الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبذ ثقافة الاحتقار

هبة الله إبراهيم

2019 / 3 / 16
الادب والفن


"يعمل الاحتقارفي الناس أكثرمما يعمله الخوف. ومعنى هذا بكلام آخرأن الناس يحسبون للرأي العام ويستحيون من الناس أكثرمما يخافون من القوانين، بل نحن نخاف القوانين لا لأننا نتألم من السجن بل لأننا نخشى احتقار الناس لنا إذاعرفوا أننا قد سجنا!"

بتلك الكلمات التي بدأ بها الكاتب والمفكر سلامة موسى كلمات مقاله "سوط الاحتقار"، في كتابه"في الحياة والأدب". وهنا يطرح السؤال نفسه، كيف تغير نظرة المجتمع مسار حياة الفرد؟ وكيف تدفع الفرد نحو مصير لم يكن يتمناه إذا استسلم لسطوتها ورغباتها؟ كم قتلت نظرات الاحتقار أحلام، وكم منعت الكثيرين من الوصول إلى غايتهم؟

كتب موسى مقاله عام 1930 أي منذ حوالي التسعين عاما، تغير العالم فيها من حولنا، لكننا لم نتغير. يقول الكاتب في مقاله "فإصلاح الأمة يرجع في الأكثر إلى قوة الرأي العام أكثر مما يرجع إلى القوانين. لأن للرأي العام سوطاً شديد الوقع غائر الأثر، نستطيع به أن نؤدب الناس ونوجه نشاطهم إلى وجهات نافعة. ولكن إذا اختل الرأي العام وساءت أحكامه صارت القوانين كلها في حكم العدم أو ما يقارب ذلك". فماذا يحدث إذا اختل الرأي العام، وأصبحت موازين القيم مقلوبة؟ هل سألنا أنفسنا يوماً ما الذي يفرق مجتمعاتنا الشرقية عن نظيرتها في الغرب؟

انظر كيف تتعامل المجتمعات في الغرب مع الفرد، وكيف تنظر إلى الفرد الذي يعمل بكد. فعامل المقهي مثلا يلقى من الاحترام وله من الحقوق ما يلقاه موظف في منصب كبير. لا يعامل بدونيه كما يحدث في بلادنا، إذا تقدم لخطبة فتاة لن ينظر له أهلها نظرة الاحتقار والتدني والرفض التي يمكن أن يتعرض لها هنا بكل تأكيد.

كذلك كيف تقابل فكرة استقلال الأبناء بشكل طبيعي دون أن تنقلب الدنيا رأسا على عقب كما يحدث في الشرق، الذي يتصور الأهل والمجتمع فيه أن من يحاول الاستقلال بحياته منفلت يعيش بلا قيود ولا حدود، وهي نظرة جاهلة وقاصرة.

فكم من امرأة تحملت قسوة المعاملة وذل العيش والعنف الأسري، خوفا من الانفصال ومواجهة المجتمع بعده؟ وكم أجبرت فتيات على تحمل العيش داخل أسرة بها أب أو أخوة يتعرضون لها بالإيذاء وأحيانا بالتحرش الجنسي، فبمتابعتي للعديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعني بعرض المشكلات، قابلتني كثير من الفتيات تستنجد المتابعين، ماذا هن بفاعلات أمام ما يتعرضن له من عنف أسري أو تحرش، وهن بالغات ويعملن ويستطعن الاستقلال بحياتهن، ولكن يخشين العيش منفردات، خوفا من احتقار المجتمع وأطماعه، ولذلك يتحملن في انتظار الزوج المنقذ من المعاناة، والذي يمكنه جعل حياتهن جحيما أكثر مما هي عليه.

ونجد الكثير من الشباب يجلس على المقاهي ينتظر فرصة العمل المناسبة، لأنه لا يتجرأ على قبول فرص العمل المتاحة، التي يمكنها أن تكون خطوة في طريق تحقيق غايته، تجنبا لأن يقال أن فلانا الحاصل على شهادة كذا يعمل كعامل مثلا. في حين أنه لو التحق بتلك الوظيفة فمن الممكن أن تساعده في الوصول إلى الأفضل، وتوسع دائرة علاقاته ومعارفه، بالإضافة إلى عائدها المادي.

أنا لا أطالب أن نقبل بالمتاح، ويكون هو الهدف، ولكن أن نقبله كخطوة أولى. فلو كانت نظرة المجتمع تحتقر من لا يعمل، وهو يستطيع العمل في أي مهنة شريفة، لما وصلت بنا الحال إلى ما نحن فيه، ولكن للأسف نظرة الاحتقار تواجه من يعمل بأي وظيفة بسيطة في مظهرها.

يجب ألا نخدع أنفسنا ونفكر لثوان، هل نقبل بزوج لابنتنا الجامعية، يناظرها في مستوى التعليم لكنه يعمل "كاشير" في أحد المطاعم؟ وهل يقبل المجتمع فتاة تعيش وحدها دون أن يتعرض لها بالأذى؟ وكم منا يعيش حياة لا يتمنى أن يحياها، ليس لفقر مادي، بل لفقر العقول المحيطة به؟
الفرق بيننا وبين من يعيش في المجتمعات الغربية هو أنه لا يخشى نظرة المجتمع من حوله، فتجده يعمل وينجح في عمله، ويحقق ما يتمناه دون الخضوع لسوط الاحتقار، الذي يجلد به المجتمع كل من يحاول أن ينجو أو يحقق ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??