لن يمكن السيطرة على استفحال الاهمال والذي يكشف عنه في كل يوم حوادث شنيعة مثل حادثة قطار محطة رمسيس اضافة الى أن البطالة والاوضاع الاقتصادية المتردية لا يمكن التغطية عليها طويلا، ويوم الصحوة لابد فادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين حاولوا اقتحام الـ-م


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا




.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة


.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق




.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب