الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة ووليمة لأعشاب البحر

عقيل حبش

2019 / 3 / 16
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الذاكرة ووليمة لأعشاب البحر

بعد أن انتهت الحرب العراقية الايرانية وتنفس الناس الصعداء انتابني شعور بعدم الارتياح لما تؤول إليه الأيام القادمة , فبعد أن بنيت داراً لعائلتي فكرت أن أزيد ساعات العمل لتكون اثنتا عشرة ساعة يومياً لأعوض ما فاتني من سنين الحرب وفي أحد الأيام ألقي القبض عليّ من قبل مفرزة تابعة لأمن الناصرية .. اقتادوني الى دائرة الأمن وكنت بملابس العمل . استدعيت بعد وصولي لمقابلة مدير الأمن ووجه لي سؤالاً عن مدى علاقتي بشخص اسمه حيدر حيدر . حينها طلبت من السيد المدير توضيحاً عن شخصية حيدر عن عمله وأين التقاني . وأخبرت المدير بأن ذاكرتي المعطوبة سببت لي الكثير من الاشكاليات , ولقد أتعبني النسيان وياحبذا أن يسعفني السيد المدير بمواجهتي مع هذا الشخص المدعو حيدر حيدر وكيف يكون اسمه مطابقاً لأسم أبيه ! هنا اخفى المدير ضحكته وقال لعريف الأمن ليخرج لسنا بحاجة إليه . خرجت من مديرية أمن الناصرية وأنا متعب من هذه الدعوة الغير متوقعة لمقابلة مدير الأمن .

وفي أحد الأيام واجهني الكاتب المعروف جاسم عاصي وبشكل سريع أخبرني بوجود رواية لكاتب سوري تحكي عن انتفاضة هور الغموكة . وسألني عن علاقتي بمهيار الباهلي والمعلم جواد و فلان وفلان وأخذ يعدد لي الأسماء ولم يخطر ببالي أي واحد منهم . وقلت له دعنا نلتقي ونكمل الحديث , فوعدني أن نلتقي غداً في مقهى الأدباء الواقعة في ساحة الحبوبي آنذاك . وفي اليوم التالي جهزت نفسي للقائه .. وعند وصولي المقهى أخبرني الأخ الكاتب المعروف محسن خريش ( محسن الخفاجي ) بأن الأخ جاسم عاصي قد سافر الى أهله في مدينة النجف لورود تلفون يطلبون منه القدوم الى هناك ..فماذا تريد منه ؟

حكيت للأخ محسن الحكاية مع مدير الأمن وما أخبرني به الأخ جاسم فأخبرني الأخ محسن أن هناك رواية موسومة بوليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر وبطلها مهيار الباهلي وبعض من المعلمين الهاربين من جور البعث وقد التقوا بالكاتب السوري في ( الجزائر) وتحديداً مدينة (عنابة) ووعد بأن يجلبها لي عند ذهابه الى بغداد .

وذات يوم وبينما أنا أتسوق في سوق الخضار التقاني الشاعر عبد العظيم فنجان وكان على عجل وأخبرني بوجود أوراق تخصني .. وقال لو لم ألتقك الآن لأرسلتها لك بيد الأصدقاء . وضعها الأخ عبد العظيم في سلة التسوق مع الخضار وتركني وذهب مسرعاً وهو يقول بأنه سوف يسافر بعد ساعة الى كركوك . تركت التسوق وكان همي معرفة ما موجود في هذه الأوراق .. وقد أخفيتها بشكل جيد عن أعين الفضوليين والرقباء ووصلت الدار وأخبرت والدتي , إن سأل أحد عني فإني غير موجود . بعد قراءتي للأوراق عرفت ان ما فيها , ما يخصني من رواية وليمة لأعشاب البحر . في اليوم الثاني التقيت محسن الخفاجي ودار حديث حول الرواية حيث عرفت الكثير من خباياها , ومن خلال معرفتي بشخوص الرواية عرفت أن مهيار الباهلي هو عبد الأمير عبد الواحد الركابي وهو أحد الخونة وقد ارتبط بمديرية الأمن عندما كان في الخارج وكان مسؤول تنظيم يساري إضافة الى تعاونه مع الهيئة التحقيقية بعد عملية هور الغموكة ونشرت مراسلاته مع وزير الداخلية ومدير الأمن العامة على صفحات التواصل الاجتماعي وكيف جند نفسه لخدمة حزب البعث بعد أن كان نداً له . وبعد ذلك بأيام التقيتبمحسن وأخبرني من أنه جلب لي الرواية ونلتقي غداً في مقهى الأدباء .

التقيت الأخ محسن وأضاف لي معلومات أخرى حول شخوص الرواية وكيف إن حيدر حيدر جعلني في دور لا يليق بي . دور هزيل متخاذل مهبول فخيرت نفسي بالرد عليه وإكمال ما عندي من مخطوطات لأني كتبت الكثير عن انتفاضة هور الغموكة وعن لسان رفاقي وبحضورهم أيام كنا في زنزانة الاعدام عام 1968 - 1969 واعتماد التقرير الشامل الذي أرسلته الى القيادة المركزية للحزب الشيوعي وإن التقرير هو الذي ساعدني من كتابة المذكرات وعدم ضياع شيء منها.

قرأت رواية وليمة لأعشاب البحر وشخصت موضع الخطأ وقد تم الاتفاق مع محسن بتصحيح ما كتبته عن انتفاضة الغموكة وأخفيتها عن الأنظار . أما النسخة الأصلية فأبقيتها للتداول وقد قراءت من قبل الكثيرين من الأصدقاء . وللأسف الشديد لم يوافق محسن الخفاجي بكتابة المذكرات .. وفي إحدى اللقاءات الأدبية وبحضور بعض الأدباء والكتّاب قال الأديب جاسم عاصي إنه لمن المؤسف أن يكتب كتّاب عرب عن إخوتنا وعن أحداث عشنا نحن قسماً منها , واستشهد برواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر مثلاً لذلك .. وإن أحد رواتها وأبطالها لازال يعيش بين ظهرا نينا . ولا أظن بأن عقيل حبش يمانع في الكتابة عنه وعن تاريخه الحافل بالأحداث . وقد وجه كلامه الى الكاتب محسن الخفاجي وقد اعتذر محسن لكونه كتب ولا زال يكتب للقادة العسكريين سيرتهم الذاتية فقال أحمد الباقري ( أبو أماني ) من أنه يوافق على الكتابة عن مذكرات عقيل عامة وعن هور الغموكةخاصة وبعد يوم من ذلك الاتفاق سلمته ثلاثة دفاتر من فئة ستين صفحة وفي خلال شهرين أتم الباقري كتابة المذكرات . وعندما قرأتها لم أجد تغييراً في بنائها ولا في أسلوبها , عدا التغيير في الأسماء .. فعقيل أسماه (عبد السلام) , ومظفر النواب أسماه (ظافر) ... وهكذا . فرفضت الكتاب وأعلنت رفضي واتفقت مع محسن خريش بأن يصحح لي المذكرات وتم الاتفاق مقابل عشرة آلاف دينار . وقد أتم محسن تصحيح المذكرات وأخفيتها عن الأنظار .

بعد رفضي لما كتبه أحمد الباقري التقيتالكاتب الأستاذ ماجد كاظم (أبو خلدون) وأخبرته بما حدث حول المذكرات وطلبت منه كتابتها , فلم يوافق بحجة إنه في صدد كتابة رواية على نسقها وخوفاً من خلط الأحداث إلا إنه سوف يجد لي من سيكتبها .

بعد أيام زارني (أبو خلدون) و وبمعيته شخص آخر عرّفني عليه . إنه الكاتب محمد الكاظم من ناحية البطحاء وهو يعمل الآن مذيعاً في القناة العالمية وسلمته الدفاتر الثلاثة كمسودات للمذكرات والتقينا أكثر من مرة للإجابة عن بعض الاستفسارات وبعد شهر تقريباً جاءني الأخ محمد الكاظم ومعه ما تمكن من كتابته وهي قصة لا تتجاوز عدد أوراقها أكثر من ثلاثين صفحة وقد رفضتها هي الأخرى وقد أخبرني الأخ الكاتب علي السباعي أن هناك لغط قد سمعت الكثير منه ومفاده أن مجلة الصدى الإماراتية تروم أن تجمع ملفاً عن رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر وأن ممثل المجلة في العراق وهو ضابط المخابرات وليد الزبيدي كونه مدير مكتبها في بغداد قد طلب من كتّاب وأدباء الناصرية الكتابة عن أحداث هور الغموكة وقد دار الحديث عنك ومن المحتمل أن يتصل بك مدير مكتبها.

بعد ثلاثة أيام التقاني محسن الخفاجي وطرح عليَّ موضوع مجلة الصدى وأخبرني بأنه قد سلمهم رقم هاتف البيت وسوف يتصلون بك اليوم .

تم الاتصال وكان المتحدث أحد الصحفيين التابعين للمكتب وهو الاعلامي كاظم غيلان وقال لي إن رغبة المجلة جمع شهادات وكتابات عن أحداث الهور والوارد ذكرها في رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر وقالوا بأنك أحد المشاركين بها , وإننا على استعداد أن نوفر لك الفندق وما يترتب على مجيئك الى بغداد للكتابة عن أحداث الهور قلت له المهم ما يمكن أن تدفعوا لي من مبلغ إذا كتبت لكم مئة وعشرين صفحة فقال سوف أتصل بالأستاذ وأخبرك .. وأغلق التلفون .

اتصلت بمحسن الخفاجي وأخبرته بما دار من حديث وقد استفسرت عن من يكون الأستاذ ؟ فقال لي إنه ضابط المخابرات وليد الزبيدي مدير مكتب بغداد لمجلة الصدى . وأخبرني بطلب مئة دولار عن كل صفحة ترسلها لهم . بعد نصف ساعة اتصل بي الاعلامي كاظم غيلان وقال بأن الأستاذ يقول نعطيه خمسة وعشرين ديناراً أجرة كتابة الموضوع .. فقلت له إن أجرة سيارة من الناصرية الى بغداد هو خمسة وعشرون ديناراً . وماذا عن أجرة الفندق والأكل والشرب ؟ هل تكون على حسابي الخاص ؟قال الأخ كاظم هذا ما بلغني الأستاذ وأغلق التلفون . وقد ذكرت ما حدث في إحدى ملاحق الكتاب ( أربعينية وليد توفيق ) وما آلت اليه الأمور وحين استدعائي الى مديرية الأمن هربت الى سوريا والتقيت الأخ مظفر وأخبرته بما جرى لي وقد حاولت أكثر من مرة الالتقاء بالكاتب حيدر حيدرلكني لم أتمكن , وعدت الى العراق بعد سقوط النظام البائد , وكانت هناك مقابلة صحفية لصحيفة المدى أدارها الاعلامي حسين العامل وكان هناك اتصال هاتفي من سكرتير القيادة المركزية تحمل عتاباً على هذه المقابلة وإرضاءً للرفاق أرسلت له ما كتبته عن انتفاضة الغموكة . وكان إصداري الأول والموسوم بشهادة حية من لهيب المعركة وقد طبع في مطبعة الملاك وقد اختار الرفيق مدير مكتبه عنوان الكتاب وصورة الكتاب ووزع قسم منه مجاناً وبيع القسم الآخر في مكتبة الملاك في شارع المتنبي ونفذ من السوق . وبعد أيام طلب الأستاذ عدنا ن الملاك طبع كتاب الطريق الى الحرية وعلى نفقته الخاصة , أما بخصوص ما كتبه أحمد الباقري فقد طبع في مطابع الكويت بعد عام تقريباً ولم يذكر أحمد الباقري من أن الأحداث قد استقيت من مذكرات عقيل حبش . وقد تناوله بعض الكتّاب لعدم ذكره ما ورد في مذكرات عقيل حبش .



يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة