الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الأعداء، السياسة في نسختها المكيافيلية

محمد فاضل رضوان

2006 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


من المؤكد أن مقولة اتفق العرب على أن لا يتفقوا لم تعد بالقوة التي تحتمل التمرير على راهنا العربي الحديث، و إلا فكيف نجد تفسيرا لحدث من قبيل كشف الأجهزة الأمنية لدى الإخوة في الأردن و في مصر في توقيت واحد أقرب ما يكون إلى ظاهرة "التليباثي" عن تنظيم إرهابي في كل بلد على حدة، غايته تدمير البلاد و العباد إلا باعتبار حالة الأشقاء العرب هذه الأيام أقرب ما تكون إلى الاتفاق على معالجة ورطات السياسة بالآليات و العقليات ذاتها. أما المقولة المذكورة فما أبأسها و ما أضعف تأثيرها أمام هذا التناسق البديع من القاهرة إلى عمان بل و من عدن إلى تطوان لمن لازال يذكر أن بلاد العرب أوطاني...و حتى لا أترك صلب الحديث و أغرق في ذكريات أجيال النكسات المتتالية، فقد طالعتنا الأخبار الواردة من أرض الكنانة بتوقيف تنظيم إسلامي متشدد كان يستهدف التخطيط لشن عمليات إرهابية ضد أهداف سياحية وخط أنابيب الغاز الطبيعي الكائن بالطريق الدائري المحيط بالقاهرة الكبري واستهداف بعض المواقع ذات الحساسية من خلال عمليات التفخيخ واستهداف بعض رجال الدين من المسلمين والمسيحيين... التنظيم الذي يتزعمه حسب ما أفاد به بيان وزارة الداخلية المصرية شخصا يدعي احمد محمد علي جبر الملقب بـ أبو مصعب !!! عثر بين محجوزاته على أوراق وكتيبات عن كيفية صناعة المواد المتفجرة من مواد اولية... أما في الأردن فقد نقل ناطق باسم الحكومة قوله أن أجهزة الأمن رصدت عدة محاولات من قبل عناصر من حركة حماس لإدخال أسلحة مختلفة وتخزينها علي الساحة الأردنية..بل إنه قد تم بالفعل ضبط هذه الأسلحة مؤخرا وهي في غاية الخطورة حيث شملت صواريخ ومتفجرات وأسلحة رشاشة... تزامن الاكتشافين الأمنيين المذهلين و ارتباط كل واحد منهما بحيثيات معروفة للداني و القاصي تعيد طرح السؤال حول مدى جدية أغلب التهديدات الأمنية التي تروج لها وسائل الإعلام العربية و الغربية ما دامت توظف في الكثير من الأحيان لخدمة ما هو قائم. و إذا تفحصنا الخيط الرابط بين الفتحين الأمنين في البلدين، فمن الأكيد أننا لن نكون ببعيدين عن أسطورة الحرب على الإرهاب التي أضحت مسوغا معقولا في عالم ما بعد 11 شتنبر قد يبرر احتلال الدول و تدميرها، كما يبرر كل أشكال التسلط و العبث بكرامة المواطن تحت يافطة قوانين الطوارئ في صورتها الفجة أو في صورتها المعدلة شكليا من خلال نسخة قوانين مكافحة الإرهاب كما هو الشأن في أغلب الأقطار العربية، في هذه الأجواء تنزل الآلة الإعلامية بثقلها في مسيرة صنع الأعداء الذين يستهدفون كل شيء و أي شيء فيتطلب هزمهم فعل كل شيء و أي شيء، لقد احتلت الإدارة الأمريكية أفغانستان بنفس الذريعة و حين تبخرت أسطورة أسلحة الدمار الشامل الصدامية بالعراق كانت ذريعة الحرب على الإرهاب جاهزة، و على امتداد أيام الأمريكان السوداء بكابل و بغداد و ما جاورهما كانت الصناعة الإعلامية لوجوه الشر الذين يخدشون وجه العالم المتحضر تشتغل على كل الواجهات ليبقى العدو المفترض ببقاء الحرب و إلا فماذا يفعل الأمريكان هنا و هناك؟ فكان الزرقاوي يظهر و يختفي، و يحيا و يموت وفق للظروف الميدانية للحرب. و حين كان جنود الأمريكان يتجولون في دروب عاصمة الرشيد كان بن لادن يتجول في أدغال أفغانستان على شاشات تلفزات العالم بينما كان الظواهري يهدد و يتوعد, أما مقاتلو القاعدة فقد كانوا يسقطون في أيدي المارينز الأمريكي إعلاميا فتتقرر صفاتهم القيادية في مملكة الشر وفقا للظروف أيضا.
لقد سنت أمريكا قاعدة العدو المفترض ليصبح كل شيء مبررا فالعنصرية الغربية تجاه المهاجرين المشارقة ليست بأكثر من صرخة غربية في وجه التطرف الإسلامي الذي يهدد الحضارة في عقر دارها، و صور أبي حمزة المصري و أبي قتادة الفلسطيني يؤمان الصلاة بالملتحين الغاضبين في شوارع لندن كفيلة بإكمال المشهد. و احتلال البلدان حرب استباقية ضد التطرف و الإرهاب، في هذا المناخ يبدو أن الحكام العرب كانوا يعرفون جيدا كيف تورد الإبل فالتسلط و الاستبداد و التنكيل بالمعارضين الذي كان يشكل عنصر و ضغط دائم من قبل التنظيمات الحقوقية و حتى الحكومات الغربية قد أضحى مبررا و متفهما إذ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فكان أن تناسلت قوانين مكافحة الإرهاب و تكرست قوانين الطوارئ، في المغرب أعادت أحداث 16 ماي أجواء حقوق الإنسان إلى ما يسمى في الأدبيات الحقوقية بسنوات الرصاص فعاد زوار الفجر و عادت معهم المداهمات و الاختطافات و الاعتقالات القسرية خارج سلطة القانون...كما سن قانون مكافحة الإرهاب بمباركة كل الأطراف حسب منطق من ليس معنا فهو ضدنا وفقا لفلسفة جورج بوش، و بحسب الظروف أيضا ظهرت الخلايا النائمة و المستيقظة و ما بينهما...وحدها السياسة في نسختها الميكيافيلية تصلح إطارا لما حدث و يحدث فالذريعة جاهزة باستمرار، تكفي بضع وجوه ملتحية غاضبة و بضع أسلحة و متفجرات لصناعة سلطان الخوف الذي يفي بالغرض، في مصر شكك العديد من الخبراء في صحة التنظيم الذي قدمت صورته في أقرب ما يكون إلى المشهد العراقي فأبو مصعب الأردني هناك و أبو مصعب المصري هنا و الحرب تتهدد الجميع و قوانين الطوارئ تفي بالغرض، أما النظام المصري فهو في أمس الحاجة إلى ما يبرر تمديد القانون سيئ الذكر وسط المعارضة الشعبية الهائلة و الإحراج اللامتناهي الذي أضحى يسببه، و لا مبرر لاستمراره إلا بتبيان الحاجة إليه، كما أنه في أمس الحاجة إلى ما يضمن السيطرة على الأمور فيما إذا جد جديد في ما يخص كرسي الرئاسة قد لا يترك حيزا ملائما حتى لاستبدال الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب. أما في الأردن فقد حمل الفتح الأمني توظيفا مختلفا ذو ارتباط بالمتغيرات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية عقب اكتساح حماس للمشهد السياسي الفلسطيني من خلال الانتخابات الأخيرة التي عدت سابقة عربية، ولأن الديمقراطية في عالم الحرب على الإرهاب لا تحتمل أكثر من وجه واحد، و ما عدا ذلك فلتقاطع حكومة حماس و ليعاقب الشعب الفلسطيني بالحصار و التجويع لأنه اختار ألا يختار الوجه المناسب لإرادة العم سام و إسرائيل، و لتبحث عمان عن ذريعة مناسبة لتفادي استقبال وزير الخارجية و القيادي الحماسي محمود الزهار سيرا مع التيار و خضوعا للضغوطات الأمريكية القوية الرامية لعزل الحكومة الفتية و إسقاطها . فهل هناك غير الحجة القديمة التي لن يكون لها معنى إلا بتوريط حماس إسميا في الصورة؟ هكذا لم تكن الأسلحة المزعومة و المحسوبة على حماس عابرة للاردن فحسب بل كانت تعد لتنفيذ عمليات داخل الأردن... !!! فكيف تستقبل عمان قياديا بتنظيم يسعى لتهديد أمنها؟ حماس أكدت من خلال قيادييها و الناطقين باسمها زيف الادعاء الأمني الأردني و أطراف أردنية و عربية كثيرة شككت في الرواية من أصلها، أما توقيتها و حيثياتها فقد بدت للمختصين اقرب إلى أسلوب الهواة المكشوف الذي جعل العديد من هؤلاء يقرون أن إعلان الأردن رفضه استقبال الزهار بشكل مباشر كان أكثر حفظا لماء الوجه من الاستعانة بسيناريوهات الحرب على الإرهاب التي تتلون و تتغير حسب الظروف.
في أفلام طوم كروز المستحيلة تصنع الشركات العملاقة الدواء ثم تصنع المرض بيولوجيا في مختبراتها لضمان مبرر لوجود الدواء و مسوغ لتسويقه، و في منتصف القرن العشرين كانت وسائل الإعلام تتناقل أخبار الصحون الطائرة التي تنزل من السماء لتسمح للبنتاغون بميزانية دفاع تكفي لصد هجوم الأشرار على الارض، و في واقع السياسة الأمريكية في عهد أكثر الإدارات تطرفا يهدد الظواهري و يتوعد الزرقاوي و تحتل الوجوه العابسة أغلفة المجلات أكثر من عارضات الأزياء لتسويق الخطر المفترض الذي يسمح للامريكان بالبلطجة على حساب المستضعفين في الأرض، أما في واقعنا العربي البئيس فهو الإطار نفسه مع بعض التعديل الذي يتوافق مع الاستبداد العربي الذي لن يجد له استمرارا إلا من خلال الأنظمة المحنطة التي تحميها قوانين الطوارئ و لنا في المواقف العربية المتناسقة على هذا المستوى أبلغ الدلالات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية