الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمعات الغربية مجتمعات مسيحية، هل في ذلك شك!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2019 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


سألني سائل: ماذا تقصد بأن المجتمعات والبلدان والدول الغربية بأنها بلدان (مسيحية)!؟
فكان جوابي: أولًا ليس هذا قولي إنما هو قول الكثير من الغربيين أنفسهم!، بل هذا ما أكده رئيس الوزراء البريطاني الأسبق (ديفيد كاميرون) عام 2011 في خطاب ألقاه في كنيسة "كرايست تشرش" في مدينة "اكسفورد"، جاء فيه "على الشعب البريطاني إحياء القيم المسيحية لمقاومة انهيار القيم البريطانية"، وأكد كاميرون على أنه من المدافعين عن دور الدين في السياسة!، مشيراً إلى أهمية الإنجيل بالنسبة للقيم البريطانية، وقال: "نحن دولة مسيحية ويجب علينا أن لا نخشى أن نقول هذا"....... وهكذا فكون الدول الغربية دول مسيحية هو حقيقة واقعية وتاريخية لا شك فيها، واستغرب موقف من يُنكر هذه الحقيقة بحجة أن هذه البلدان والدول هي دول وبلدان علمانية وديموقراطية وليبرالية كما لو أن هذه الدول والبلدان لا هوية ثقافية لها مرتبطة بالمسيحية!.. وهذا انكار للواقع المحسوس والملموس تمامًا كمن يُنكر أن مصر أو تونس أو ليبيا أو المغرب دول وبلدان مسلمة أو (اسلامية)(*)!، هو انكار لواقع محسوس وعميق لا يمكن تجاوزه مهما حاول بعض اللادينيين ممن يتسربلون بثوب العلمانية أو الحداثة انكاره وتجاوزه، فستتحطم أمانيهم على صخور هذا الواقع العميق!... إلا أن المسيحية - كما في اعتقاد أهلها خصوصًا في الغرب - هي عقيدة وعبادة روحانية بدون شريعة!، لهذا ليس لها أثر على القوانين والنظام الاجتماعي العام،... ولكنني شخصيًا حينما أصف المجتمعات والأقطار الغربية بأنها مجتمعات أو أقطار (مسيحية) لا أقصد بأنها مجتمعات متدينة بالضرورة في سلوكها العام أو أن عدد المتدينين فيها كثير وظاهر!، فالواقع أن الغالب عليها أنها مجتمعات ليست متدينة خصوصًا في بريطانيا بل متحررة ربما أكثر من اللازم (!) أي أنها تعاني من (غلو ليبرالي) أو (تخمة ليبرالية مُفرطة) بخلاف مجتمعاتنا العربية والمسلمة التي تعاني من فقر (دم ليبرالي) يجعل الكيان العربي لا يملك القدرة على مقاومة التوجهات الشمولية والشعبوية، فوجود الليبرالية المتعلقة بحفظ إنسانية وفردانية وكرامة الانسان وتقديس حقوقه الشخصية (حريته وملكيته وخصوصيته) أساس ضروري لسلامة أي نظام ديموقراطي وإلا انزلق هذا النظام بسهولة نحو الديموقراطية الشعبية الشعبوية كخطوة نحو أنظمة شمولية (توليتارية).. فالغربيون ينزلقون نحو المزيد من الليبرالية والفردانية إلى حد الغلو والافراط وحد الانحلال ومسايرة الاباحية، ونحن عندنا تفريط في الليبرالية لحد الإذلال وتوطيد الشعبوية!... وكلا الأمرين (الافراط والتفريط) في الحرية الفردانية والشخصية يؤديان لنفس النتيجة وهي (الحط من قدر وكرامة وآدمية الانسان)!.. لكن وبالرغم من أن هذه المجتمعات الغربية ضعيفة التدين بالقياس للمجتمعات الشرقية ومنها العربية، فإنها في الوقت ذاته تنظر للمسيحية على أنها هو دينها الوطني والقومي الموروث أي أن المسيحية جزء أصيل وأساسي في ثقافتها الوطنية وهويتها القومية، فالمسيحية (**) هي ديانتها الوطنية القومية حتى لو لم يلتزم بها الافراد لكنها تظل جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها القومية وهويتها الوطنية التي تدافع عنها وتعمل على استمرارها وتوريثها للأجيال جيلًا عبر جيل!.. ولهذا مع تزايد عدد المسلمين المهاجرين وتزايد عدد المساجد ودخول بعض المواطنين الغربيين الأصليين في الاسلام فإن القوى المحافظة أصبحت تشعر بالخوف من الاسلام!.. ولا شك أن العمليات الارهابية ساهمت في زيادة هذا الخوف والذي أخذت هذه القوى المحافظة الخائفة من الاسلام تغذيه فكريًا واعلاميًا لتحوله إلى موجة من الكراهية العنصرية ضد المسلمين!.. وهناك مقاومة من الليبراليين واليسارين في الغرب لهذا التيار المحافظ المعادي للمسلمين والرافض لوجود الاسلام في الغرب ولكن للحقيقة فإن الليبراليين واليساريين في هذا الزمان قطعًا ليسوا في احسن أحوالهم!، فهم يمرون بمرحلة افلاس فكري وسياسي واضح!، وهو ما جعل التيار اليميني المحافظ يتقدم حاليًا خطوة فخطوة نحو الأمام!.. ويقترب أكثر فأكثر من صناعة القرار!.
***************
سليم نصر الرقعي
(*) بدأتُ أميل في مصطلحاتي الخاصة للتميز الموضوعي والواقعي بين مفهوم (دولة مسلمة) ومفهوم (دولة اسلامية)!، فالدولة المسلمة هي هذه الدولة المسلمة الحالية بغض النظر عن نظامها السياسي مثل ليبيا والسعودية والعراق ومصر وباكستان وماليزيا ... الخ.. فكل هذه البلدان والدول بلدان ودول مسلمة باعتراف كافة دول العالم، وأما عبارة (اسلامية) فقد ارتبطت في هذا العصر بمشروعات الاسلاميين الايديولوجية والسياسية!.. ولكن البعض للتفريق بين هذا وذاك اختار مصطلح (اسلاماوي) لبيان أن المقصود هو فهم ايديولوجي وسياسي يستند للدين الاسلامي، وعندها قد يصح أن نصف مشروع دولة الدواعش بأنها (دولة اسلاماوية) ولا نقول (اسلامية) فالدولة الاسلامية موجودة وهي كل دولة مسلمة تعلن أن دينها الاسلام أو حتى يكون الغالب على سكانها وحكامها أنهم مسلمون!.
(**) سأتحدث في مقالة قادمة عن فرضية صحة نبوءة اليمين القومي والوطني الغربي المسيحي الأبيض المتطرف في أن الإسلام – إذا استمرت هجرة المسلمين للغرب – سيكون هو الدين الأول في عدة بلدان غربية مع مطلع عام 2050 وهي فرضية مستبعدة عندي، ولكنني سأعالج هذه القضية على فرضية أن هذا الأمر (الاستبدال الكبير!) سيحدث بصورة من الصور في احدى بلدان غرب أوروبا!، فكيف سيكون شكل ونوع هذا الإسلام؟ هل سيكون كإسلام العرب والفرس والهنود والباكستان وغيرهم من الاسيويين والافارقة أم سيكون اسلامًا أوروبيًا!؟؟؟.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وما الغريب في ذلك
nasha ( 2019 / 3 / 20 - 00:03 )
بالطبع المسيحية هي احد روافد ثقافة الدول الغربية هذه مسألة بديهية لا تحتاج برهان.
وبالطبع كذلك الاسلام هو الرافد الرائيسي لثقافة الدول التي يدين معظم سكانها بالاسلام وهذه ايظا بديهية لا تحتاج الى برهان.
الثقافة في الغرب عمادها واساسها هو حرية الفكر والانفتاح على كل الثقافات. الفرد في الغرب حر في اختيار معتقداته الخاصة وممارسته للطقوس الدينية اختياري وليس فرض. والدولة لا تحمي المعتقد المسيحي وهو مُعرّض للنقد والتجريح .
اما الثقافة الاسلامية فلا تسمح بالانفتاح على الثقافات المغايرة والفرد فيها لا يسمح له ان يختار غيرها والدولة تحمي المعتقد الاسلامي ولا تسمح لاي نقد او تجريح للاسلام. الطقوس الدينية الاسلامية فروض وليست اختيار الدولة تفرض مظاهر الصوم حتى على غير المسلمين.
ومن هنا فاي كلام عن اللبرالية في الدول الاسلامية هو محض كلام في الهواء.
اللبرالية معناها الحرفي هو التحرر من الايديولوجيا الفكرية والاسلام هو ايديولوجيا فكرية سياسية وثقافية .
بحكم الليبرالية التي نشأت من الثقافة المسيحية انت تُقيم في بريطانيا.
سؤال:
في الغرب يمكن التحرر من المسيحية هل يمكن التحرر من الاسلام في الاسل


2 - الغربي يرفض الرجوع الى الخلف.
أكرم فاضل ( 2019 / 3 / 20 - 01:42 )
الاوربي والغربي عموماً غير متديِّن ولكنه غير مستعد لأن يتبنى أيديولجية ترجعه الى زمن ناضل كثيراً للتخلص منه ومن غير المتوقع أن يقبل بحكم لا يساير تطلعاته المستقبلية.

المسلم والاسلامي والاسلاموي والاسلام السياسي تعابير تبريرية لمسمى واحد وهو الاسلام لأن الأساس واحد وهو النصوص غير القابلة للتغيير والتي يمكن لأي جهة أن تختار منها ما يناسبها وحركة داعش من حيث المبدأ تستند الى نصوص ثابتة لا يقدر كائن من كان انكارها ولذلك عندما سألوا شيخ الأزهر عن امكانية تكفير أفراد داعش قال لا يمكن ذلك لأنهم يقرأون الشهادتين.


3 - الصديق العزيز سليم الرقعي
nasha ( 2019 / 3 / 20 - 04:25 )
في الغرب يمكن ان تتحرر من معتقدك الاصلي الذي تربيت فيه علنا وتستطيع ان تنتقده بكل حرية
وفي اي دولة اسلامية يمكن للفرد غير المسلم ايضاَ ان يتحرر من معتقده الاصلي ويعتنق الاسلام ولكن..... هل للفرد المسلم الحق في ان يتحرر من الاسلام ويعتنق اي فكر اخر ويمارس شعائره علنا وهل يُسمح له بانتقاد الاسلام ؟
عندما ترفع الدول الاسلامية (والمجتمع الاسلامي عامة) الحماية عن الاسلام وتترك مواطنيها احرار في خياراتهم الفكرية والعقائدية حينها فقط من حقك ان تقول ان المجتمع الاسلامي مجتمع ليبرالي عدا ذلك فاليبرالية في المجتمعات الاسلامية كلام خالي من اي معنى
تحياتي مجددا


4 - الصديق العزيز سليم الرقعي
nasha ( 2019 / 3 / 20 - 23:55 )
عندك خلط في المفاهيم الاجتماعية الثقافية والسياسية الاساسية وتعريفاتها الصحيحة.
1- الثقافة
2- العلمانية
3- الليبرالية
4- التطرف
الثقافة لها روافد متعددة ومنها ما يكتسبه الفرد من تعليم وتربية وعرف اجتماعي وعادات وارث تاريخي وبالطبع الدين والتراث الادبي والفني . حتى الجغرافيا والموارد الطبيعية والموروث الجيني كلها روافد ثقافية.

اما العلمانية فهي ببساطة فصل السلطة الاعتقادية الروحية اللامادية (الميتافيزيقية) عن السلطة الزمنية السياسية المادية (الفيزيقية)
ولذلك تعبيرك (التطرف العلماني) غير وارد وغير صحيح لان العلمانية هي اما فصل السلطتين او لا ..... لا يوجد حل وسط.

اما الليبرالية فهي مفهوم سياسي متغير حسب الطلب والضروف حر خالي من الدوغمائية بكل اشكالها سواء الدينية او السياسية او العُرفية العاداتية ...الخ

اما التطرف فهو عكس الليبرالية وهو التقيد بالايديلوجيا مهما كان مصدرها سياسية دينية الحادية عرقية جندرية وحتى العلمية

تحياتي

اخر الافلام

.. مراسل فرانس24 يرصد لنا حالة الترقب في طهران تحسبا لهجوم إسرا


.. غارات إسرائيلية -عنيفة جدا- تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت




.. هل يؤثر مقتل هاشم صفي الدين على معنويات مقاتلي حزب الله في ج


.. انفجارات متتالية تهز ضاحية بيروت الجنوبية جراء القصف الإسرائ




.. غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات في غزة تسفر عن شهداء وجرحى