الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثنائيات الضدية في ألف صباح وصباح لحامد فاضل

عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب

(Amer Mousa Alsheik)

2019 / 3 / 13
الادب والفن


يمثل مفهوم الثنائيات الضدية في جوهره كما صاغه ( فرديناند دي سوسير ) " الرؤية الثنائية المزدوجة للظواهر ، وإدراج هذه الظواهر في سلسلة من المقابلات الثنائية , للكشف عن علاقتها التي تحدد طبيعتها وتكونها ، فهي تخلق التوازن والتآلف بين الصفات المتضادة أو المتضاربة ، فهي توفق بين المؤتلف والمختلف والعام والمحسوس والفكرة والصورة والفرد والنموذج ، وهذا التقابل الضدي هو ما يمثل جوهر المعرفة الانسانية وبدونه تبدو لنا غير منسجمة" . ( علي عبد الامام ، الثنائيات الضدية في شعر أبي العلاء المعري ص 41 و 42 ).
ونحن إذ ندرس إحدى تجارب الكاتب العراقي حامد فاضل " ألف صباح وصباح متوالية حكائية " دار الجواهري بغداد (2018 ) ننطلق من مظهر من مظاهر العمل ، وهو تمثل الثنائيات الضدية ضمن عوالمه النصية.
وفي الحديث عن أعمال الكاتب والروائي حامد فاضل : نجد أن المكان دائما ما يأخذ البطولة ،وتكاد تكون بطولة مطلقة وموازية لأبطال أعماله القصصية الصادرة : " حكايات بيدبا " بغداد 1994 ، " ما ترويه الشمس ما يرويه القمر " بغداد 2004 ، " المفعاة " دمشق 2006 ، " مرائي الصحراء المسفوحة " دمشق 2010 ، وروايته " بلدة في علبة " بغداد 2015 .
ويمثل المكان ، الهوية التي تميز هذه الأعمال بتعدد زوايا التناول ، فالمكان عند حامد تأطر بصورتين مكنته من الإنطلاق في رسم صور هذه الامكنة ، فتارة نجده مكانا صحراويا وأخرى مدنيا ، كما ويمكن للمتلقي معرفة نوع المكان داخل العمل ، من خلال العتبات النصية التي تتقدم الأعمال ، ففي رواية " بلدة في علبة " مثلا كانت صورة المكان تمثل المدينة ، وذلك من خلال دلالة لفظ ( بلدة ) ، وفي عمله " مرائي الصحراء المسفوحة " نعرف أن المكان هنا صحراويا من خلال دلالة لفظ ( صحراء ) ... إلخ .
ثمة ميزة أخرى ميزت هذه الأعمال هي : أن فاضل لم يغادر مدينته الأم السماوة داخل النصوص ، حتى أخذت هذه المدينة دور البطولة والمرتكز للإنطلاق ، وهي بدورها منحته تعدد الصور وزوايا التقاط الموضوعات ، هذا التعدد الذي نزعم ، جاء بسبب الطبيعة الجغرافية للمدينة وهي أيضا قائمة على ثنائية ضدية ، لأن السماوة (المدينة ) تمثل الخيط الفاصل بين مدن وسط العراق وصحرائه الجنوبية ، وهي بوصفها مدينة بحدود إدارية تمثل العتبة الأولى لدخول بادية العراق الجنوبية ، وهذا ما جعلها بأن تكون موصوفة بذات اليدين : يد للماء ويد للصحراء ، وهذا التنوع الجغرافي وجد طريقه إلى هذه النصوص وأدامها بغزارة التعدد الموضوعي، الأمر الي منح أدب هذا الكاتب هوية الكتابة المكانية بالأنماط المختلفة .
في عمله الجديد " ألف صباح وصباح متوالية حكائية " يقف حامد فاضل على هذه الحافة الفاصلة بين المدينة والصحراء ويقوم بزج هذه الثنائيات الضدية في عمله عبر تقابل معنوي فتارة نجده كلي وتارات أخرى جزئي صغير...
يقوم عمل ألف صباح وصباح ، على فعل الحكي المستمر ضمن إطار الضدية ، فالعنوان يحمل ضدية واضحة ، فــ" ألف صباح وصباح " يتقابل مع "ألف ليلة ولية" وبهذا نكون قد وقفنا على أولّ ضدية داخل العمل ، وهي الظرفية الزمنية ، بعد الضدية الجغرافية التي تقدمت .
وحين الدخول في عوالم العمل ، نجد أن الإهداء أيضا يحمل ضدية ضمنية خفية ، فمن بين الصفحتين التي تلي الغلاف والمقدمة ، نجد إهداءً مشحونا بالغرابة والإدهاش قام على حرف جر وإشارة واسم " إلى ذلك الذئب " هذا الاهداء يقوم على ضديتين الأولى : أن الذئب أخذ صورة الهرب لأنه بعيد ( هناك ) ، وهذا ما أشار له الإهداء ، ويمكن أيضا تقدير أنّ الذئب (هنا) ، ونهدي ونقول : إلى هذا الذئب أو إلى الذئب ، لكن طبيعة الذئب الغادرة جعلته بعيدا ، فهو لا يقترب من أماكن الضوء والتجمعات البشرية ، ولأن الاهداء حمل الاشارة فهذا يعني أنه قائم بين طرفين وهذا ما منحه ثنائية ضدية واضحة بين ( الهرب هناك ، والغدر هنا ).
بالانتقال إلى قصص ألف صباح وصباح ومخافيها ، نجد أن العمل قد تقسم إلى حكايات ، وكل حكاية أخذت فصلا وعنوانا مستقلا ، بخيط رابط واحد بين الحكايات، وهو ما كوّن الإطار العام للعمل ، ليحقق وحدة كلية متكاملة مع العنوان الفرعي للعمل " متوالية حكائية " .
حين الانطلاق مع الراوي العليم ( الرجل ) والذي بدى فاهما عارفا ، نجد أن كلامه جاء عن طريق حوار مع ( امرأة ) ليكشف النص الأول عن هوية هذه المرأة ويصرح بأسمها ويقدمها لنا بأنها (شهرزاد ) بطلة حكايات ألف ليلة ولية ، إلا أنها هذه المرة أتت صامتة ، لتقف أمام حكايات الرجل الصحراوي البدوي الذي قلب المعادلة وانطلق راويا حكاياته في الصباح ، لتكتمل الضدية الظرفية الزمنية بين الليل والصباح :- " لقد جاء دوري ، فهلا تخلين لي زمام الحكايات ، هلا سكت وأعطيتني فرصة للحكي . وستسمعين ما لم يحك من قبل للخلفاء ، أو الملوك ، أو المدمنين الأرق ، وقد تسألين : من أنت يا من أتيت تنفخ في الصور لتوقظني من سبات طويل؟ فأجيب : أنا غير ذاك الذي ظللت لألف ليلة وليلة تقصين عليه أجمل القصص ، وتخشين أن يصله بريد الملل ، فلا قصر عندي ، ولا فوق رأسي تاج ، ولا بيدي صولجان ، ولا جند تحمي ثغور قلاعي ، ولا يسرع بين يدي الخدم " ( حامد فاضل ، ص 11 و 12 ) .
ثمة شكل آخر من أشكال الضديات ، وهي ضدية الهوية ، فشهرزاد تربت في المدن وداخل القصور ولم تعتد على حياة الصحراء ، إلا أن البدوي أخذها إلى هذه الصحراء وتجول معها عبر ما يرويه لها من حكايات غريبة عن مجاهيل هذه الصحراء ، وهذا ما يمثل ضدية أخرى بين الصحراء والمدينة وبين السيدة المدنية والرجل الصحراوي ، وأيضا أراد فاضل القول بأن ( شهرزاد ) التي لم تمت ، قد تحولت في الزمن الحاضر إلى مستعمة ، وأنها صاحبة السلطة الآن ، فبعدما كانت تمارس فعل الحكي من أجل الحفاظ على حياتها ، صار الرجل هو الحكاء الذي يداري نفسه ويحاول إقناع المرأة ، السيدة والأنثى ، وبطيعية الحال ، يكشف النص هنا إنتصارا كبيرة للمرأة التي كانت تعيش تحت تهديد القتل العمدي في حال لو أنها لم تسعد شهريار الملك !!
وأثناء الانتقال إلى الجزيئيات الفرعية داخل عوالم الحكايات نجد أن فكرة الثنائيات قد أخذت أشكالا مختلفة ، فنجد الانسان والحيوان ، الماء والصحراء ، جفاف و بئر ، قصر و بيت شعر ، وهكذا إلى نهاية القصص الحبلى بهذه الضديات المتوالية . ثمة شيء آخر يمكن ملاحظته ضمن اطار الثنائيات ، هو أن الحكي المسرود لشهرزاد ، ينتقل إلى أبطال ثانويين داخل القصص ، فنجد أن حكايات العمل مشطورة إلى نصفين ، فالأول هو ما يرويه الراوي من قصص إلى شهرزاد ، والثاني ما يرويه ابطال القصص عن أنفسهم ، وهذا أيضا يمثل ثنائية ضدية أخرى ، يمكن لنا أن نسميها ( الثنائية الضدية النسقية ) .
إنّ عمل ألف وصباح وصباح ، يمثل صورة مغايرة من صور السرد العراقي ، وهذا ما أكده الناقد فاضل ثامر في تقديمه للعمل ، فالعمل يتأرجح بين الراوية والقصص الصغيرة ، إلا أن حامد منحها صفتها الثانية ووصفها بالمتوالية ، وبهذا يكون هذا العمل ولادا لنفسه ومنميا لأحداثه وتشكلها ، نهايك عن تميز هذا العمل على مستوى البناء اللغوي المتماسك والقائم على شعرنة السرد وفتح فضاءات التخيل لدى المتلقي ، كما يمكن رصد العمل نقديا من زوايا مختلفة ، وذلك لغزارته اللغوية وأنساقه التي ضمرها النص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي