الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتلة مانعة او كتلة فاعلة

يعقوب بن افرات

2019 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تنبأ إستطلاعات الرأي الأخيرة بان تكون نتتيجة الانتخابات هي التعادل بين الكتلتين في الكنيست القادمة: 60 مقعد لكتلة اليمين برئاسة نتانياهو و60 مقعد لما يسمى كتلة المركز– يسار برئاسة غانتس- لبيد. الكتلة اليمينية تشمل اقصى اليمين الفاشي من أنصار كهانا، اليمين الجديد، المتدينين والليكود. اما الكتلة المضادة، وهي ليست متجانسة، فتشمل حزب ابيض ازرق (كتلة غانتس لبيد)، حزب العمل، ميرتس والقائمتين العربيتين. في الواقع فإن القراءة الصحيحة للأمور بما يتعلق بكتلة مركز- يسار يجب أن تفصل بين الأحزاب الصهيونية والتي تصل في الحد الأقصى الى 48 مقعد وبين الحزبين العربيين الذين سيحصلان في أحسن حال على 12 مقعد. هذا يعني إنه من الممكن أن يمنع الحزبان العربيان من نتانياهو تشكيل حكومة ولكن ليس في وسعهما المشاركة في الحكومة او حتى افساح المجال لتشكيل حكومة برئاسة الجنرال بيني غانتس.
فقد اعلن النائب احمد طيبي الذي عاد وتحالف مع الجبهة ما هو بديهي بالنسبة لأي ممثل عن الجمهور العربي، بانه يرفض المشاركة في أية حكومة مستقبلية وذلك لأنه من المستحيل عليه تحمل المسؤولية الجامعة لممارسات الاحتلال ومن اهمها القصف، الحصار والتجويع في غزة. واضح تماما لماذا لا يمكن للأحزاب العربية المشاركة في الحكومة الإسرائيلية طالما تستمر الدولة اليهودية بسياسة الاحتلال والطوق والحصار على الشعب الفلسطيني. لكن السؤال المطروح هو أليس هناك أي طريقة لتغيير موازين القوى؟ هل سيبقى ممثلو الجمهور العربي يراوحون مكانهم الى الأبد في الزاوية، بشكل يحول دون تأثير الناخبين العرب الذين يشكلون نسبة 20% من مجمل مواطني الدولة على السياسة؟ هل يجب ان يكون نشاط النواب العرب في الكنيست مختصرا على الفعل الاحتجاجي المظهري مثل تمزيق أوراق قانون القومية او إثارة الفوضى في قاعة الكنيست ليتم إبعادهم أمام الكاميرات مما يكسبهم العناوين البارزة في نشرات الاخبار والصحف والشبكات الاجتماعية؟
حسب رئيس قائمة الجبهة، أيمن عودة، الشريك لأحمد الطيبي في القائمة هناك دور مهم يمكن ان تلعبه القائمتين العربتين فيما يسمى "إسقاط اليمين الفاشي". فقد استضاف برنامج "قبل الأخبار" في القناة 13 الإسرائيلية يوم الإثنين 25/2 النائب أيمن عودة الذي جلس في الاستوديو واثقا، مزهوا بنفسه وابتسامته تكشف عن توقعاته بان يقوم الجنرال غانتس بالاتصال به بعد فرز أصوات الناخبين وعندها سيشترط عليه إلغاء قانون القومية بالإضافة للحصول على ضمانات بكل ما يتعلق بالعملية السلمية والمساواة للمواطنين العرب مقابل دعم قائمة الجبهة والطيبي له.
إلا إن هذا السيناريو لا يبشر بخير فإستراتيجية "إسقاط اليمين الفاشي" التي يتم استخدامها في كل دورة انتخابية (إسقاط الغول) جرّت على الشعب الفلسطيني الكوارث، وفي كل مرة تم فيها الاعتماد على العرب لتمرير خطة مصيرية مثل اتفاق اوسلو او الانسحاب الأحادي الجانب من غزة، كلف هذا الامر الفلسطينيون ثمنا باهظا وأدى الى انقسام فلسطيني وضياع أي أفق لإقامة الدولة الفلسطينية. أيمن عودة فخور في دعم الجبهة لرابين في سنوات التسعينيات ويأمل بتكرار التجربة "الناجحة" متجاهلا تماما كون اتفاق أوسلو الذي كان ثمرة هذه الفترة يعتبر المدخل لنظام الحكم الذاتي الفلسطيني والانقسام بين غزة والضفة الغربية الذي نعيش تداعياته منذ 25 عام. ناهيك عن ان اغتيال رابين عام 1995 تسبب بتراجع قوة حزب العمل ودفع بالمجتمع الإسرائيلي الى اليمين مما يستبعد عودة تجربة الكتلة المانعة.
بالإضافة زعيم الحزب الجديد الجنرال غانتس ليس رابين وحلفاءه الجنرالين موشيه يعالون وغابي اشكنازي إضافة الى يائير لبيد زعيم حزب "يش عتيد" وجميعهم يرفضون رفضا قاطعا الدولة الفلسطينية ويبتعدون كل البعد عن الائتلاف الذي تشكل بين حزب العمل وميرتس في انتخابات 1992.
من الصعب التكهن بما ستؤول اليه نتائج الانتخابات وكيف سيكون تأثير قرار المستشار القضائي للحكومة بتقديم لائحة إتهام ضد نتانياهو ولكن حتى ولو فاز حزب غانتس - لبيد بأغلبية الأصوات فمن المتوقع ان يتوجه الى الأحزاب الدينية وحتى لليكود نفسه لتشكيل حكومة ائتلافية تستثني بشكل تلقائي القائمتين العربيتين اللتان ستبقيان تطحنان الماء في البرلمان كما هو حالها حتى اليوم.
لا نريد الخوض فيما يسمى "زواج المتعة" بين الاحزاب نفسها والصراعات الداخلية على الكراسي، كون هذا الشيء ثانوي مقارنة بانعدام كل نفوذ سياسي على الساحة السياسية في إسرائيل. وفي هذا الواقع وإذ يفقد أغلبية جمهور الناخبين العرب الثقة في القوائم العربية وقياداتها حان الوقت لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تؤسس لنهج وبرنامج سياسي جديد.
بات من الضروري أن تتم إعادة النظر فيما قامت به الأحزاب العربية من رسم حدود الملعب السياسي وتقسيمه على أساس قومي. فوضع كل المواطنين العرب في قائمة واحدة مشتركة بغض النظر عن موقفهم السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي دفع بطبيعة الحال كافة المواطنين اليهود الى الشعور بأنه لا يمكن بناء حزب يجمع العرب واليهود معا. وكان ذلك هدية للأحزاب الصهيونية وخاصة لليمين العنصري. فإذا ما قارنا بين انتخابات عام 1992 واليوم نرى بانه في حينه كان لحزبي اليسار الصهيوني 56 مقعدا (44 لحزب العمل و-12 لميرتس) بينما اليوم الخيار هو بين أحزاب مختلفة ذات مواقف يمينية. فمن جهة يقف اليمين المتطرف برئاسة نتانياهو وهو يمين سيئ ولكن ممارساته وسياساته معروفة، بينما يقف من الجهة الاخرى يمين عسكري مواقفه ضبابية وغير متوقعة.
في العالم العربي وفي الساحة الفلسطينية نشهد في المقابل إفلاس نظري وسياسي للفكر القومي العربي، وما يحدث في العالم العربي من اليمن الى العراق، سوريا، ليبيا، السودان، الجزائر، مصر وحتى السلطة الفلسطينية يثبت بشكل قاطع فشل الدولة القومية في انشاء نظام مدني وديمقراطي وبناء اقتصاد عصري متطور يضمن للمواطن حياة كريمة. ما نراه في العراق وسوريا ولبنان واليمن هو تراجع الانتماء القومي وعلو الفكر الطائفي وفي الكثير من الحالات دخلت على الحركات القومية مزيجا من الافكار الفاشية كما هو الحال في امريكا تحت قيادة ترامب وأيضا في إيطاليا، المجر، بولندا ،النمسا وروسيا وانتهاءا بنتانياهو نفسه.
نحن بحاجة لأحزاب ديمقراطية تتبنى الجانب المدني وتفتح نفسها أمام المواطنين في البلاد – عرب ويهود على حد سواء بدل التقوقع في الموقف القومي الفاشل والرجعي. فما نراه لدى الأحزاب العربية هو في الواقع مزيج من الحزب الشيوعي الذي يدعم النظام السوري الدكتاتوري، والحركة الإسلامية المدعومة من اردوغان الذي فرض نظام فاسد ودكتاتوري على تركيا، وأحمد الطيبي الذي يؤيد سلطة ابو مازن الفاسدة والتجمع الوطني المدعوم من قطر. ان القومية استبدلت الديمقراطية وباسمها يتشبث الطغاة في الحكم وتجني الاحزاب العربية اصواتا لتتمسك بالكراسي دون ان تضطر لتقديم أي مكسب إيجابي لمن يدعمها. ان طرح برنامج ديمقراطي ليس محصورا على العرب بل يشمل كل مواطني الدولة يهود وعرب على حد سواء. فتفرض هذه المرحلة الملحة على الجميع العمل من اجل الحفاظ على البيئة، الانتقال الى الطاقة الشمسية، تخصيص الميزانيات اللازمة للجهاز الصحي، ثورة المواصلات، بناء شقق حكومية للإيجار، وتجهيز الجيل القادم للثورة الصناعية الرابعة، ثورة الانترنيت والعقل الاصطناعي من خلال تطوير المجال التعليمي، هذه ليست مهمات قومية بل ديمقراطية، اجتماعية، تشمل الجميع.
ان مجرد الاصطفاف على اساس قومي يلغي اي محاولة لطرح رؤية او برنامج مستقبلي، فمع كل ظهور لأي نائب عربي على الشاشة نراه يردد الشعارات القديمة والمملة التي تقادم عليها الزمن واولها حل الدولتين حتى بانعدام أي ظرف سياسي، اقتصادي، اقليمي ودولي يسمح بإنجاز مثل هذا الطرح. وقد اثبتت السنوات الماضية منذ انشاء السلطة الفلسطينية استحالة اقامة هذه الدولة.
والدولة الفلسطينية لم تقم ليس بسبب التعنت الاسرائيلي فقط انما بسبب عدم قدرة الفلسطينيين اقامة مثل هذه الدولة ايضا. ان ما تشكل في كل من الضفة الغربية وغزة هو سلطتين ليس فقط لا سلطة للقانون، التعددية والشفافية فيهما، بل ينخر فيها الفساد والاستبداد، مرة باسم الوطنية المزيفة ومرة باسم الدين. وقد أثبتت المظاهرات ضد قانون الضمان الاجتماعي عدم ثقة المواطن الفلسطيني في السلطة وفي إمكانية بناء دولة فلسطينية عصرية ودمقراطية.
ففي حين لا تزال الاحزاب العربية تفخر بمواقفها الوطنية وتتحدث كثيرا عن الوحدة الا ان واقع الحال يثبت ان ما أدت اليه تجربة الوحدة العربية هو زيادة قوة اليمين في الشارع الإسرائيلي وتكريس الاستيطان والاحتلال. في القرن ال21 لا مجال للحدود القومية، الجدران الفاصلة، الحروب التجارية، والفصل بين عرق وعرق وبين قوم وقوم. ان مستقبل الانسانية يستوجب التعاون بين بني البشر من اجل الحفاظ على المعمورة من الاحتباس الحراري وتطوير الاقتصاد الجديد لصالح الجميع.
ان الفجوات الاجتماعية والفقر والهجرة بين القارات تقود الى انهيار النظام الديمقراطي. وسيقود استمرار الاحتلال في إسرائيل لا محالة الى نظام الابرتهايد والى ظواهر فاشية مثل قانون القومية الذي يهدف بالأساس الى تضييق الخناق على المحكمة العليا وتحويل إسرائيل الى دولة قومية متطرفة. ان البديل للقومية المتطرفة، عربية كانت او يهودية، هو الدولة الديمقراطية الواحدة التي ستمنح لكل مواطن حقه دون تمييز لانتمائه القومي او الديني. لسنا بحاجة لكتلة مانعة بل نريد كتلة فاعلة تجمع بين كل الديمقراطيين الرافضين للواقع الحالي ويسعون لإنشاء نظام ديمقراطي لصالح الاسرائيليين والفلسطينيين ضمن اقتصاد واحد، مصير واحد ودولة ديمقراطية واحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24