الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!!..(2)

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2019 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


وكان الرئيس العراقي الأسبق :
((عبد الرحمن عارف إنساناً وديعاً ومسالماً ، فولى رئاسة الوزراء أنذك لسياسي عراقي مخضرم ذو عقلية ديمقراطية ليبرالية وكفاءة مهنية ، هو الدكتور (عبد الرحمن البزاز) الذي وضع حلاً للقضية الكردية وقانوناً للأحزاب وقوانين متعددة للانتقال لمرحلة ديمقراطية جديدة في حياة العراق والعراقيين ، يتم خلالها اطلاق الحريات ووضع أساسيات التداول السلمي للسلطة ، بين الأحزاب والفئات والقوى الوطنية العراقية!
لكن البعثيين لم يمهلوا الرجل كثيراً ليتم ما وعد به وعمل لأجله ، فقاموا بانقلابهم العسكري الثاني في 17 تموز/يوليو عام 1968 والذي أسموه هذه المرة بـ "الثورة البيضاء"!!))(ج1)

لكن تلك "الثورة البيضاء!!" المزعومة قد أسود وجهها كثراً فيما بعد ، وغطى سوادها وجه العراق بأكمله والعراقيين جميعهم بلافتات الحزن السوداء ، التي ملأت الجدران والساحات العامة والنواصي والأزقة ومفارق الطرق ، معلنة في كل لحظة من تلك اللحظات العصيبة عن موت إنسان عراقي جديد: بإحدى حروب صدام العبثية ، أو في أقبية سجونه وزنازين إعدامه ، أو بنقص الأدوية والأغذية بعد الحصار ، أو الموت كمداً!
*****
وقد امتدت فترة حكم البعثيين السوداء الثانية تلك :
لخمسة وثلاثين عاماً متواصلة ، أي أقل من نصف عمر الدولة العراقية بقليل ، والذي لم يتجاوز في حينها الـــ82 عاماً!
وقد امتدت تلك الفترة الدموية: من 17 تموز/يوليو 1968 الـى 9 نيسان/إبريل 2003 عندما اٌسقِطت بغزو أمريكي مدمر للعراق ، وفر صدام حسين وأزلامه كل مبرراته للأمريكيين ، بسياستهم المتهورة وعنجهيتهم واستهتارهم بأرواح ملاين العراقيين وبالعراق نفسه ، والذي تحول بعدها بفعل مغامراتهم الصبيانية إلى بلد كسيح وفاقدا لأهليتهً ولجميع خصائصه الفريدة ، التي أهلته ليلعب أخطر الأدوار الحضارية والسياسية في التاريخ البشري ، سواء في الماضي البعيد أو القريب ، كقوة عربية محورية وكدولة إقليمية كبرى في إقليم الشرق الأوسط بأكمله ، والذي اختلت جميع موازينه بعد مغادرة العراق لموقعه ذك ، كقوة إقليمية ودولة عربية محورية مهمة ، واستثنائية ووازنة لعموم الإقليم الشرق أوسطي!

ولم يفقد العراق موقعه التاريخي المتميز بوضوح في التاريخ دفعة واحدة ، إنما على مراحل متعددة تسارعت بقوة ، بعد هيمنة صدام حسين وعائلته على دولة العراق بكل مواردها ومفاصلها الدقيقة عام 1979 ، وخوضه لحروب عبثية مع إيران والكويت ، ثم الغزو الأمريكي المدمر بذريعتهما!

وكان لكل مرحلة من مراحل فقدان العراق لأهليته ودوره المحوري في المنطقة ، علاقة وثيقة بحالة صدام العصبية والمزاجية ، وبنوبات متلازمة "داء العظمة" و "الكرم الحاتمي" ـ على الطريقة البدوية ـ والتي كانت تلازمه دائماً ، فيهب عندها من أرض العراق الوطنية ومياهه الإقليمية البحرية والنهرية ، ومن ثرواته الطبيعية ـ مجبراً كان أو مختاراً ـ ما يريد لمن يريد ، ويمنع ما يريد عمن يريد!!
وفي ظل وضلال تلك المتلازمة المرضية وملحقاتها العصبية والنفسية ، وهب صدام كثيراً من أرض العراق الوطنية ومياهه الإقليمية لإيران والكويت ، وحتى الأردن فقد منحها جزءاً من الأراضي الوطنية العراقية في أوائل تسعينيات القرن الماضي.. ولا نعلم بعد ما الذي منحه صدام لجيرانه الآخرين: تركيا والسعودية!

وقد ابتدأ كرم صدام حسين الحاتمي ـ على الطريقة البدوية ـ بمياه وأرض العراق الوطنية.. بــ:
 أــ بمنح إيران الشاه نصف "شط العرب" وأراضي هيلة وسيف سعد وغيرها ، وذلك بما سمى بــ "اتفاقية الجزائر" عام 1975 ، فبدلت إيران اسم النهر إلى "أرونـــد"(1) بدلاً من أسمه التاريخي "شط العرب".. لكن بعد خمس سنوات من تلك الاتفاقية المشؤومة ـ أي في عام 1980 ـ عاد صدام ليحارب إيران من أجل تحرير ما وهب من أرض ومياه العراق هو بنفسه لها ، في حين أن تلك الحرب في حقيقتها كانت بإيعاز أمريكي وتمويل خليجي ، بعد "الثورة الإيرانية"!

 تنازل صدام للكويت في "خيمة صفوان" ـ عام 1990 مجبراً ـ عن نصف مدينة أم قصر الباسلة ، التي صمدت صموداً بطوليا في وجه الغزاة الأمريكيين في حين سقطت بغداد في ظرف ساعات قليلة ، وتنازل أيضاً للكويت عن قاعدة أم قصر البحرية العملاقة وعن مياهها الإقليمية!
وبهذا التنازل تقلصت اطلالة العراق على مياه الخليج العربي إلى 60 كيلومتر ، وهي مساحة ضئيلة لا تكفي لمدينة صغيرة وليس لبلد كبير بحجم العراق ، وذلك بعد دخوله الكويت (فاتحاً) كقادة التاريخ العظام كما كان يتصور نفسه ، في حين أن البعثيين هم وحدهم في التاريخ من اعترف بــ "الكويت كدولة مستقلة وكاملة السيادة" عند انقلابهم الأول في شباط/فبراير من العام !1963! ، ومن دون جميع الأنظمة والعهود التي تناوبت على حكم العراق ، ثم عاد صدام ليعتبر الكويت "المحافظة التاسعة عشرة" ويحررها من "قارون القرن العشرين" كما كان يسمي أمير الكويت!

 تنازل صدام للأردن في أوائل تسعينات القرن العشرين الماضي ، عن جزء من الأراضي الوطنية العراقية بذريعة "تسوية الحدود بين البلدين" ، وتظهر الأرض العراقية المتنازل للأردن عنها على شكل جيب مربع صغير على الخارطة ، عند الحدود الفاصلة بين البلدين الشقيقين!!

 سمح صدام منذ ثمانينات القرن الماضي للأتراك ، بأن يصولوا ويجولوا في شمال العراق كما يحلوا لهم ، متنازلاً بهذا للغير عن جزء من سيادة الدولة العراقية ، التي يجب أن ببسط ولايتها الكاملة على جميع أراضيها الوطنية!

وبكل هذه التنازلات المشينة عن السيادة والمياه والأرض الوطنية العراقية للدول المجاورة ، تقلصت مساحة العراق كدولة وكوطن وتقلصت معهما مياهه الإقليمية البحرية والنهرية ، وبهذا تقلصت مساحة المناورة العسكرية والسياسية عنده ، ومن الطبيعي أن تقل تبعاً لهذا قدرة الدفاع عن البلاد وعن السيادة الوطنية ، وتقل تبعاً لها كفاءتها وأهليتها مستقبلاًّ ، للعب دورها الإقليمي المعروف في التاريخ وفي الواقع القريب!

فالعراق المعروف في التاريخ الحديث ـ بغض النظر عن تاريخه الوسيط والقديم ـ زمن الدولة العثمانية ، كانت حدود أرضه الوطنية تمتد على جانبي الخليج العربي وصولاً إلى مضيق هرمز ، وتضم كل مياه الخليج العربي ـ سكانه على ضفتيه هم من العرب ـ وشواطئه وجميع دوله ومشيخاته ، بما فيها مشيخة الأحواز وعاصمتها المحمرة التي ضمتها إيران إليها بالغدر والقوة الغاشمة في عام 1925 ، وأطلقت عليها اسم "خوزستان" !!
*****
في الحقيقة لا يستطيع أحد أن نحصي كل ما سببه صدام حسين للعراق من كوارث كبرى :
داخلية وخارجية توازي وربما تفوق تلك الكوارث التي تسبب بها الغزو التتري/ المغولي للعراق [عام -656 1258] والذي دمر العراق وحوله إلى حطام وأباد شعبه ، وكان عدد ضحاياه ((ألف ألف وثمانمائة ألف نفس)) ـ أي مليون وثمانمائة ألف عراقي ـ في بغداد وحدها(2) كما يذكر أبن شاكر الكتبي في حولياته ، بينما كان عدد ضحايا حروب صدام العبثية والغزو الأمريكي للعراق الذي تسببت به ، وضحايا الإرهاب والطائفية وغياب الدولة والفوضى الشاملة التي نتجت عنها جميعها ، يفوق عددهم ضحايا الغزو المغولي التتري للعراق ، مضافاً إليه ـ حسب بعض الاحصاءات ـ مليون أرملة وثلاثة أو خمسة ملاين طفل عراقي من اليتامى ، يملؤون مدن العراق ونواحيه وقراه البعيدة!

وللمقارنة بين تسبب به الغزو المغولي التتري للعراق ، وما تسبب به صدام حسين ونظامه له.. نقول:
 ــ لقد أعجز الغزو المغولي العراق لمدة سبعمائة عام متواصلة عن أن يكون بلداً مستقلاً ، وتناوبت خلالها على حكمه عشائر مغولية ودول إقليمية كتركيا وإيران.. والحال اليوم شبيه بالأمس ، فكل المهيمنين عليه الآن ـ والذين تسبب صدام بمجيئهم ـ والذين يتناوبون على حكم العراق هم جميعهم ، من "مزدوجي الجنسية" وحملة الجنسيات الأجنبية ، فهم بالتالي بحكم الأشخاص الأجانب وليسوا من أبناء البلاد الأصليين ، ومعظمهم تابعين أو خاضعين و أو مرتبطين بدول أجنبية ودول وإقليمية ، وقد أصبح العراق تبعاً لهذا بحكم الدولة التابعة أو المحتلة وليس بلداً مستقلاً ، وكامل السيادة على أرضه ومائه وسمائه وفي سياساته ، وفي بسط ولايته على كامل أراضيه ومياهه الوطنية ، وعاجز تماماً عن أداء أي دور وطني ـ داخل أو خارجي ـ وعاجز حتى عن إعالة نفسه ، بعد أن بدد صدام وهئولاء الفاسدين ثرواته الأسطورية وأغرقوه بالديون الخارجية والتعويضات المليارية ، لدول ودويلات وحتى لأفراد أجانب نتيجة لحروب صدام العبثية ولفساد هذه الطبقة السياسية ، التي جلبها الغزاة الأمريكيون معهم للبلاد ونصبوها على العباد!
لقد تسبب هذا المثلث الهمجي ـ صدام والغزاة والطبقة الفاسدة ـ بكل هذه الكوارث الشبيهة بكوارث الغزو المغولي الذي دمر العراق ، قبل هئولاء بسبعة قرون ونيف!!

 وكما امتد الغزو المغولي وتأثيراته الكارثية إلى بلاد الشام وبعض البلاد العربية في حينه ، امتدت تأثيرات حروب صدام الكارثية والغزو الأمريكي الذي جاء بذريعتها وتداعياتهما المتنوعة ، امتدت أيضاً ربما إلى أكثر مما امتد إليه الغزو المغولي بكل تأثيراته السلبية في حينه ، وصلت أيضاً تأثيرات حروب صدام والغزو الأمريكي الذي جاء بذريعتها ، إلى جميع الأقطار العربية بعد ذلك الغزو مباشرة ، وأغرقت جميعها ـ نتيجة للمشاريع الأمريكية المعدة سلفاً للمنطقة ـ في بحر من الدماء والطائفية والحروب الأهلية ، فتعسكرت مجتمعاتها وانتشرت الفوضى والإرهاب والتطرف الديني والمذهبي في ربوعها!

فكل هذه التأثيرات السلبية أدت تلقائياً وأوتوماتيكيا إلى عملقة الكيان وتغوله على العرب ، واجبارهم على الاعتراف به والتطبيع معه والخضوع لإرادته ، بعد ان فقدوا جميع عناصر تضامنهم ووحدتهم وقوتهم وتأثيرهم في محيطهم وفي العالم الخارجي ، وأصبح مصيرهم فعلياً وواقعياً وسياساتهم ـ الداخلية والخارجية ـ بيد القوى الكبرى والأجنبية ، وليس بأيديهم هم!!

فكل تلك التأثيرات السلبية وهذا الوضع العربي المخيف ، أديا بدورهما إلى صعود دول الجوار إيران وتركيا ، ونهوضهما كقوى إقليمية كبرى ، وكقوى سياسية واقتصادية وعسكرية حيوية قوية وقاهرة في المنطقة العربية ، وتلعب أدواراً فاعلة في الإقليم وفي شؤون أغلب الأقطار العربية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ:
1) لقد وقع إعلام العراق بفخ إيران وسمي شط العرب بالتسمية الإيرانية "أرونـــــد" في مؤتمر ملتقى دجلة والفرات للربط البحري والبري والجوي بين طهران وبغداد .. (إيلاف) الأربعاء31 ديسمبر 2014 .
2) كتاب "عيون التواريخ" الجزء العشرون : لمحمد بن شاكر الكتبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية