الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستاذ الدكتور محمد حامد الطائي.. ذكريات عابرة لأستاذ لا ينسى

فؤاد حمه خورشيد

2019 / 3 / 7
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في الاعوام الدراسية63-1864 ولغاية66-1967 كنت طالبا في قسم الجغرافية بكلية الاداب- جامعة بغداد..طيلة وجودي في الكلية كان رئيس القسم هو الاستاذ الدكتور محمد حامد الطائي ، كان رجلا مهيب الطلعة، ممتلئ الجسم ، طويل القامة، ذو صلعة امامية اضافت الى وجهه مهابة اكبر. كان رجلا وقورا الى حد كان احدنا يخجل من نفسه ،وهوينتسب لهذا القسم،من ان يرتكب مخالفة او مشاكسة . كان قسمه العلمي منضبط بشكل يثير الاعجاب مقارنة بما نشاهده اليوم من فلتان في الامور العلمية والادارية.، فلم يتخلف اي طالب عن الدوام ، الا بعذر مشروع مقنع ، كما لم يضيع اي استاذ، ولو دقيقة واحدة من دقائق درسة الخمسون.
لا ترجع معرفتي بالأستاذ الطائي الى سنواتي الدراسية ، بل كنت اقرا اسمه مرارا ضمن القوائم الانتخابية لنقابة المعلمين في عهد الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم ،وما بعد ذلك العهد، اذ كان المرحوم الطائي على رأس (القائمة المستقلة للمعلمين) المنافسة (للقائمة المهنية) ذات التوجه اليساري للمعلمين، و(القائمة التعليمية الموحدة )الممثلة للمعلمين القوميين والبعثيين ، اما قائمة المرحوم الطائي فكانت تمثل التوجه الاسلامي للمعلمين، وعلى ضوء ذلك وجدته ،عند معرفتي به عن كثب في الكلية ،انه رجل ذو توجه ديني اسلامي معتدل، ووسطي ، لذاك احببته لصراحته، ومعقوليته ،ولاقناعه لكل من وجه اليه سؤالا بما في ذلك الاسئلة الدينية.
ان علاقتي وحبي لهذا العالم الجليل، الذي ظلمه بعض من طلابه الجاحدين والسلطة معا، لاعلاقة لها بالتوجه السياسي له، لانني كنت طالبا قوميا كورديا أقرب الى اليسارية منه الى اليمين، واكثر ميلا الى العلمانية من التدين ، والدليل على ذلك انه كان يحترمني للاعتبار الاول ، ولكن لا يرسل لي بطاقة دعوة عندما كان هو ورهطه يقيمون دعوات الافطار في أحد ايام رمضان كل عام رغم علاقاتنا الطيبة .
درسني المرحوم الطائي في الكلية درسان ، الأول:جغرافية العراق، والثاني : جغرافية (الاقليم الخاص) وقد اختار لنا هو اقليم الخليج العربي موضوعا للتدريس. كانت محاضراته دروس نموذجية في معلوماتها ومناقشاتها، ناهيك عن تعليقاته وتفسيراته الشخصية وقبوله أو قناعته باراء بعض الطلبه . اما منهجة التدريسي فكان منهجا واقعيا(Realistic approach (، سألته مرة ، أستاذ ما تعريف القرية ، وكان في ذهني ان اكتب شيئا عن الجغرافية الاجتماعية للقرية الكوردية، اجابني : كاكه فؤاد نحن جغرافيون لا تفتش عن كل شئ في دوائر المعارف والمراجع، كل تجمع سكني يتكون من منزلين فاكثر في الريف اعتبره قرية وامشي . وجدت في هذا الجواب واقعية جغرافية ومنطق مقبول ، وكتبت فما بعد بحثا عن القرية الكوردية نشر في مجلة المحمع العلمي العراقي - الهيئة الكوردية ، العددين 27 و28 في 1998.
في عام 1965اجريت في جامعة بغداد انتخابات للطلبة ، وكان الوضع السياسي العام للدولة يمر في مرحلة صراع ومحاربة للتيار اليساري كاستمرار للنهج الشوفيني للانقلاب اليميني الذي اطاع بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم في 8 شباط عام 1963. تنافست في تلك الانتخابات قوائم عدة للطلبة اليساريين والقوميين والبعثيين والاسلاميين ، وكان المثير فيها هو فوزقائمة الطلبة اليساريين في كلية الاداب واغلب كليات جامعة بغداد الامر الذي حير السلطة واجهزتها القمعية، لكن السلطات احالت الموضوع الى دائرة التدوين القانوني ،الذي اوصى بعدم شرعية تلك الانتخابات ، فالغيت، هكذا كان يعالج من ادعى الديمقراطية والاشتراكية وانقلب على حكومة عبد الكريم قاسم الشعبية اوضاع البلاد بالصورة التي تخدمهم.
اتذكر في احد الدروس ، قبل تعميم قرار دائرة التدوين القانوني، سألت المرحوم الطائي في الصف عن رايه في نتائج الانتخابات ، اجاب وبواقعيته المعهودة: فازت القائمة الاكثر ضبطا ، دون ان يتهجم على اليسارالفائز ،ودون ان يندب حض قائته الاسلامية التي خسرت هي الاخرى في هذه الانتخابات ، كان واقعيا الى اقصى الحدود .
في صيف 1979كنت موظفا في ديوان وزارة التربية ببغدادوصدفة وجدت الدكتور الطائي يلهث في الطابق الثاث وهو يرتدي بنطلونا رصاصيا وقميص طويل الاكمام وكان العرق باديا يتصبب من تحت ابطيه بدلالة تبلل قميصة ، فالمني ان اجد استاذي بهذه الحالة في دائرتي ، فرحبت به وسألته عن وضعة هذا ، فكان جوابه مفاجئة لي : أحلت على التقاعد وانا بصدد جمع اوليات خدماتي السابقة( مدير عام التعليم الثانوي) في هذه الوزارة لاضمها الى خدمتي الجامعية، اديت له الواجب لكنني كنت حائرا ، لماذا يحال هذا الاستاذ الى التقاعد وهو في اوج عطائه العلمي. لقد عرفنا فيما بعد ان سبب احالته الى التقاعد هو تقرير رفعه ضده وضد الدكتور شاكر خصباك احد طلبته يدعى صباح محمود والذي اتهم فيه المرحوم الطائي بالميول الاسلامية ،والدكتور الخصباك بالميول اليسارية، وكان تقرير من هذا القبيل من احد البعثيين ضد اي شخص كان كفيل بطرده من الوظيفة ،او حتى اعدامه، وهكذا ضل هذا الاستاذ الالمعي بعيدا عن الجامعة حتى رحيله الابدي عنا في27 كانون الأول 2012,ليذهب الى جنات الخلد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في


.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة




.. الشرطة الفرنسية تطلق غازاً مسيلاً للدموع على متظاهرين متضامن