الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!! ..(1)

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2019 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بعد خمسة أشهر من الآن تكون الدولة الوطنية العراقية الحديثة ، قد أكملت عامها الثامن والتسعين ، وبعد سنتين من الآن ستكمل القرن الأول من عمرها في الزمان ، الذي كانت خلاله تنتقل ـ إلا ما ندر ـ من فشل إلى فشل أكبر ، وبالتأكيد أنها ستكمل قرنها الأول هذا تحت قيادة: أفشل وأفسد طبقة سياسية عرفها العراق في كل تاريخه القديم والحديث ، والتي أغلقت كل أبواب التطور وآفاق المستقبل في وجهه ، ووضعته في فم مجهول لا يعرف أين سيصل به!

لقد تناوبت على حكم العراق ودولته الوطنية الناشئة خلال ما يقارب القرن الكامل من عمرها ، قوى سياسية وطبقات اجتماعية وإيديولوجية مختلفة ، ومتناقضة ومتصارعة فيما بينها في أغلب الأحيان.. وقد ابتدأ عمر هذه الدولة الوطنية العراقية الحديثة : بالعهد الملكي الذي استمر لسبعة وثلاثين عاماً :
من العام 1921 إلى العام 1958 ، تلاه العهد الجمهوري الذي أبتدأ بثورة 14 تموز 1958 واستمر إلى يوم الناس هذا ، طاوياً من عمر هذه الدولة سبع وتسعين عاماً وثمانية أشهر وبضعة ايام معهما!

أما في العهد الجمهوري فقد تقاسمت عمر وحكم هذه الدولة الوطنية :
قوى وتيارات سياسية وإيديولوجية وطبقات اجتماعية متناقضة ومتصارعة فيما بينها دائماً ، وأغلب ـ عدا العهد الملكي ـ أعضائها منحدرون من بيئات ريفية متخلفة ، وغير ناضجين فكرياً وسياسياً ، وأغلبهم نصف متعلمين ويجهلون أبسط مقومات رجل الدولة وأبسط آليات تسير مؤسساتها ، ويضعون القرابة السياسية والإيديولوجية والقبلية مقام التخصص والمهنية ، في إدارة مؤسسات الدولة وتسير شؤنها العامة!

وقد تناوبت هذه القوى بمواصفاتها هذه ـ إلا ما ندر ـ على حكم هذه الدولة الوطنية العراقية في عهدها الجمهوري ، وحسب الترتيب التالـــــــــي :
o ــ من 14 تموز/ يوليو 1958إلــى 8 شباط /فبراير 1963 : أي ما يقارب الأربع سنوات وأقل من نصف السنة ، هو كل عهد مؤسس الجمهورية العراقية وقائد الثورة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم!
o ــ من 8 شباط/فبراير 1963 إلــى 18 تشرين ثاني/نوفمبر 1963 : أي ما يقارب التسعة أشهر ، هي فترة حكم
o ــ من 18 تشرين ثاني/نوفمبر1963 إلــى 17 تموز/يوليو 1968 : أي ما يقارب الأربع سنوات ونصف أيضاً ، هي فترة حكم الأخوين : عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف!
o ــ من 17 تموز/يوليو 1968 إلـى 9 نيسان/إبريل 2003 : أي ما يقارب الخمسة وثلاثين عاماً ـ أكثر من ثلث عمر الدولة العراقية ـ هي فترة حكم الرعاع من الفاشيين البعثيين في انقلابهم الثاني ، والتي اتسمت بحكم عائلي مطلق لعائلة صدام حسين ، وحكم عشائري ومناطقي وشبه طائفي لعشيرة وطائفة صدام حسين وقريته العوجة ومدينته تكريت ومحافظته صلاح الدين.. وقد تم اسقاط هذا النظام بغزو أمريكي ، بررته سياسة صدام الهوجاء والمغامرة!
o ــ من 9 نيسان/إبريل 2003 إلــى اليوم آذار/مارس من العام 2019 : أي ما يقارب الستة عشر عاماً ، وهي مدة زمنية تقارب نصف مدة الحكم الملكي ونصف مدة حكم صدام والبعثيين ، وهي مدة حكم هئولاء الذي نصبهم الغزاة الأمريكيون لحكم بلاد ما بين النهرين!
*****
ولو أردنا أن نحصي ما قدمه كل نظام أو عهد من هذه العهود الست ، للدولة العراقية وللشعب العراقي بصورة موضوعية ، ودون عواطف شخصية أو انحيازات جانبية أو تأثيرات إيديولوجية، تحدد الرؤيا وتضعها في مسارات غير موضوعية.. نـــجـــد:

 أولاً ــ إن العهد الملكي : قد قام بأعباء التأسيس لدولة وطنية حديثة من العدم تقريباً.. لأن العراقيين لم يكونوا يمتلكون دولة وطنية خاصة بهم ، منذ سقوط الدولة العباسية على يد التتار/المغول في العام 1258 ميلادية إلى العام !1921 أي لمدة سبعمائة عام متواصلة ، تناوبت خلالها على حكمهم دول لعشائر مغولية كثيرة: كالدولة الإيلخانية ودولتي الخروف الأبيض والخروف الأسود المغوليتين ، ثم تناوب الفرس والأتراك على حكمهم لفترة من الزمن ، إلى أن تغلب الأتراك في النهاية وحكموا العراق والعراقيين منفردين لمدة خمسة قرون سوداء متواصلة ، استنزفت العراق وثرواته وجرفت إنسانية إنسانه ، وأغرقته في جهل وتخلف مروع لم يتخلص من آثاره لحد الأن!
وقد نجح النظام الملكي ـ رغم هذه التركة الثقيلة ـ في إرساء قواعد الدولة الوليدة على أسس حديثة ، تحمل نكهة ليبرالية وسلطات ومؤسسات شبه ديمقراطية!
ونجح أيضاً في إقامة هياكل الدولة الجديدة :
الإدارية ومنشئاتها الحيوية وبنيتها التحتية ، من طرق وجسور وسكك حديد ومواصلات وموانئ وأجهزة اتصال حديثة ، وكذلك نحج إلى حد ما بناء في مستشفيات ومستوصفات ومدارس وكليات مختلفة وخدمات متنوعة ، وصل بعض منها كالسدود والقناطر وشبكات الري ، إلى الأرياف والقرى النائية!
ومع كل هذا النجاح والفشل معاً ، تمكن العهد الملكي من بناء دولة وطنية عراقية حديثة ، صمدت أمام كثير من المخاطر والصدمات المميتة.. لكنها فشلت ـ كما هي العادة في دول العالم الثالث ـ في تجنب الفساد الذي كان ينخر في جسد الدولة ويأكل روحها ، وكذلك فشلت في منع تكون طبقة حاكمة فاسدة ، شبه اقطاعية ونصف رأسمالية وذات طبيعة طفيلية ، احتاجت إلى ثورة كبرى حتى تقتلعها من جذورها ، فكانت ثورة14 تموز/يوليو 1958 الكبرى ، هي التي اقتلعت تلك الطبقة الفاسدة من جذورها!
لكننا لو قارنا فساد تلك الطبقة الملكية بفساد الطبقة السياسية الاسلاموية الحاكمة الآن ، لرأينا أولئك الملكيين كانوا عبارة عن أطفال أبرياء ، يلهون في مدرسة هئولاء الأساتذة الكبار في الفساد والافساد!

 ــ أما في العهد الجمهوري :
أ‌) فإن فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم القصيرة (أقل من أربع سنوات والنصف) قد تميزت بالعطاء والبناء والتأسيس الحقيقي للدولة الوطنية العراقية الحديثة ، رغم أنها فترة قصيرة وتميزت بالصراعات العنيفة والاضطرابات والاستقطابات الحادة ، بين القوى السياسية والطبقية المختلفة!
وكان الزعيم عبد الكريم قاسم ـ رغم اختلاف الآراء حول شخصه ـ من نوع أولئك الزعماء الكلاسيكيين العظام ، الذين عرفتهم شعوب العالم الثالث في تاريخها الحديث.. فهو نزيه إلى أبعد حدود النزاهة ووطني إلى أبعد حدود الوطنية ، وكان يوصل الليل بالنهار ـ لا يكل أو يمل ـ من العمل المتواصل في خدمة شعبه وبلده ، ومع كل هذه الصفات الحميدة ، فقد كانت تنقصه الحنكة السياسية في إدارة تلك الصراعات المختلفة التي كانت تدور من حوله!

وقد قدم الزعيم عبد الكريم قاسم ـ رغم فترة حكمه القصيرة ـ لشعبه منجزات كبرى ، اعتاشت على مواردها جميع الأنظمة التي جاءت من بعده ، وعجزت عن تقديم ما يضاهيها للشعب وللدولة العرقية وكيانها الهش ، رغم أن تلك الأنظمة قد حكمت لمدد تراوحت بين ثمانية أضعاف مدة حكمه كالبعثيين ، إلى ما يقارب أربعة أضعاف مدة حكمة للزمرة الحاكمة الفاسدة الحالية!!
وكان عبد الكريم قاسم زعيم الفقراء وحبيبهم وأكثر منجزاته كانت لصالحهم ، بدءاً من التخلص من مدن الصفيح ـ الصرائف المحيطة ببغداد ـ وتوزيع أراضي مدن التورة والشعلة عليهم في بغداد ، وشبيهات بهما في المحافظات الأخرى ، إلى التوسع في خدمات الصحة المجانية في جميع المحافظات العراقية وبناء مستشفيات كبيرة فيها جميعها ، ومنها "مدينة الطب" في بغداد ، والتي كانت أكبر منشأة طبية على مستوى الشرق الأوسط بأكمله ، وبناء "مصنع أدوية سامراء" الذي كان هو الآخر أكبر مصنع للأدوية في الشرق الأوسط أيضاً أنذك ، والذي لا يزال هو أكبر مصنع للأدوية في العراق وربما الوحيد فيه!
بالإضافة إلى خدمات التعليم المجاني والتوسع في بناء المدارس للفقراء في جميع المحافظات العراقية ، حتى وصلت بعض القرى والأرياف البعيدة ، وكذلك التوسع في خدمات التعليم العالي والمتوسط وبناء الكليات المتنوعة ، وإنشاء العديد من المنشآت الصناعية كـ "منشأة الإسكندرية" وبعض المصانع والمعامل والورش الصناعية الأخرى!
لكن أهم منجزات الزعيم عبد الكريم قاسم قد تمثلت.. بــ :
ــ تحرير الأرض وإنهاء الأقطاع وتحرير الفلاحيين من تبعيتهم ، بــ "قانون الاصلاح الزراعي" وتوزيع الأراض عليهم وتسليفهم وتقديم الخدمات المختلفة والمتنوعة لهم!
ــ تشريع "قانون 80" الذي حرر الثروة النفطية الوطنية وأنهى سيطرة الشركات الاحتكارية عليها ، وعلى الحقول النفطية الغير مستغلة فعلياً وتأسيس شركة النفط الوطنية!
ــ قانون "الأحوال الشخصية" ذي النزعة العصرية التقدمية ، والذي يريد البعض أن يلغيه الآن ويحل محله قانوناً مغرقاً بالتخلف والرجعية ، يبح الزواج لطفلة بلغت التاسعة من عمرها ، لرجل لا سقف لعمره!
ــ وكذلك قوانين كثيرة أخرى للنقابات والجمعيات ووو....الخ!

إن كل الذي ذكرناه في أعلاه كان "غيض من فيض" ، وبعضاً مما قدمه الزعيم الوطني الكبير عبد الكريم قاسم لشعبه ووطنه ، وليس كل ما قدمه له لأن الذي قدمه فعلاً كثير ويستعصي على العد.. وكل هذا كان في فترة وجيزة لا تتجاوز الأربع سنوات ونصف السنة من حياة الشعب العراقي ، ولو أمهل الرجل قليلاً وامتد به العمر أكثر، لربما جعل العراق في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة!
ويكفي عبد الكرم قاسم فخراً أنه :
لم يشكك أحد في وطنيته ولا في نزاهته ، وقد رحل عن الدنيا وهو لا يملك مالاً ولا عقاراً ومدين ببعض الأموال ، التي سددت باستقطاعها من راتبه التقاعدي الذي منح لعائلته فيما بعد.. وكان هذا تصديقاً لما وعد شعبه به بقوله في واحدة من خطبه : " لقد عشت بهذا القميص ـ مشيراً إلى قميصه العسكري ـ وسأرحل عن الدنيا بهذا القميص" ، وقد رحل عن الدنيا فعلاً بذلك القميص مضرجاً بدمه ، بعد أن أعدمه البعثيون في انقلابهم الدموي الأسود ، في 8 شباط/فبراير عام 1963 والذي أسموه بــ "عروس الثورات"!
ويكفي عبد الكريم قاسم فخراً أيضاً :
أن شهد له أعدائه قبل محبيه بوطنيته ونزاهته ، حتى ألد أعدائه كصدام حسين الذي قام فعلاً بمحاولة مشهورة ، لاغتياله عام 1959 في شارع الرشيد.. فقد قال صدام حسين معترفاً بما للزعيم من وطنية ونزاهة ، في شريط مسجل بلهجته البدوية: "كفرناه بدينو وما خليناه يشتغل"!!!!
ــhttps://www.facebook.com/allamialaa/videos/1207766349283959/?t=392 : رابط لفديو نادر بصوت صدام حسين وهو يمدح عبد الكريم قاسم ويذم عبد السلام عارف بكلمات بذيئة لا تليق برئيس دولة ، وكذلك يلوم الزعيم الراحل الكبير جمال عبد الناصر كثيراً ، معطياً لنفسه حق منح شهادات الكفاءة والوطنية للآخرين !!
*****
 ب) فترة حكم البعثيين في انقلابهم الأول : والتي ابتدأت من 8 شباط/فبراير 1963 إلــى 18 تشرين ثاني/نوفمبر 1963 : وقد اطلق البعثيون على انقلابهم الدموي ذك اسم (ثورة!!!) بل و "عروس الثورات"!!
وكانت تلك فترة عصيبة ومحنة حقيقية لجميع القوى الوطنية ، وللعراقيين جميعهم استمرت لما يقارب التسعة أشهر ، ولا يتذكر العراقيون منها إلا أنهار الدم التي سالت في الشوارع والبيوت والطرقات ، والتي قتل وفقد وشرد فيها الآلاف من العراقيين ، بمختلف انتماءاتهم السياسية والطبقية والعقائدية.. ولم يعط البعثيون للعراقيين خلال تلك الفترة العصيبة إلا تلك الدماء التي سالت مدراراً في كل أنحاء العراق!
ولقد كان انقلاب 8 شباط 1963 وجهاً آخر من وجوه "الحرب الباردة" ، التي كانت تدور محتدمة بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي السابق من جهة ، والولايات المتحدة والمعسكر الغربي من جهة أخرى ، وكانت CIA في ذلك الانقلاب تزود البعثيين بإحداثيات تواجد المناوئين لسلطة شباط من الشيوعيين وغير الشيوعين ، وقد اعترف بهذا رئيس وزراء الانقلابين أنذك "علي صالح السعدي" في قول شهير وصريح له :
((لقد جئنا بقطار أمريكي))!!
*****
 ج) فترة حكم الأخوين : عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف : من 18 تشرين ثاني/نوفمبر1963 إلــى 17 تموز/يوليو 1968 : أي ما يقارب الأربع سنوات ونصف السنة أيضاً للأخوين معاً ، وهي فترة اتسمت ببعض الهدوء السياسي النسبي ، بعد حكم انقلابي شباط الدموي ومآسيه المروعة!
ولا يتذكر العراقيون من فترة حكم عبد السلام عارف إلا مأثرته في إزاحة البعثيين عن السلطة ، وتصفيته (لحرسهم القومي) الذي كان يجز الرقاب جزاً كداعش اليوم ، وكذلك يتذكرون له قيامه ببعض التأميمات لبعض المصانع والشركات الكبيرة والمتوسطة ، وإقامته للقطاع العام ، تقليداً ـ وليس إيماناً منه ـ لما كان يطبق في الجمهورية العربية المتحدة من تأميمات وبناء جاد لنظام اشتراكي متطور ، في عهد الزعيم الكبير الراحل جمال عبد الناصر!
أما فــتــرة أخيه عبد الرحمن محمد عارف :
فقد اتسمت بالهدوء التام وراحة شاملة لجميع القوى السياسية وللمجتمع العراقي ، بعد انقلاب شباط الدموي ومعاناته الكبيرة : فقد أطلقت الحريات للعمل السياسي والصحفي ـ بغض الطرف عنها وليس بقانون يحميها ـ وأصبحت الناس تعبر عن نفسها وعن آرائها بحرية غير معهودة!
وكان عبد الرحمن عارف إنساماً وديعاً ومسالماً ، وولى رئاسة الوزراء أنذك لسياسي عراقي مخضرم ذو عقلية ديمقراطية ليبرالية وكفاءة مهنية ، هو الدكتور (عبد الرحمن البزاز) الذي وضع حلاً للقضية الكردية وقانوناً للأحزاب وقوانين متعددة للانتقال لمرحلة ديمقراطية جديدة في حياة العراق والعراقيين ، يتم خلالها اطلاق الحريات ووضع أساسيات التداول السلمي للسلطة ، بين الأحزاب والفئات والقوى الوطنية العراقية!

لكن البعثيين لم يمهلوا الرجل كثيراً ليتم ما وعد به وعمل لأجله ، فقاموا بانقلابهم العسكري الثاني في 17 تموز/يوليو عام 1968 والذي أسموه هذه المرة بـ "الثورة البيضاء"!!
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-