الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.

زيدان الدين محمد

2019 / 3 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


"أرغب بالإحتجاج على السُّلطة ، على مَن يصنع مِن الإنسان آلة،مَن يستعبد المنطق دون عَقل ، على كُل مَن أذن أن يختم اليوم بِخراب وموت،أرغب بحرق كل مَن يغمس الماضي بالحاضر ، فيلبس الثاني ثوب الأول..".
-ندئ عادل.



خلال عشرون دقيقة نفذّها المُجرم في استباحة دم أبرياء في كرايست تشيرش ،كانت كافية لإلتقاط صورة مُخيبة أُخرى للإنسانية.


اليوم في حادثة نيوزلندا في كرايست تشيرش ،تمامًا في مسجد النور، برزت لنا صورة جديدة من "التطرف و الإرهاب" ، حيث أنهُ كما تمّ وضع الجريمة التي ارتكبها شابًا في نهاية العشرينيات من عُمره، في حق أناس مصليين أبرياء في مسجد الرجال و مسجد النساء، تحت أيقونة الإرهاب و التطرف ،و الكثير مِن المُنفعلين حول هذه الجريمة و إدانتها، لا يفرقون ما بين مصطلح التطرف و الإرهاب ،و هذا ما يسبب جرثومة فهم العلاقة ما بينهما والتي تجرّ لإلتباس ينتج عنه عواقب وخيمة.

إن التطرف كما هو معروف، يكون مُرتبطًا بما هو فِكري بالأساس، وهو دائمًا في دائرة الفِكر لذا هو ليس جريمة،لكن عندما يتحول الفِكر المُتطرف إلى تلك الأنماط العنيفة مِن السلوك مِن إعتداءات على الحُريات أو المُمتلكات أو مُعتقدات الآخرين أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والفرد و الدولة فهو عندئذ يُصبح إرهابًا .
و مِن هُنا علينا بطرح سُؤال مُهمّ يقودنا للتفكير بالإصلاح و مُحاولة منع هذه الحوادث التي تسفك القِيم الإنسانية والبشرية في المقام الأول:
هل يعدّ التَّطرف مُقدمة حتمية لِلإرهاب؟
إذن مِن الإجابة على هذا السُّؤال يتّضخ لنا بجلاء أن التطرف قد يكون سببًا رئيسيًا للإرهاب، و ليس الإرهاب نفسه.
مِن هُنا إننا ندعوا المُؤسسات الدينية و الدولية بإصلاح الخطابات، و حجر خطابات الكراهية التي من شأنها أن تُربي في النفوس أيديولوجيا التطرف بأي شكل من الأشكال ، حيث أنهُ غالبًا في دراسة حالة مرتكب الجريمة الإرهابية ،نجده قد شُحن بفكر مُعين و عواطف و أحقاد خاصة-وقد يكون عفا عليها الزمان- حيث أنه عندما يُقدِم على تنفيذ الهجوم يشعر أنهُ يؤدي خدمة مُخلصة للسلطة التي ينتمي لها أو الفِكر الذي يعتنقه أو للإيديولوجيا التي يُؤمن بها.

و مُرتكب جريمة نيوزلندا كما وضّح الإعلام، أن من أحد أسباب ارتكاب فعلته الإبادية العنيفة أنهُ صرّح مُسبقًا بأن هُؤلاء الجماعات المُهاجرة تستحق الإبادة و خطيرة على المُجتمع ، و هُنا نستذكر ما قاله البروفيسور رالف روزنتال في «المجلة الأمريكية لعلم الإجتماع» :
"لكي تنجح الإبادة يجب أن تتوفّر لها أربعة عناصر، أولًا أن يكون منفذو الإبادة على اقتناع تام بصحة عملهم، و بأنهم يتصفون بالإمتياز العنصري و الإنساني من غيرهم.
ثانيًا: أن يكون أمام المنفذين مجموعة تستحق الإبادة (من وجهة نظرهم).
ثالثًا: أن تتوفر الأسلحة القادرة على التنفيذ بالسُرعة المطلوبة.
رابعًا: أن تتم العملية وسط جو سياسي ومعنوي خاص لا يكترث لعملية الإبادة، و إنما يقابل هذه العملية بالتفرج عليها".
إذن هل اقتربنا من فهم سبب تفعيل آلية العُنف؟.
و لابد أن نُشير لنقطة مُهمة وهي أن حادثة نيوزلندا ،لها تأثير على بعض المسلمين الذين لا يفرقون عن المُجرم، من حيث أن الحادثة أثارتْ فيهم ردة فعل إنتقامية، و المنابر بعضها لن تُقصّر في تحريض المسلمين على كنّ الأحقاد للمجتمع الغربي ،حيث من شأن هذا الأمر أن يزيد من معاناتنا من توالد الإرهاب اللامتناهي مابين أطراف مشوهة ،تعتنق ثقافة إراقة دماء الأبرياء انتقامًا من هجمات الطرف الآخر على دماء أبرياء آخرين.
فالإرهاب ليس قضية نعت على مُسلم أو مسيحي أو يهودي، بل أن الإرهاب له أيديولوجيا خاصَّة تتواجد في كُل مُتطرف مهما كان دينه و معتقده ،و علينا بمحاربة هذه الأيديولوجيا بالإصلاح الخطابي في معتقدات الأفراد .

على أنهُ يجب أن تكون هذه الحادثة تثير في نفوسنا البحث عن أسباب ما يحدث، و استيعاب أن دماء الإنسان قيمتها لا تخضع لأي دين و أيديولوجيا ،بل تخضع لكونها فعل مستنكر مهما كان ، و هُنا يقول جان جاك روسو "عناصر الشقاء المشتركة بيننا هي التي تدفع قلوبنا الى الإنسانية. فما كنا لنحس أننا مدينون للإنسانية بشيء لو لم نكن بشراً" ،لذا هذه الحادثة المؤلمة يجب أن تجمعنا للنهوض بإنسانيتنا و رفض سفك دماء الإنسان لأسباب اعتقادية و دينية.
ولا شك أن التطور الحضاري الثقافي والوعي الحسي تؤثر فيها لتروض العُنف، لأن الشعور كثيرًا ما يضيق على هذه النزعة أو يوسعها، و هذا ما نطالب به أوساطنا و مُؤسساتنا أن تحث على نشر الوعي و تنبيذ خطابات الكراهية و التطرف ،لا إشعال العواطف بحيث ينخلق التطرف في نفس الضحية فينتج عنه ردة فعل أشنع من تلك التي اُرتكبت.

مِن الخيبات التي حَدثت في هذا الحادث و الذي شدني تمامًا، هو أنهُ في أحد القنوات التي تبث الحادث ،يقول فيها أحد الناجين من الحادث:
"كل ما فعلته هو الانتظار والصلاة، لقد رجوت الله أن تنفد الذخيرة مع المسلح".
و لنُلاحظ هُنا، أن الناس مصابة جدًا بالخيبة الإنسانية، فهُم يرون نجاتهم بنفاد الذخائر، لا تدخّل الضمير الذي من شأنه أن يكبح غريزة العُنف القتالية وهذا يستقيم تمامًا مع اقتران تطور الأسلحة و غياب كوابح القتل ، حيث أن القاتل مع تطور الأسلحة ماعادت تُثار فيه الكوابح ضد القتل ، و يفسر لورانزو المسألة في كتابه "العنف" قائلًا:
"المسافة التي بلغتها الأسلحة النارية قد أضحت كبيرة بما فيه الكفاية لتسمح للمصوب أن يبقى بمنأى عن المواقف المثيرة التي كانت، في حال وجوده فيها ، ستُنشِّط كوابحه ضد القتل. إن طبقات العاطفية العميقة في شخصنا لا تسجل بكل بساطة أن حركة الضغط على الزناد تُفجّر أحشاء إنسان آخر. و لَم يكت أي إنسان طبيعي ليذهب إلى صيد الأرانب مُستمتعًا لو وُجب عليه أن يقتل طرائده بأسنانه وأظافره، و أن يصل بذلك إلى درجة التَّحقيق العاطفي الكامل لِما يفعله في الواقع".


و في الختام علينا التوضيح مرة أُخرى أن خطر التطرف يتسع حين ينتقل من طور الفِكر والإعتقاد والتصور النظري إلى طور المُمارسة والتطرف السلوكي، و الذي يُعبر عن نفسه بأشكالٍ مادية من أعمال قتل وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف.
وعادة ما يكون التطرف السلوكي والمادي نتيجة و إنعكاسًا للتشبع بتطرف سابق في الفِكر والقناعات والإعتقاد كما أوضحنا سابقًا.
لِذا من الضروري أن يتزامن مع هذا التحرك الواسع لهذه الجرائم الإرهابية، إطلاق حملات إعلامية شاملة وحزمة مُتكاملة ومترابطة من البرامج والأنشطة والحملات والفعاليات الإعلامية والثقافية التي تتفاعل مع المُجتمع وتحوله من متفرج إلى شريك وليتحمل المجتمع شطرًا من المسؤولية في الحرب على الإرهاب، من الضروري إشراك الأسرة والمرأة على وجه الخصوص باعتبارها ذات التأثير الأكبر في تشكيل وصياغة العقول الشابة، مثل تلك البرامج القائمة على أسس حديثة ومدروسة سوف تسهم إلى جانب ما تعكف دول المنطقة الآن عليه في مجال التعليم والأمن إضافة إلى الإجراءات العملية في مجتمعاتنا لتطوير البُنى الاقتصادية والسياسية التي من شأنها سوف تسرع فِي القضاء على الإرهاب وفكر التطرف وإجهاض مشروعه العدمي، وهو ما سيكون كفيلاً بعدم تكرار هذه الحوادث الإرهابية التي تلتقط يومًا بعد يوم صورًا كثيرة لخيبة الإنسانية و سقوطها.
على الإعلام أن يُركز تمامًا على تجنب إثارة ردات فعل معادية إنتقامية في نفوس المُسلمين جراء هذا الحادث، فنحنُ ضد الإرهاب بكُل أشكاله .
و على العاطفة الإنسانية أن تحشر نفسها في كُل شيء لِنُحارب معًا كُل ما يحاول الحط من وجودية الإنسان و قيمة الإنسانية.

نهاية، العزاء لأهل الضحايا في حادثة نيوزلندا المُؤسفة، مع أملنا أن نشارك جميعنا للعيش في غدٍ أفضل لا وجود فيه لملف الإرهاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار