الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة السياسية بين الشعب والدين

ريم شطيح

2019 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بينما تصدح الكثير من المنابر بأصوات رجال الدين وهم يهيّجون الشعب على التفرقة والطائفية ويحضّونهم على الكراهية؛ تقف الأنظمة السياسية من هذه الممارسات الواضحة موقفَ الحيادي تماماً وكأنها لا ترى ولا تعرف، وتغضّ النظر عن كل هذا التجييش العنصري والطائفي والدفع نحو القتل والتمييز العنصري طالما أنّ هذه الأصوات لا تهيّج الشعب "عليها" وعلى ممارسات السلطة وما يحدث في السجون والاعتقالات العشوائية والتجاوزات من الشرطة والأمن وأجهزة المخابرات.

فكما أنّ على الكاتب الذي يكتب في النقد السياسي أن ينطلق في كتاباته من موقع نقدي للواقع الإجتماعي الذي يعيش فيه وإلاّ لن يكون كاتباً حقيقياً؛ أيضاً عليه عند نقد السلطة الدينية أن يوجّه السهم لمركز القوة وهو السلطة السياسية.
الكاتب الذي ينتقد ممارسات رجال الدين فقط من دون انتقاد السلطة السياسية "الحامية لهم" بمعرفة وقرار منها؛ ليس فقط لا يُقدّم شيئاً على الصعيد الفكري أو الثقافي أو الإنساني، بل يبدو متواطئاً مع الجهاز الحاكم تماماً كمثقف السلطة الذي يجتهد بكتابة تقارير وبيانات في حق المواطنين ويمتدح الحاكم بألف قصيدة ومقال.

السلطة السياسية في أي بلد هي المصدر التشريعي الأول كقوة، وليست قاصرة على تحجيم السلطة الدينية متى أرادَتْ بل متواطئة معها، وحين يكون التغيير لصالحها تقوم به ولو بالقوة، ولنا في السعودية وغيرها مثال حين أرادوا التغيير، وكيف توجَّه الإعلام للترويج لخدمة هذا التغيير بإظهار ذات الأسماء والشخصيات الدينية التي كانت تدعو بتحريم سلوك ما، هم نفسهم يفتون أن لا يوجد مانع شرعي له.

القوة ما تزال في أيدي السلطة السياسية في معظم البلدان العربية، ولو أرادَتْ لأنهَتْ هذه الأصوليات عن بكرة أبيها، ولأوقفَتْها على الأقل من بث السم الطائفي في الخطَب وعبر المحطات التلفزيونية، لكنها تتركها غولاً سيأتيك في حلمك وفي مقالات المنتفِعين وفي نقاش المثقفين المُدَّعين وحتى في أحاديث النساء لو فكّرتَ يوماً أن تسأل عن البديل، وقد حُفِر هذا في عقلك الباطن وفي العقل الجمعي العربي ككل.

لضمان بقائها في السلطة؛ تحمي الحكومات العربية هذه الأصوليات التي تُرهِب حياتك، تارةً بإسم الله وتارةً بإسم الوطن وتارةً بإسم الحفاظ على الوطن وعلى أمنك وسلامتك، وتدعم الأحزاب والتيارات العنصرية، بينما تحاصر وتهمّش الأحزاب والمشاريع الوطنية الإنسانية، بل وتحارب كل صوت حر باتهامه بالخيانة وهو حال الديكتاتوريات عبر التاريخ، وتُنصّب وتعوّم التافهين والمتسلّقين زعماءً على المواطنين في كل منطقة وقرية ومدينة، ليكون التصنيف بين وطني يعمل لصالح السلطة وخائن يعترض ويدعو للتغيير، حتى في العقل الجمعي الشعبي تكون المقاربات على هذا النحو في أي سلوك مختلف يرونه وهو ما تمّ ترسيخه من قِبَل الأنظمة ورجال الدين مَن يقرّرون ويعطون ليس فقط صك الغفران بل صك الوطنية والشرف والحياة.

تستطيع الحكومات العربية (لو أرادَتْ) أقلّها فصل الدين وتدخله عن الدستور والقوانين والتعليم وغيره، تستطيع إنهاء هذه المهازل والرعب، تستطيع التغيير وفرض المواطنة التي ننشدها والعلمانية والقوانين المدنية و و و .. ولكنها لا تريد، ولهذا سيبقى الصراع قائماً في بلداننا وفتيل الحرب جاهز في أي لحظة للاشتعال والفوضى.
هذه حقيقة على الجميع إدراكها ومن ثمّ الإنطلاق منها اتجاه طرح التغيير والمشاريع الفكرية التنويرية ليكون الصوت موجَّهاً للحكومات والسطات السياسية أولاً لترسيخ ثقافة المواطَنة والمساواة والعلمانية ومسؤوليتها عن فصل كل ما هو ديني عن السياسة والقوانين والدساتير والمؤسسات والتعليم.
ريم شطيح - كاتبة وباحثة سورية، أستاذة جامعية لعلم النفس/أميركا
-----------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد