الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر اليمين السياسي في امريكا واوربا

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2019 / 3 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


العنف فكرة وممارسة مرتبط بكل المجتمعات والحضارات ,وهو مدان ومستنكر .. لكن الجديد هنا هو العنف المصنًع سياسيا وهذا الامر ايضا عرفته بعض المجتمعات في مراحل مختلفة من تاريخها في اطار الصراع على السلطة او في حالات الكولونيالية التي اسست لنزعة احيائية بعض من وجوهها تمحورت حول العنف ..اليوم نحن ازاء جماعات وتنظيمات تأسست وفق اجندة مخابراتية وتتغذي من اطروحات اليمين السياسي المسيحي واليمين السياسي الاسلامي والمقصود هنا جماعات العنف وليست تلك التي تعمل بالسياسة ، والناظم الرئيسي للعنف الممنهج في الخمسين السنة الاخيرة الحكومات الغربيية بريطانيا وامريكا ومعها دول اقليمية تتوزع عليه الادوار في اكثر من مكان ..
وهذا لايمنع من حدوث عمليات قليلة وفق دوافع فردية تتم هنا وهناك ..هذه الجماعات المنظمة تستفيد من سياقات ذاتية وموضوعية ترتبط بحالات الصراع السياسي والظروف الاقتصادية ومن الموروث الثقافي والمنتوج الفقهي وهذا الاخير يتم توظيف بعض نصوصه لصالح جماعات العنف والتطرف من اجل تبرير سلوكها وشرعنته . مثلما اعلن ذلك تنظيم داعش .وفي الغرب ايضا جماعات تشرعن عنفها بنصوص انجيلية او لقيادات دينية مختلفة ..
والاكيد ان هذه الجماعات والممارسات ليست عفوية بل تمارس عمليات ممنهجة تنظمها جهات تسيًر الافراد وتدفع بهم الى الواجهة وفق ترتيب محدد لمكان وزمان ممارسة العنف . ولما كانت الادارة الامريكية قد اعلنت بداية الالفية ان الارهاب هو العدو الرئيسي .. اليوم يتم تنويع الارهاب وجماعاته وتنقلاته خدمة للاهداف السياسية ..ومنطقتنا العربية فيها من العنف الكثير غالبيته كما في القاعدة وداعش تمت صناعته امريكيا ..والعنف وكل عمليات التطرف مدان وتوصف بالارهاب من اي فرد او جماعة ..
لكن بشكل موضوعي يبدو ان بعض الجماعات التي تمارس العنف تنحرف بعملياتها وستصحوا يوما اوربا كما مجتمعاتنا على هزات عنف غير مسبوقة تاريخيا ربما تفوق ما حصل في تدمير البرجين في نيويورك ....اليمين السياسي الغربي ستكون ممارساته قوية تجاه المهاجرين في السنوات القادمة وما لم يتم حل بؤر النزاع والعنف في مختلف دول العالم فان الارهاب المنظم والممنهج سيكون هو السائد في اطار عمليات متبادلة بين الغرب المسيحي والشرق الاسلامي ومن هنا تكون الدعوة للاستقرار ودعم حضور الدولة المدنية والثقافة المدنية واحترام التعدد والتنوع الثقافي والديني في سياق حضارة عالمية تعزز المشتركات الانسانية بينها ..؟
وقد قلنا سابقا ان اليمين السياسي الامريكي والاوربي يشكل السياق المولد للعنصرية والحملات الارهابية ضد المهاجرين من خارج اوربا وشرعنة ذلك كما في التعبير المباشر وفق قرارات الادارة الامريكية اخرها الاعتراف بسيطرة اسرائيل على الجولان ومن قبلها القدس مع العلم بوجود قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد وضع القدس والجولان تحت الاحتلال ولاتقر لاسرئيل بالسيطرة عليها مما يعني انها محل حوار سياسي تم تأجيله ليكون ضمن مسوغات الحل النهائي ..اذا هذا اليمين السياسي المسيحي العنصري يعزز من النزعات العرقية تارة والدينية تارة اخرى ويظهر على المستوى العملاني من خلال ممارسات ارهابية اخرها جريمة المسجدين في نيوزلندا ومن قبلها اكثر من حالة داخل اوربا . ودون تصاعد هذا التيار الشعبوي الدعم لممارسات مناوئة للمهاجرين والصدام معهم كما في فرنسا وهولندا والمانيا وداخل امريكا ذاتها ..
هذا التيار اليميني يعيد انتاج الشمولية الفكرية كما تجلت في الفاشية والنازية في النصف الاول من القرن الماضي ..وقد عبرت عنها جماعات النازيون الجدد او الهولجنز وهؤلاء يجدون في اليمين السياسي سندا شعبيا ومؤسسيا بل وشرعنة الممارسات الارهابية وفق قراءة تاريخية لا تريد تجاوز صراعات الماضي بل تعيد انتاجه ليكون مولدا لحركات وممارسات ولتعبئة فكرية يراد منها تأجيج الصراعات على خلفية ثقاقية وحضارية ودينية وهو الامر الذي عنه الكاتب الامريكي صامويل هنتجوتون بكتابه صدام الحضارات واثار مخاوف جمة من المهاجرين في كتاب اخر عن الهوية الامريكية وهو هنا يعبر عن الادارة الامريكية وبالتحديد عن الاستراتيجية العسكرية والمخابراتية التي بحثت سريعا عن عدو يبرر استمرار عسكرة المجتمع ودفع الضرائب دون مسائلة من المواطنين خاصة وان هذا الفكرة اعلن عنها عشية انهيار القطبية الثنائية وغياب المعسكر الاشتراكي حال تفكك الاتحاد السوفييتي ..
ومن اهم المخاطر في هذا السياق ليس ظهور تيار متطرف في أمريكا واوربا فحسب بل توليده لنفس التيار المقابل في المجتمعات خارج اوربا لتمارس الثأر والانتقام مما يعزز من استدامة الارهاب ومعه بؤر النزاع والصراعات داخل اكثر من مجتمع كما نشاهدها ونعيشها اليوم في منطقة الشرق الاوسط ..هنا امريكا واوربا تتخلى تدريجيا عن اسس ومرتكزات تشكلها الحداثي وفق الفلسفة الليبرالية كما تجلت في الفلسفة السياسة التي ترافقت مع الثورة الصناعية والاصلاح الديني في القرن الثامن عشر وكانت مثار اهتمام الكثير من الدول خارج اوربا ...
اليوم تتخلى اوربا عن صورتها الكلاسيكسية الليبرالية ليغزوها اليمين المتطرف الامر الذي يشكل جملة مخاطر على اوربا ذاتها وعلى المجتمعات خارج اوربا بفعل العولمة وقدرة الرأسمالية الغربية في تعميم نماذجها وتكنولوجياتها بل وجعل العالم متداخل في العلاقات والتفاعلات الامر الذي يتطلب منظورا عقلانيا في التعامل السياسي والحضاري وفق نزعات وطنية وقومية وحضارية متعددة ومتنوعة يجب الاقرار بها داخل كل مجتمع ضدا من النزعات الاعلائية التي تفاخر بالاصول العرقية لتقلل من الاخر بل وتحقره . هنا يمكن القول لامجال عن الاقرار بالمجتمع المفتوح الذي يحتضن كل التعدد والتنوع وينظر اليه كقيمة حضارية ثرية تفيد المجتمعات في تطورها ويفيد الحضارة العالمية والخروج عن هذا المسار يؤسس لمرحلة من عدم الاستقرار وتعميم الارهاب بكل صوره وممارساته مما يشكل انتكاسة كبيرة للحداثة الاوربية ومعها الحداثات الناشئة خارج اوربا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من إدارة الطيران الأميركية بسبب -عيب كارثي- في 300 طائ


.. استشهاد 6 فلسطينيين بينهم طفلتان إثر قصف إسرائيلي على منطقة




.. كيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي على إعلان القسام أسر جنود في ج


.. قوات الاحتلال تعتقل طفلين من باب الساهرة بالقدس المحتلة




.. شاهد: الأمواج العاتية تُحدث أضراراً بسفن للبحرية الأمريكية ت