الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصرار و الترصد

عبدالله البقالي

2006 / 4 / 27
الادب والفن


إلى العامل المغربي المهاجر الذي حكم بثمانية عشر سنة سجنا بسبب لونه الاسمر.
يوم ضاقت رحاب الوطن من أن تسع حلمه البسيط، ركب البحر. نظر طويلا
بعينيه اللتين اكتسبتا لونهما من زرقته الى الجزء المتبقى من الوطن متوقعا أن يناديه قائلا : تعال ... ارجع ... كنت مازحا. كيف أضيق ممن تسع قلوبهم أرجائي المترامية الأطراف و لا أسع أحلامهم ؟
لم يحدث ذلك.دمعت عيناه وهو يرى اخر شبر من الوطن يتوارى خلف امتداد حدود البصر. نظر إلى الامام. رأى حلمه يسابقه و يختفي هناك . في بلاد الضباب و العنصرية و القتل المباح.
لم تحبطه الشرائع التي فصلت على قده . لم تعقه الحواجز التي تتكاثف كل يوم لإقبار أحلام البسطاء أمثاله.ثم لم يعرف من أين تماثلت أمامه صورة الشيخ "بوشتى " الذي وجد نفسه تخاطبه .
" رحماك يا شيخ. لم تكن شجاعا. بل لم تكن متبصرا بما فيه الكفاية. كنت واهما يوم اعتقدت أنك ستنصف حين تضحي بأحلامك الشخصية من أجل أحلام الوطن.أثنوك عن عزمك و قالوا:
الوطن في حاجة اليك يا بوشتى .
الوطن يستغيث بسواعدك القوية يا بوشتى .
لا تصم أذنيك عن نداءات الوطن يا بوشتى .
صدقت يا شيخ أو أرغمت نفسك على التصديق.بعدها ماذا صرت ؟ حطابا، وحين تلاشى ما تبقى من قوتك صرت متسولا .
لا تقل شيئا . لقد قرأت كل شئ في عيونك . ومن أجل ذلك .
سأمضي
سأحتمل
العيون التي ستنظر الي بريبة كلما طالعها وجهي . والقناص المتغطرس الذي سيتربص بي الدوائر.والأيادي التي سرقت منا بلا حساب و التي ستنعتني بالسرقة بالرغم من أن العرق الذي سيتصبب مني سينشف قبل أن اصرف الأجر الذي سأحصل عليه ".
يختفي و في الجهة الأخرى يظهر . متسكعا مجهول الأصل ، منبوذا يبحث عن تبن ،مهزوما مهوسا برد الاعتبار .
يبحث . في دروب التسكع. في سلال الاهمال.في فضاءات الضياع عن أشياء بخل عليه بها الوطن. البنادق صارت تبتغيه هدفا. و دمه صار بركا و غدرانا لمن يدعو للنقاء و التطهر.وقف في حيرة بين خيارين.اذلال الآخرين أم مهانة الوطن ؟
كان يقص عشب الحديقة حين أتوا.ساقوه و مضوا.حينها رأى شكلا من أشكال الوطن.أوقفوه عند منتصف ساحة نشر عليها قميص ملطخ بالدم. تحلقوا حوله.الأيادي تنعته.الشفاه تصرخ و تتوعد.سأله سائل : من أنت أولا ؟
ـ أنا ؟...أنا شئ ضاع من جوهر .
ـ لم أتيت الى هنا ؟
ـ لا أعرف،مثلما لا تعرف الفراشة لماذا تنجذب الى نور سيراج أو لهيب نار
ـ لكنك لست فراشة،أنت قد تكون صقرا ما دمت تذبح كل سنة كبشا؟
ـ لاصقرا ولا نسرا.أنا شخص بسيط وجد نفسه ذات صباح بعد أن لاح نور الفجر في الأفق أنه أتى الى هذا العالم.كبرت . خطوت خطواتي الأولى خارج البيت.تعرفت على أقران. كنا نلعب.نحول علب السمك الفارغة الى سيارات،نجرها بخيوط و نحدث ازيزا بأفواهنا. نبني منازل من طين. نصنع عرائس من قصب. ويوم كبرت،عرفت أن مشوار حياتي قد حددته أحلام و ألعاب الطفولة. جريت وراءها في كل الدروب،طفت كل الآفاق.كنت أقع. أقوم.أمسح العرق و أطوي سجلات الخيبة. وتحولت حياتي الى فتح و طي الصفحات عوض كتابتها.وفي كل الدروب التي سلكتها لم أر وجها للوطن.
ـ لا يهني شيئا من كل ما قلت،أنا أسألك بالتحديد. لم أتيت الى هنا ؟
ـ انتظر قليلا وستعرف أنك لست بريئا كما تتظاهر .
ـ هيا،أوجز.
ـ في يوم شديد القيظ ، كنت جالسا تحت ظل شجرة. هناك مر بي شيخ مسن و حكى لي قصة مثيرة عن ثروة جدي الذي صادرها منه أحد أسلافك. لحظتها رأيت أحلامي تمزق صدري و تعلو في الفضاء و تطير متخذة منحى شماليا. جريت وراءها بكل قواي حتى لا تغيب عني فأتلفها.لا أعرف كيف قطعت البحر.هل ركبت قوارب الموت ؟ هل استعملت عصا موسى ؟ المهم أني يوم نظرت للأرض وجدت نفسي هنا.
ـ تبرير سخيف لتجاوزات خطيرة. كنت سأراهن بأي ثمن على أنك كنت ستقول هذا الكلام، دائما نفس خطاب من سبقوك و من سيأتون بعدك.
ـ لا ،التجاوزات التي تمت كانت في حقنا. لقد نكبتمونا يوم كنتم هناك و الآن و أنتم تهدفون لأقباري بتهم باطلة. لكن لن يكون ذلك سهلا ـ اصمت أيها القذر و سنرى ما في امكانك أن تفعل و أنت تقضي بقية عمرك في الظلمة.
تعالى صياح و صفير المتحلقين،و امتقع وجه المحقق.أما هو فقد استدار جهة المتحلقين و قال لهم " شكرا لكم، ما يهمني الآن هو أن تعرفوا أن دماءكم ستستعمل حبرا لكتابة التمائم و التعاويذ عندما يجف دمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر