الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-بلدتي شقلاوا بين الأمس واليوم-

شيرزاد شير

2006 / 4 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يشهد إقليم كوردستان العراق نهوضا عمرانيا كبيرا في ظل أجواء من الأمن والاستقرار قل نظيرها في كل التأريخ الحديث لهذه المنطقة ويشعر المواطنون بتحسن أوضاعهم الحياتية والمعيشية باضطراد ويجري العمل وبوتيرة سريعة بالمئات من المشاريع المختلفة تشمل كل مناحي الحياة، سواء ما تنفذه سلطة الإقليم ومؤسساتها أو بالتعاون الوطيد بين الرأسمال المحلي والأجنبي والشركات المتنوعة، التي تولي اهتماما خاصا بالاستثمار الجاد في هذه المنطقة، نظرا للاطمئنان السائد لديها لما يحيط بها والشروط والتسهيلات المقدمة لها لتنفيذ أعمالها فيها...
تلك المشاريع التي ستساهم جنبا إلى جنب المشاريع الحكومية في تحسين الأوضاع أكثر فأكثر وشيئا فشيئا في خلق حالة جديدة تختلف نوعيا في كل المجالات عن الفترة الماضية وبالتالي في تغيير واقع المنطقة المنكوبة والمتضررة أصلا من سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الحكام المستبدون لإرغام الناس على ترك قراهم، وبعد عهود من الإجحاف المقصود بحق سكانها والإهمال المتعمد والحرب الإجرامية والطويلة عليهم ...
أن الظروف الحالية تفتح أفاق واسعة ورحبة أمام أبناء هذه المنطقة للعيش بيسر ورخاء ورفاهية وتجاوز جراح الماضي ونسيان حرقة السنين المليئة بالمآسي والكوارث والويلات والظلم المفروض عليهم...!؟
وكما هو معروف فأن الطاغية قد وزع البطش والعذاب وسفك الدماء والقتل والتدمير بالتساوي على كل بقاع الوطن وطالت أياديه القذرة كل شبر من أرض بلاد الرافدين وشقلاوا لم تكن استثناءا !
أجل، لقد ذاق سكنة البلدة وأسوة بسائر المدن والقصبات التي أبت أن تنحني أمام الجلاد، المرارة على يد جلاوزة النظام المقبور وقطعانه المأجورين، وعوقبت المدينة مرات عديدة بقساوة ووحشية على المواقف الجريئة لأهلها وأبنائها، الذين وقفوا بوجه الهمج الفاشيين وانخرط عدد كبير منهم في صفوف قوات الأنصار البيشمركة وقدم العشرات منهم أرواحهم فداء للوطن، إضافة إلى العون والإسناد من قبل أهاليها للمقاتلين في الجبال، من المأكل والملبس والمعلومات وكل ما هو ضروري لهم.
لقد مرت مدينتنا بظروف عصيبة للغاية وتعرضت قبل حوالي عقدين من الزمن إلى أقسى الضربات حينما داست أقدام عساكر سلطة البعث الفاشية على كرامة المدينة الصغيرة وانتقمت منها، مرتكبة بحقها أبشع جريمة، بإعدام كوكبة ب(23 نفس بريئة)، بينهم عدد من الكبار في السن من أبنائها البررة، ورميت جثثهم في مقبرة جماعية في ضواحي أربيل، تعذر فيما بعد على أهلها حتى معرفة هوياتهم فرادا ...!؟ وقبيل ذلك تم تفجير العشرات من الدور السكنية وأُلبست المدينة السواد !؟
وقد أُعيدت في السنوات الأخيرة رفات الشهداء إلى أحضان أمهم شقلاوا وأودعت جثامينهم الثرى ثانية، مسلمين ومسيحيين سوية، وفي مقبرة واحدة خاصة بهم وعلى تل عالي يطل على المدينة...!
إضافة إلى ذلك أصبحت شقلاوا وتوابعها ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة الجماهيرية في كوردستان في مطلع عام 1991 المكان الآمن لقوى المعارضة العراقية التي فتحت فيها مقراتها وانطلقت في فعالياتها أو واصلت نشاطاتها منها ضد النظام البائد إلى يوم سقوط الصنم...
وهناك جانب أخر من حياة هذه البلدة، حيث يشهد تأريخها على العلاقة الوطيدة بين أبنائها الحقيقيين، الكورد والكلدان، مسلمين ومسيحيين وكذلك اليهود الذين هجروها في أواسط القرن الماضي. هؤلاء جميعا تميزوا بروابط وصلاة وشيجة فيما بينهم وسادت على مدى قرون أجواء من الثقة والتفاهم وحسن الجيرة والمشاركة المتبادلة والفعالة في السراء والضراء للطرف الثاني.
لا زلت أحتفظ في ذاكرتي والى الآن بمحطات وبنماذج حية للعلاقات القوية والمتينة من ذلك التعايش، فيما عدا فترات محدودة تعكّر صفوها نتيجة جرائم ارتكبت بحق المسيحيين يندى لها الجبين وتسببت في حدوث شرخ عميق بين الطرفين، ومنها حادثة الاغتيال الغادر والشنيع (للأب الراحل القس يوحنا عبد الأحد شير)، الذي كان همه الوحيد هو السهر على راحة رعيته، على يد شقي طائش ومتعجرف وكذلك الاعتداء الغاشم والتصفية الجسدية للأبرياء (لازار متي ونجله هفال) من قبل مجموعة من الأصوليين المتطرفين من أهالي البلدة ...
وهنا لابد من الإشارة إلى الوقفة الشجاعة والرشيدة للعديد من المسلمين الشقلاويين الأصلاء والمتجذرين في تربتها في تلك الأوقات العصيبة، وأذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر - (الإنسان الرائع والطيب إلى أقصى الحدود، المرحوم أحمد محمود والبيشمركة المخضرم والوقور المرحوم إبراهيم حبزبوز)، الذين أبديا تعاطفا وتضامنا عميقين مع جيرانهم المسيحيين ومدوا يد المساعدة إليهم.

أن هاتين الحادثتين على وجه التحديد هن وبحق صفحات سوداء من تأريخ هذه المدينة الآمنة والمسالمة، ولكن ما هو مضيء وزاخر بالمعاني والمثل الإنسانية يفوق ذلك أكثر بكثير والأمل بالتعايش الأخوي وبما هو الصالح والنافع والمعزز لتلك العلاقة أقوى وأعمق...
ولكي يندمل هذا الجرح ولكي لا تتكرر مآسي الماضي ينبغي العمل وبجدية تامة من أجل إرساء دعائم علاقات متزنة ومتكافئة بين سكان المدينة ونشر أفكار التعايش والتسامح بين أبنائها ونبذ كل أنواع وأشكال الظلم والتجاوز على حقوق الأخر، مهما كانت الدوافع والمبررات، وإقناع أو ممارسة الضغط على النازحين إلى البلدة من القرى المحيطة بها لترك الأراضي، التي استولوا عليها في العقود الماضية ويواصلون إلى يومنا هذا أعمال البناء والزراعة فيها، وبالرغم من مطالبة ذويها وأصحابها الأصليين بها !؟

أما في هذه الأيام فتبدو لي مدينتي الجميلة شقلاوا - التي تعني حسب أحد التفسيرات ( القرية العامرة بالمياه والأشجار) وهذا أقرب الى الصحة حسب الشماس ميخائيل كوسا وكتابه "تأريخ شقلاوا" - ، وبعد عمر من المعاناة وسنين عجاف من الحرمان عن جميع محبيها في طول البلاد وعرضها، الذين كانوا يقصدونها كل صيف هربا من الشمس الحارقة في الجنوب والوسط وحتى من المدن القريبة إليها ليجدوا فيها الهواء النقي ومياه الينابيع الباردة والطقس اللطيف والمعتدل على سفح سفين الشامخ الذي كانت الثلوج الى وقت قريب تغطي قممه حتى أواخر الصيف، أراها اليوم بزيها (القديم –الجديد) كعروس تفيق على مهل من غفوتها مبتسمة، لتلبس فستان العرس ثانية وتتزين بحلتها لتستقبل فارس العمر الذي سيطرق الباب بعد لحظات ليعانقها ويضمها إلى صدره ويقبلها مرارا وتكرارا ...
فما أن يأتي على ذكر اسم بلدتي الحلوة إلا وأن ترافق ذلك مع الحديث عن الطبيعة والمناخ اللطيف وطيبة أهلها وحسن ضيافتهم لزائريها ...
ويا ترى هل هناك بين البالغين من أبناء بلاد الرافدين من لم يرى شقلاوا ولم يسمع بها !!!؟- " بكل تأكيد لم يتسنى للكثيرين من السياح لمن هم دون هذا العمر زيارة المدينة والتمتع بمناخها المعتدل وجمالها الأخاذ بسبب الظروف القاهرة الأنفة الذكر وكذلك بسبب حروب صدام السيئة الصيت ".
وها لقد وصلت موقعنا " شقلاوا دوت كوم " قبل فترة وجيزة رسالة من معجب بشقلاوا هذا نصها:

" لقد زرت بطريق الصدفة موقع مدينتكم الجميلة http://www.shaqlawa.com ولكوني من المعجبين جدا بمدينتكم حيث أني أقوم بزيارة المدينة في الصيف والربيع برفقة عائلتي المتكونة من زوجتي وأطفالي الاثنين سارة وأحمد كل عام وأشكركم الشكر الجزيل على الضيافة والكرم الذي تتمتعون به، وبصراحة أقولها لكم أني من أشد المناصرين للقضية الكردية لأنها النموذج الرائع للفداء والتضحية والمواجهة ضد الباطل والدكتاتورية على الرغم من أني عربي القومية، لكن كما يقولون كلمة الحق تقال ... أتمنى لمدينتكم المزيد والمزيد من التقدم والرقي ... أرجو منكم أخباري في أي وقت مناسب كي أزور مدينتكم لأرى سقوط الثلج فيها فعائلتي وأولادي يريدون ذلك مني وسأرسل لكم في المستقبل بعض الصور لي ولعائلتي التي التقطتها في شقلاوة وأشكركم مرة ثانية وفي انتظار جوابكم ..."

صديقكم: المهندس صفاء حميد

فهل من شك فيما يقوله هذا الأخ العربي العراقي الوطني الذي يحمل نفس مشاعر الآلاف من الزوار والمصطافين الذين كانوا يترددون على بلدتنا الصغيرة في موسم الاصطياف...!؟ بصراحة، لم يفاجئني ما كتبه الأخ صفاء، لأني قد سمعت الكثير والكثير ومن آخرين لا زالت ذكرياتهم حية وتملأ الحسرة قلوبهم على فرصة أخرى عسى ولعل أن تتحقق في المستقبل القريب !؟

أما أنا الشقلاوي (أبا عن جد) والذي لا زال يحلم بالعودة إلى (عين ترمه الشهيرة يوما) ويعيش إلى هذه اللحظات ذكريات الطفولة والشباب الباكر فيها في بداية السبعينات ( فترة قبيل وما بعد اتفاقية 11 آذار من عام 1970 ) وأيام وليالي كازينو كاوه وأزادي وغيرها في أعالي البلدة وعلى سفح الجبل التي كانت تبث وعبر مكبرات الصوت أغاني وألحان خالدة وترن إلى اليوم في أذانه أنغام "أم كلثوم وشمال صائب وألبرت روئيل وياس خضر وفريد الأطرش ومحمد عارف جزراوي وصباح فخري وحسين نعمة ورسول بيزار كه ردي وكثيرين آخرين" الشائعة حينئذ، فقد زرتها قبل فترة وجيزة وعدت بانطباعات رائعة ومشاهدات مدهشة حقا ...!
فاليوم وقبل أن تدخل المدينة وأنت قادم من جهة مصيف صلاح الدين باتجاه شقلاوا ومباشرة بعد أن تعبر المضيق الذائع الصيت الذي كان يوما مسرحا لإحدى أكثر الملاحم البطولية شراسة وضراوة لقوات البيشمركة والأنصار، حينما تصدى المقاتلين الأبطال بصدورهم لهجوم طائرات ودبابات النظام المنهار وأوقفوا زحف الجيش الصدامي عند قريتي ( كوري وحجران ) - والدبابات المحطمة على جانبي الطريق شاهد حي على ذلك - ،وبعد أن تجتازها منحدرا إلى اليمين تشاهد معالم البناء والتعمير والتشجير وزراعة الكروم وغيرها ...
وتنبسط البلدة حاليا على مساحة شاسعة من الأراضي ابتداء بالسهل المحيط بقرية (كاواني) على سفح سفين ومنطقة (سه رمه يدان) غربا والى منطقة (باني نوكان) شرقا، أي على كل الواحة الخضراء الفاصلة بين الجبلين سفين وسورك...
وقد لا أستغرب أن أرى في المستقبل المنظور مظاهر الأعمار قد غطّت كل هذه المنطقة وامتدت على طول الطريق بين شقلاوا وهيران شرقا والسهل الواقع ما وراء جبل سورك شمالا لتصبح مرتعا وملاذا ملائما للألاف من المصطافين ...
ولكي أكون أكثر دقة فيما ذكرته، أقول لقد تجاوزت الخمسين من عمري وأعيش الآن في المهجر وأتذكر الكثير من التفاصيل الدقيقة عن أعوام الطفولة والشباب وزرتها عدة مرات خلال الخمس عشرة سنة الماضية، لكني لا أتذكر مثيلا لما شاهدته في زيارتي هذه طوال حياتي ...!!!
طبعا هذا لا يعني بأن شقلاوا، المدينة السياحية المعروفة للكثيرين قد أصبحت بين ليلة وضحاها قرية نموذجية، ولا يعني ذلك قطعا بأن كل مشاكلها قد حلّت أو لا تعاني كمثيلاتها من المدن والقصبات والقرى من معضلة الماء والكهرباء والوقود وحاجات وأمور ضرورية أخرى، أو لا تجد فيها مجالات حياتية مهمة تنتظر دورها في سلم الأولويات الآنية... !؟
لا أبدا ! أنها اليوم أكثر حاجة من المناطق الأخرى وخاصة لأهمية موقعها الجغرافي، كنقطة انطلاق بإتجاه الأحياء السياحية الشهيرة كشلال كلي علي بك وجنديان وبيخال وحاج عمران في أعالي الجبال...
وكلمة أخيرة لا بد أن أقولها وهي أنه ليس خافيا على أحد بأن شريان الحياة المعيشية لغالبية سكان شقلاوا كان وعلى مدى عشرات السنين ينبع من مياهها العذبة وبساتينها الخضراء وكثرة ثمارها اللذيذة والاصطياف، وهو الأهم وما يرافقه من الخدمات.
وقد لا تجد فيها مجالا أخر تكسب منه دينارا واحدا سوى العدد القليل من الوظائف في دوائر الدولة ومؤسساتها، وأن استمرار هذا الوضع الغير طبيعي لهذه البقعة السياحية سيترك أثارا سلبية، أولها وليس أخرها هجرة أبنائها والانتقال إلى المدن الأخرى بحثا عن فرص عمل لتلبية متطلبات حياتهم التي تزداد يوما بعد أخر ...!؟
أن معالجة الثغرات في كل هذه المجالات تتطلب مايلي:-
* العناية ببساتينها وكرومها وينابيعها وتشجير كل التلال والسفوح المحيطة بالبلدة ...
* تنشيط القطاع السياحي فيها عبر إعادة الحياة إلى الفنادق الرئيسية – (سورك والسياحي والقرية السياحية ومرافق أخرى مهملة إلى يومنا هذا) ...
* تقديم القروض والمنح الضرورية لأهاليها، لاستثمارها حصرا في مجال السياحة ...
* إقامة بعض المشاريع الإنتاجية الطويلة الأمد في المنطقة ...

أن ما تطرقت إليه أنفا هو جانب من الحلول والمقترحات التي أراها مفيدة وقد تساهم في فك بعض العقد وأضعها أمام الجهات المعنية لكي تلتفت إليها إن أمكن أو تأخذها على الأقل بنظر الاعتبار، لأنني أعتقد بأن إيلاء الاهتمام الخاص بكل الآراء والأفكار ومتابعة تنفيذها هي في صلب مهماتها وهي في نفس الوقت مسؤولية ملقاة على عاتقها.
فالسياحة وفي الكثير من البلدان مصدر أساسي من مصادر النمو والتطور وهي بالإضافة إلى ذلك ثروة وطنية غنية يجب استغلالها من أجل النهوض بالمنطقة والارتقاء بها إلى مصاف دول الجوار على الأقل...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو