الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فك الخط !..

يعقوب زامل الربيعي

2019 / 3 / 28
الادب والفن


فك الخط !
قصة قصيرة..
.................
لم أفكر، كما ينبغي، حين طلب مني الإذن ليرحل، ووافقت على طلبه. فقط كان هناك شيء ما في رأسي. قد يكون أدرك أن عليه ملاقاة ما يود اللقاء به. وأن ممانعتي له، أو عدم قبولي، سيعتبرها حماقة، أو تجنًّ على رغبة إنسان، يحاول أن يتحرر، ولو لوقت ما.
صحيح، أنا وهو، صنوان في التفكير، والرغبة بتحقيق ما نريده، لكننا أحيانا على النقيض في الاستطاعة للنظر إلى دائرة الضوء، أو الطريقة الأفضل، للتأمل كي ندرك هذا الضوء، كما علينا تعلم سر الحروف لفك الخط بسلاسة.
في الأيام التي كنا نجتمع سوية، ونحن يُلمعّنا ضوء شاطئ روحينا، نتلمس اصابع بعضنا، كما طفلين، يوشكان على البكاء.
في اليوم الذي ألمح لي قائلا: " أن السحر، يكمن في ضوء القمر. وأن ما نراه من سواد الليل، ليس سوى تصور مسبق لحقيقة، من أنه لابد هناك شيء عكس ما للنهار من ضوء. وأنه لابد من ضوء، مقابل هذا السواد. لكن عدم ادراكنا له، هو بسبب قصورنا على أدراك الحقيقة، ليس إلا ".
وأنا أبدو فاغر الفم، كان هو كالأعمى، يحاول تلمس ضوء الشمس. الهموم تلاحقنا. لكننا، تائهان، وكاللذين يفقدان طريقهما في المدينة المكتظة، كنا نحتاج للقراءة والكتابة، لنستدل الطريق، إلى بيتنا.
للمرة الأولى، وأمام وجهه المبتسم، وإدارته النشيطة لما يريد تحقيقه، أطلقت بوجهه ابتسامة لمرة أو لمرتين، كأن لا بد منه، ليدرك أنني موافق على ما يريد، وأن لا بد من توقيعي في ذيل الطلب، فكانت تلك ابتسامتي.
في تلك الليلة، مددت ساقيَّ، تحت المنضدة، كان عليّ أن أفكر، بأني لست حجرا، إنما ضيق، يتشنج رويدا، ليتخذ هيئة طين أحمر.
لهذا، عندما رأيته ينهض من مجلسه، وقبل أن يخرج من الغرفة، أن ما خطه بقدمه، على السجادة، قد يكون بضعة كلمة مهمة.
دون أن يرفع رأسه إلى وجهي، إكتفى بأن غمزني بطارف عين، وكأنه يزيح ما كان أشد غموضا، ليتابع طريقه صامتا. ودون أن يغلق الباب خلفه، وقبل أن يبتعد قليلا، رأيت رأسه متعبا.
الساعة المذهبة، وأنا أتأمل بقية ظهره، كانت تشير إلى الحرية بوجهها الزمني الجديد. وأن قطعة النقود التي سقطت توا، كانت في ذروة اختيارها الجديد. لأن سقوطها لم يكن مجانيا، حين سقطت على هذا الوجه دون الوجه الآخر. عندها شعرت، أنه حتى للهواء وجه وقفا. وأن الكلمة مجموعة حروف.
في حلقة ذلك الطعم الخمري، كان ثمة حياة، تمشي باستقامة دون أذن من أحد. وأنها تمضي حيث نفسها.. حيث اسرتها التكميلية، وأنه لتحقيق هذا، كان لابد أن تبلغ وجهها الآخر.
وكمن ينحصر في ناحية من عمقه، كنت احتفظ بثمة رصيف، اتجاوزه لحظة أختنق بالبكاء. كنت بحاجة للقدرة على فك رموز الحروف، لصوت قطار يقطع صمت المحاور الخرساء، يفك بها الخط، لأدرك لماذا، الرطوبة تجعل جسدي رديئا.
كل هذا حين أقف عاجزا، أمام هذا الصندوق الصغير، المخبأ بقلبي.
أنحصر تفكيري كله، أنه لابد من قراءة ما كتبه صنوي بقدمه على السجادة قبل رحيله. ليس بدافع تمضية الوقت وحده، حين اصبحت وحيدا، وليس لأني كنت أتأمل الموقف كهاوٍ، يعدّ ما وقع الآن مجرد مزحة، أو حماقة طيش صنو، تصور الحقيقة في مكان ما، عليه بلوغه قبلي. لكنما أن عليَّ، أن أضع يدي على تلك الحقيقة التي تحتاج لتبصر، لمعرفة كنه الصندوق الصغير المذّهب.
كان عليّ، أن أكتشف ما خبأه، قبل أن يحكم حقيبته الصغيرة. كأنه حين دس في حقيبته، لحظة توقفت عن مراقبته، شيء أكثر ضرورة، أو لحظة كتب ثمة كلمة بقدمه على السجادة الهشة، كان يعدُ لنفسه وجبة قناعة، أشبه بالذي تحدثه المفاتيح في الاقفال أيضا.
ربما كل ما فعله، قبل أن ينزع جسده مني، أنه أسقط آخر حيراته، وتردداته، وقد يكون أيضا، بعض من ندمه، ليشق دون استسلام، طريقه الخاصة. مثقلا بالعلامات والمواعيد، وبالأفكار المستقبلية، تلك التي عليها، أن تكون رفيقته.
عندما هبطت الدرج، وفتحت باب الغرفة، وقفت أمام الاريكة التي كثيرا ما جلسنا عليها، ونحن أمام المدفئة الصغيرة، طوال ليالي الشتاء. وعندما تناهت رائحة ما فيها، تذكرت أشياء لا تنسى.
الرائحة التي تدحرجت من سرير النوم، حملت حميمتها الثمينة. كانت واثقة، كما الشجاعة، تلك بقايا أنفاسه، ورائحة الكبريت، وما تركته رائحة دخان سجائره على الوسادة والغطاء، كأنها محظية لا يمكن العثور عليها خارج دفء الفراش. كل الروائح، كأنها في تموج، هزيل، وأسمر.
وأنا أتنشق بقايا نومه، تبللت عينيّ بدموع ساخنة. كنتُ حزينا، على جميع من يذهبون بغموض عذب. شيء ما يشبه بطاقة بريد قديمة، عادت وحدها من حرب قاسية، لأنها لم تجد من يفك ما خط عليها، وبعد سقوط من بعثها، قتيلا، بلا سبب، أنه لم يكن راضيا بخوضها أبدا.
ــ " أيه صنوي الحبيب، يا حبي الكبير، لِمَ تركتني، مشتعلاً، كإكليل من نار. حيث لا استطيع أن أفعل شيئا. وكأنني صريع حجرٍ قاس"
كنت، أقرب لكيس من قماش مبتل، أدب على أربعٍ. أتلمس ما حولي، علنيّ، أعثر على رباط ، أضمد نفسي.
من تحت الغطاء، أنسلت قدمين حافيتين، تخطتا على بلاط الغرفة. كنت هناك ألصق عينيّ في فجوة الجدار، وكأن قلبي سيثبُ من صدري .
سمعت صوتا، يدفع الهواء دفعا من بين رئتيه، يتناهى من مكان ما وراء الجدار:
ــ " ماذا؟.. أتود أن نكمل حديثنا، أخي "؟
ــ " نعم أخي، هل نقدر على هذا، ثانية"؟!
أحيانا، لا أود مجادلة صنوي، لهذا وبلا ترددٍ، اندسست تحت الغطاء، مددت ذراعي على الوسادة، كي أجعلها مع الوسادة تحت رأسه.
أحساس نبيل، يدور في الغرفة. وشيء ما، كان يسيل.. يتداعى تحت نعومة وجوده. شيء يتضور جوعاً لضمة حنان. ومن جديد تناهى صوته متشنج العبرات:
ــ " كل ما اردت قوله لك، تركته في الصندوق الصغير ".
كان الظلام شبه تام. وثمة قميص مفتوح على مصراعيه، تكتنفه رائحة قش مبتل. وفي الخارج ثمة خطوط حديدية، وحافلات محملة بالهواء وبالأنفاس، وعائلات تتناول القهوة بالحليب، وأطفال ترتفع صيحاتهم نحو الفضاء، كما دوامات ضحك أبيض.
الحلم، لم يكن مجرد فراغ، ولا كما يرى في الاحلام، كأن مستمرا، في الضجة وفي الهواء البارد، وأيضا في صورة التخطيط التي أخذوها لقلبه.
فقط نافذة رمادية، كانت تطل على اربعة حواجز، وقلب كصندوق صغير، لم يعد سجينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك


.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??




.. رقم قياسي في إيرادات فيلم #شقو ?? عمرو يوسف لعبها صح??


.. العالم الليلة | محامية ترمب تهاجم الممثلة الإباحية ستوري دان




.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا