الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنطون سعادة، ومشاريع الوحدة العربية

علي طه النوباني

2019 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


العمل السياسي في هذه الأيام في البلاد العربية أيضاً محكوم بالموضة والتقليعات. وها هو طيف واسع من شبابنا في بلاد الشام يتوجه نحو "الزعيم أنطون سعادة" متباهياً بانتسابه للحزب القومي السوري الاجتماعي، وبعض هؤلاء الشباب يكتفون بقراءات مقتضبة هنا وهناك دون مقارنة وتمحيص، ودون معرفة أبرز الحقائق التاريخية في المائة عام الأخيرة على الأقل، وأبرز معالمها ومحكاتها التي تكشف المؤامرات والدسائس والحروب، وكيف حدثت.
يتضامن مع هذا الواقع البائس عوامل عديدة أبرزها المحاولات الحثيثة لإعادة كتابة التاريخ بما يتناسب مع مصالح النخب الحاكمة، وبواسطة مؤرخين باعوا ضمائرهم بأرخص الأثمان، وعدم توفر الكتب التي تروي الحقائق بسبب قوانين الملكية الفكرية حيناً، وحجب ومنع الكتب أحياناً أخرى من قبل النخب الحاكمة التي تتعارض مصالحها مع الحقيقة، ويضاف إلى هذه العوامل تَصدّر عدد كبير من مدّعي الثقافة المزوَّرين للوجوه السياسية والحزبية والذين لا يقومون بتوجيه الشباب وتعريفهم بالغث والسمين.
يقول أنيس صايغ:[i]
"إن الفروق الحاصلة بين مشروع وحدوي وآخر غير مهمة كثيراً، من الناحية التقييمية ، إذا كانت لا تتعدى الفروقات في حجم الدولة ومركزيتها ، ما دام المشروع ينبثق عن إرادة الشعب ويرتبط بوجوده وبرضاه ويعتمد الوسائل التي لا تتعارض مع إرادة الشعب ورضاه ، ولا تخرج أهدافه البعيدة عن المطاليب القومية السائدة . أما إذا خالف مشروع وحدوي ما هذه القاعدة الأساسية فإنه يبطل أن يكون مشروعا قوميا أصيلا، مهما كانت رقعة الأرض التي يعمل على توحيدها ومهما كان شكل تلك الوحدة. يخالف المشروع الوحدوي هذه القاعدة الأساسية حينما يمثل إرادة أجنبية ما، أو حينما لا يحوز رضي أغلبية الشعب ، ويستخدم وسائل معينة لا شرعية وغير مقبولة (كالكبت ، والدس ، والخداع ، والسرية غير الضرورية ) ويقصد منه خدمة اغراض و مصالح غير قومية ، فردية او أجنبية او عنصرية او عائلية او إقليمية أو طائفية".
يأتي صايغ بعد هذه الفلسفة الرصينة لفكرة الوحدة بحديث عن سلسلة مقالات نشرها أنطون سعادة في جريدة كل شئ سنة 1949، تتضمن وضع فكرة وحدة سوريا في مواجهة الوحدة العربية بدلاً من أن تكون مكملة لها، ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يتطابق موقفه مع موقف الإنجليز والصهاينة في العداء لمصر والوجود المصري في الشق الآسيوي من الوطن العربي[ii]، يقول أنطون سعادة:
" لم يجتمع العالم العربي أمة واحدة في فلسطين، كما كان يزعم السوريون العروبيون. وقد ظهرت في فلسطين حقيقة الواقع أنّ العالم العربي أمم لا أمة. ومن وراء هذه الحقيقة المؤلمة لغير المخدوعين وللمخدوعين المستيقظين، أنّ مصر كانت نظرياً، تحارب مع السوريين ضد اليهود في حين أنها كانت، عملياً، تشاطر اليهود احتلال أرض سورية. فاستولت على منطقة النقب الغنية بالنفط والإمكانيات العمرانية، وعلى هذه المنطقة جرى أخيراً النزاع بين اليهود ومصر وتجري اليوم مفاوضات السلم بين مصر وإسرائيل!"
ومع معرفتنا الأكيدة بأن مصر قد حاربت في 1948 بشجاعة ونخوة عربية أصيلة، وأن خطاب الزعيم سعادة هذا منافٍ للحقيقة التي يؤكدها المؤرخون، فمصر كانت مع تحرير فلسطين والخروج منها، وترك شأن تقرير شكل الدولة الفلسطينية للفلسطينيين بما فيها خياراتهم الحرة للوحدة مع أي كيان عربي آخر، وليس أدل على ذلك من ضغط مصر لتشكيل حكومة عموم فلسطين التي كان من شأنها إعلان دولة فلسطينية في الجزء المتبقي بعد النكبة وتعزيز القدرات النضالية للشعب الفلسطيني لاسترجاع وطنه السليب.[iii]
ويذهب أنطون سعادة إلى أبعد من ذلك عندما يستهتر بفكرة العروبة والوحدة العربية معتبراً أن الوحدويين مرضى نفسيون، وأنَّ الوحدة العربية ضرب من الجنون حيث يقول: [iv]
"لم يخامرني قط شك في أنّ العروبة ـ عروبة "الوطن العربي" الممتد شريطة طويلة ملتفة ومتمعجة على شواطىء غرب آسية وشمال أفريقية، وعروبة "الأمة العربية" الموجودة في جماعات مختلفة الأجناس المتفرقة والبيئات المتباعدة والنفسيات المتباينة، وعروبة "المجتمع العربي" الذي تنقصه كل خصائص المجتمع الصحيح الحي الفاعل وكل عوامل الاتحاد الاجتماعي وعروبة الأربعين أو الخمسين مليون عربي ـ قضية خاسرة في سورية، مضيعة لكل مجهود تقوم به الأمة السورية لحفظ كيانها ووطنها وتحقيق مطالبها في الحياة. وقد جزمت، بعد درس نفسية العروبة المذكورة في سورية ـ نفسية "القومية العربية" ـ في أنها مرض نفسي شووّه العقل السوري والإدراك والمنطق. فلما وضعت تعاليم الحركة القومية الاجتماعية ودعوت الأمة السورية إلى وعي حقيقتها ووحدة حياتها ومصيرها، كان رد الفعل عند مرضى العروبة من نفس نوع رد الفعل عند جميع المرضى النفسيين الميَّالين إلى الوساوس والهياج. فكانت تلك الموجة الأولى من النقمة الرجعية على بعث القومية السورية ـ على وعي الوجود السوري والحقيقة السورية وأهداف الحياة السورية!"
ألم يخطر ببال سعادة أن يتساءل في ذلك الحين: كيف تسنى للولايات المتحدة أن تتوحد وتصل إلى ما وصلت إليه من قوة على الرغم من تنوع الأعراق فيها والثقافات، وماذا عن روسيا ذات السبعة عشر مليون كيلومتر، والبرازيل التي استقبلت كل ثقافات العالم بما فيها اللبنانيون؟
ويتبين من المقالة التالية لأنطون سعادة أنَّ ضجة واسعة من النقد قد وجهت إليه، فيدعي أنه إنّما يجعل وحدة سوريا خطوة نحو وحدة عربية شاملة، وأنه لا بدّ لسوريا الطبيعية أن تقود الوحدة العربية بادئة بتوحيد نفسها لأنها – حسب زعمه – الأقدر والأكفأ[v]،وأية وحدة هذه التي تبدأ بوصف الوحدويين بأنهم مرضى نفسيون، وترتب أطراف الوحدة طبقياً بحيث تجعل من سوريا الطبيعية الطبقة العليا في البلاد العربية.
تأتي تنظيرات سعادة بلغة فوقية متعالية تنكر وجهة نظر الآخر تماما، بل تقدم نفسها على أنها تعاليم مثل تعاليم بوذا وكونفوشيوس، بما يتنافى مع فكرة التوحيد أو الوحدة التي تتطلب احترام الآخر وقبوله والتعاون معه، وكيف يكون الأمر إذا كان هذا الآخر هو الشعب العربي في مصر والمغرب العربي الكبير الذين لم يتخلوا عن قضايا العروبة في أحلك الظروف. ولست هنا في معرض سرد تلك المواقف، إنما أرجو من الشباب العربي أن يقرأ كثيراً، وأن يعرف من يكتبون التاريخ ممن يزورون التاريخ قبل أن يطلق أحكامه.
-----------------------
[i] الهاشميون وقضية فلسطين، أنيس صايغ، ص291، منشورات جريدة المحرر والمكتبة العصرية، صيدا – بيروت 1966
[ii] المقالات منشورة على موقع أنطون سعادة : http://antoun-saadeh.com/، عنوان المقالة: العروبة أفلست!
[iii] لقراءة المزيد راجع: الهاشميون وقضية فلسطين، الفصل التاسع، ص251 . وكتاب كارثة فلسطين لعبد الله التل، دار الهدى، 1959، 1990،
[iv] المرجع السابق.
[v] المرجع السابق، منشورة على موقع أنطون سعادة : http://antoun-saadeh.com/، عنوان المقالة: حاربنا العروبة الوهميّة لنقيم العروبة الواقعيّة!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي