الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصائص العبور الجزائري الجديد و كيف نحافظ عليه

أحمد التاوتي

2019 / 3 / 26
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


نحن اليوم نوافي شهرا من عمر العبور الجزائري الجديد:
- ندخله بأدوات العصر الجديد، التكنولوجية منها و السياسية و المعرفية معا.
- هدفه المعلن - كمصطلح متاح - تغيير النظام. و حافزه الفعلي تطوّر الوعي.
- تيار جارف يدين السلوكيات القديمة في ممارسة السياسة و التسيير و التفكير.

إذا حلّلنا كل واحدة من تلك الأدوات، تتضح لنا طبيعة الخصائص.
و إذا حلّلنا الهدف المعلن و الحافز الفعلي، نعرف كيف نحافظ عليه.
و إذا فهمنا الخطاب الحقيقي لذلك التيار، فهمنا كيف نحن مسوقين في رحلة العبور إلى طور جديد و ليس إلى مجرد جمهورية جديدة.

1) الوسائط التكنولوجية كانت عاملا فعالا في تكوين وعي تراكمي عفوي ثقافي مفتوح على الثقافة الكوكبية لشباب عشريني و ثلاثيني.. تمّ ذلك من خارج مؤسسات النظام (المدرسة و الجامعة و مؤسسات التكوين) و على غفلة من الشعب ( الأسر و العائلات و الجوامع و العروش).
الأدوات السياسية كانت غير نظامية، مما حافظ على أفقيّتها الصارمة، منبثقة عن عفو الشارع الزاخر بصور و مساءلات يومية للسياسي الرسمي أحالته إلى مادة كاريكاتورية بامتياز على مدى عشر سنوات مضت. و هذا ما جعلها تستعصي على السماح بأي تمثيل أو وساطة.
الأدوات المعرفية كانت عبارة عن عودة بالتفكير و التفسير إلى البديهيات الأولى في تقييم السلوك السياسي و التعامل مع الشأن العام.. مما فعّل المادة الدستورية، و لأوّل مرة منذ تحرير المكان، القاضية بأن الشعب هو مصدر السلطة، و ليست مُهَرّبات سينما ماجستيك ( الأطلس حاليا) أو دبّابات وجدة.

يتضح من هنا بأنّ خصائص هذا العبور ثلاثة:
• العالمية.. رهان ثقيل تنوء به الجزائر مستقبلا.
• اللاسلطوية.. آخر أحلام الثوار غير المحقّقة إلى اليوم.. و لعله رهان آخر يضاف إلى أعبائنا مستقبلا.
• القطيعة المعرفية سياسيّا ( فور التفاف السلطة على نفسها)، ثقافيا ( فور استقالة المدرسة) و اجتماعيا ( فور استقالة الأسرة.

2) كمصطلح متداول في جميع أدبيات الثورات نجد كلمة " تغيير النظام". و هي كلمة، حسب رأيي المتواضع أقل بكثير من قامة الحدث الراهن إلا إذا عنينا به الدولة ككل، سلطة و شعبا و مجتمعا و مؤسسات. و في هذه الحالة يكون المصطلح الدقيق هو "تغيُّر" النظام و ليس "تغييره".
من جهتي، أميل إلى توخّي مصطلح تغيّر النظام... بدأ التغيّر من القاعدة، و تدرّج نحو الأعلى حتى غمر المعارضة، ثم الائتلاف ثم السلطة نفسها. و لا بأس بتقرير ذلك ما دمنا نرصد معطى موضوعي في السياسة يتجسد على الأرض و إن على مستوى التصريحات. مع حفظ الفارق – كضرورة تحليلية لمن أراد التعمّق - بمراعاة الحوافز و النوايا و الخلفيات في كل مستوى على سُلّم جميع الشرائح و دوائر نفوذها المتصاعدة نحو الهرم... إذا بقي – بطبيعة الحال- ثمّة هرم.

قبل اليوم، كان الناس جميعا يفكرون تحت سقف واحد..،
مسؤول ساخط لعدم توفّر قطاعه على مشاريع "كافية" للإنجاز و التجهيز.
زوجة ساخطة لعدم توفّر زوجها على "القفازة" اللازمة...
ابنٌ ساخط على أبوه لعدم توفّره على "المرونة" اللازمة...
ينتقل المسئول تحت ضغط زوجه و ابنه إلى قطاع آخر لتشرب بلديته من المشاريع و الإنجازات حتى يرتوي.
يجيء يوم الحسم.. ينخرط الشاب في الحراك.. يبتهج لزغاريد أمه على الشرفة.. و يلعن أبوه...
ثم في نهاية الأمر ليس للأب من خيار إلا أن ينزل، أو يصعد ؟ إلى الحراك.
هذا المثال لا يصف الجميع.. و لكن للقارئ تصوّر أمثلة جنيسة لا حصر لها تصف وضعيات و حالات أخرى عديدة و متشعبة تشعّب المجتمع نفسه.
و بدأ من اليوم، ينتقل المجتمع إلى التفكير تحت سقف مختلف جديد. فالتغير طرأ على مستوى تقييم المواقف و ليس على مستوى المواقف. فهو فكري ثقافي على مستوى الوعي الجديد أكثر منه سياسي على مستوى تسيير الأزمات.. و هو سياسي على مستوى الاجتهاد أكثر منه قانوني دستوري على مستوى الضبط النظامي.

و الانتقال تمّ دفعة واحدة.. كتلة واحدة تغيّرت.. و لحسن الحظ لم يحدث أن ظهر بصيص و لو يسير من الانقسام في هذا الحراك.

و الحفاظ على هذا التغيّر الجماعي و الإمعان في ترسيخه، يتجسّد بالنظر إلى المستقبل و عدم الالتفات إلى الماضي، و نبذ جميع الحساسيات العرقية و الإيديولوجية و الجيلية التي أضحت اليوم جزءا من الماضي.




3) معاينة، و بدون تحليل، ندرك سلمية المسيرات التي عمّت الوطن ، منادية برفض عهدة ثانية لأولي أمر، و أهل حلّ و عقد، حصروا الأمر شورى بينهم... باعتبار هؤلاء، كيفما كانوا سلوكا أو اتجاها، ليس بمقدورهم الخروج عن خصائص ثقافة لا تزال تصنعنا و تحدّد مزاجنا و تفكيرنا. و لذلك بقيت إلى وقت متأخر نسبة غير قليلة من الشعب تؤيدهم لأنهم، لم يحيدوا بسلوكهم السياسي مهما كان فاسدا و متعسفا عن مقتضى ثقافة الشارع التقليدي الذي يأمر بالمعروف السائد و المتفشِّي، و ينهى عن المُنكر غير المعروف، أي الجديد أو المُبْتَدَع.
طبيعة الاحتجاج اليوم، مفصلية.. أي تبشر بقطيعة و ليس بمجرد تغيير. ينوء بها المجتمع وحده، بدون وصاية. و لذلك أسباب أثبتناها في مقال: طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري.http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=316171
لو نادت الاحتجاجات كما في السابق بشكل دولة ما، لقلنا بأنها إيديولوجية. و لقد نادى بها اليوم فلول من العصر السابق، و وجدوا أنفسهم على الهامش.
لو نادت بالزيت و الخبز، لقلنا بأنها اجتماعية.
و لكنها نادت هذه المرّة بشيء واحد فقط.. هو لا للاستغباء.
و هذه أولى فريدة منذ 1962 ينتفض بها الشعب الجزائري، تتعلق بطبيعة خطاب السلطة و بسلوكها السياسي في تعاملها مع القضايا الحيوية و المصيرية في العلاقة بين السلطة و المواطن.
إرهاصات قطيعة إذن، مع أسلوب تفكير.. أكاد أجزم بأنها ثورة ثقافية.. و ليست سياسية أو اجتماعية. هي ثورة ثقافية طبخت على نار هادئة منذ الانفتاح على العالم من خلال الفضاء السبراني، أجبرت أولياء الجيل الناشئ على الاستقالة من مهمة التربية، و أجبرت المدرسة على الاستقالة من مهمة التكوين، فكان أن عرف الشباب أنفسهم في من بسط لهم يده بأدوات العصر و بملمح "السبايدرمان" الجديد.
تشابكت القراءات حول تفسير ما يحدث.. و لكنها جميعا لا تخرج عمّا صادف و خدم مجلس الشورى الأوليغارشي سابقا، و الإنقاذي حاليا... هناك من يتكلم عن حكمة و سابق توجيه. و للإنصاف، أرجح بأنها مجرّد صيرورة عوامل و مؤشرات رديئة أدت بمنطق الالتئام الطبيعي العفوي للجراح بأن يستتبّ الأمر على هذا النحو أو ذاك. فليس في الأمر أي تخطيط أو استراتيجيا أو ذكاء كما لا تزال توحي تسبيحات الفلول.
لماذا لا توجد قراءات تخدم المستقبل.. تخدم الحياة؟
لأن القراءات في معظمها ليست من الشارع.. الشارع في حراكه.. يشقّ طريقا لا يقرؤها. يحسن الذهاب إلى هدفه، و لا يحسن الإرشاد إليه.
سوف تتصارع المصالح على مستوى أجنحة القرار... بعيدا عن الشارع الذي تغضبه لغة الخشب.
و سوف تتصارع الايديولوجات على مستوى المتعلمين و السياسيين... بعيدا عن الشارع الذي تجاوز الهالات المقدّسة.
و سوف تتصارع الجهويات و العرقيات على مستوى "الواب المظلم" إذا جازت الاستعارة... بعيدا عن الشارع الذي يريد أن يتنفس هواء نقيّا.
و لقد جرى تقليدا أن يستخدم الصراعُ الأوّل، الصراعين، الثاني و الثالث.
و أن يستخدم الصراعُ الثاني، الصراعَ الثالث.
و في الأخير يغور المتصارعون.. و تعانق الجزائرُ قدرها منتصرة نحو عصر جديد.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة ثقافية
صالحي ( 2019 / 3 / 27 - 20:19 )
نعم انها ثورة ثقافية وان لم يصرح بها المتظاهرون

اخر الافلام

.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك


.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة




.. نائب رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا رد إسرائيل الرسمي على موق


.. لحظة اغتيال البلوغر العراقية أم فهد وسط بغداد من قبل مسلح عل




.. لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب