الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف البغي

خالد صبيح

2006 / 4 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )
سورة الزمر


في هذه الآية القرآنية حدد الإسلام، كدستور لتنظيم حياة المؤمنين به، بوضوح ودقة حدود المسؤولية الشخصية التي لا تتعدى مستواها الفردي، بمعنى أن يكون الفرد هو المسؤول الأول والأخير عن ما يقوم به من سلوك. قد يكون المعنى الجوهري الذي تحاول تقديمه هذه الآية مثاليا يصعب التقييد به في مجريات الحياة الاجتماعية ولاسيما في عالم السياسة والحكم إلا أن ذلك لا يفقدها دورها كمرجع معياري للتقيد الأخلاقي والقانوني خصوصا وأنها تنسجم مع النظم المتحضرة المعاصرة ذات النزعة الإنسانية.

لكن هذا الرادع الديني ـ الأخلاقي لم يمنع النظام ألبعثي من معاقبة معارضيه بإيذاء ذويهم، وهو أسلوب بعث العراق جسد خبثا ودهاءا كبيرين، ولكن قبل ذلك اشر لانحطاط أخلاقي وضمور، بل موت للضمير الاخلاقي في ابسط أشكاله.

وفعالية هذا الأسلوب الخبيث و<نجاحه> انبنت على بديهية أن الإنسان قد يحتمل ويواجه الأذى الذي يقع عليه، لكنه، بالتأكيد، لا يحتمل أن يؤذى ذويه بسببه، لاسيما في بيئة شرقية< العراق> مجبولة على معايير حساسة للشرف والكرامة والروابط العائلية.

يمكننا الجزم بأن ما يقبع وراء هذه الممارسة هو الخوف، فالبنية النفسية للخائف المذعور تدفعه لأقصى تطرفات القسوة. والقسوة مارسها النظام ألبعثي بإفراط مبالغ فيه، أما دلائل الخوف والذعر اللذان شكلا أرضية لهذه القسوة فقد أكدتهما بأكثر من مناسبة ومكان وقائع ما بعد سقوط هذا النظام ومالحقته من أحداث. وهذا السلوك، أقول استطرادا، بعيد جدا عن أي فروسية حاول إعلام البعث ان يسبغها بمجانية مخزية على رئيس نظامه المهزوم.

الملفت أن هذه الممارسة لم تكن وليدة اضطرار، أو ظروف خاصة محددة، بل هي تعبير عن تأصل عقدي وأخلاقي لدى المخلوقات البعثية، وقد مارسها النظام ألبعثي بفعالية وشمول بغير ما استثناءات. ولم، ولن ـ إن بقي في الوجود ـ يتوقف عن ممارستها. فهاهو الآن يمارسها بكل قسوة وانحطاط أخلاقي ـ مستعينا ببقاياه وبالجماعات التكفيرية في اكبر بؤرة سايكوباثية معاصرة ـ في كل يوم وضد كل من يختلف معهم، وهم كثر، لان البعث مختلف بالضرورة، لطبيعته الشاذة، مع الجميع. وكم قدم لنا تاريخ البعث صورا من وقائع النهش التي مارسها حتى مع من هم من داخله، اخرها كان اغتيال شقيق السيد صالح المطلك احد أعضاء جبهة التوافق العراقية، حيث كانت هذه العملية، المدانة بكل المعايير، كما يقدر المراقبون، انتقاما من السيد المطلك لانخراطه في العملية السياسية بدخوله مجلس النواب. والسيد المطلك كما يعرف الجميع هو بعثي الجذور بل انه واحد من المقربين الفاعلين في حزب البعث قبل وبعد السقوط وكان من الداعمين لعمليات الإرهاب والعنف الأهوج التي تسمى إجحافا مقاومة والتي عمت العراق بعد السقوط مستهدفة المدنيين ببشاعة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. ولم تصدر من السيد المطلك طيلة هذه الفترة، رغم الحاحات كثيرة، أي كلمة، ولو عابرة، تدين هذه الأعمال، بل أكثر من هذا انه صار الواجهة السياسية والتبريرية لمرتكبيها.

ومن تابع ظهور السيد المطلك بعد عملية اغتيال شقيقه لابد انه لاحظ، بالإضافة إلى شحوب وجهه الذي يعكس مقدار الألم والمعاناة الداخلية التي يعيشها ـ وهي حالة إنسانية تستوجب التضامن والمواساةـ تسلل لمفردات ولعبارات ما كانت متداولة في قاموس خطابه جاءت عند مطالبته بالإسراع بتشكيل الحكومة لان <دماء أبناءنا تسيل في الشوارع > أو حينما حمل السياسيين في نقده لهم بعد جلسة مجلس النواب يوم 22-4 < مسؤولية كل قطرة دم تسيل على ارض العراق> كذلك تركيز واضح على مفردات < شهداؤنا، والشهداء>،ظهر جليا في تصريحاته الاخيرة . وهذا يعكس إلى حد ما، بتصوري، شكل من اشكال التبدل في نظرة السيد المطلك للواقع. طبعا قد يكون هذا التبدل المحتمل طارئا نتيجة المعاناة النفسية التي يقاسيها السيد المطلك، فلا احد يستطيع أن يقدر أن هذه الحادثة الأليمة ستغير من قناعاته أو ممارساته السياسية، لكن المفردات التي أطلقها دللت على الجزع وأوحت بما يمكن أن يكون تبدلا في الموقف أو على الأقل في النظرة لضحايا العنف الهمجي. بالتأكيد أن تغير مواقف وتبدل قناعات السيد المطلك، إن وقع فعلا، سيكون مكسبا للحريصين على مصير العراق. ولا اعتقد أن هناك ،كما أتصور، من يريد أن يكون ثمن تبدل المواقف والقناعات لأي شخص غاليا كما حدث للسيد المطلك.

هل يمكننا إذن أن نجزم بان المعاناة والألم هما اللذان جعلا السيد صالح المطلك يذكر الدماء والشهداء بهذا الحرص وهو مالم تحتفظ له به ذاكرة العراقيين من قبل مع إن ارض العراق تسيل فيها انهار الدماء يوميا، والشهداء صاروا مفردات الحياة اليومية للعراقيين؟.
أقول ربما!
لكن الأكيد إن النار التي أسهم السيد المطلك بإشعالها مرت نسمات لاهبة منها على بيته وجماعات القتل التي دعمها وسكت عن جرائمها غدرت به، ولا احد يريد أن يشمت، لكننا فقط نذكر بان ( من سل سيف البغي قتل به).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال