الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تكون المرأة إنسانا؟

رضوان بخرو

2019 / 3 / 31
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


على عكس الثقافة العربية، والتي تنظر إلى المرأة بعين احتقارية، واستصغارية في أحس الأحوال، في مجتمع ينزع إلى السلطة الذكورية المتسلّطة والمطلقة. رغم مرور أزيد من أربعة عشر قرنا على نهاية مرحلة الجاهلية العربية، إلا أننا وفي سنة 2016، عصر التكنولوجيا وعصر التلاقح الحضاري وردّ الإعتبار للكائن البشري، والعنصر النسوي بالأخص. تطلّ علينا بين الفينة والأخرى وقائع لا تمتّ بصِلة لهذه المرحلة التاريخية التي نعيشها. فبعد أن أصبحت ظاهرة منع المرأة من قيادة السيارة لدى سكان الحجاز أمرًا عاديا ومألوفاً، على اعتبار أنها بقايا من رواسب الثقافة العربية الجاهلية، وكذلك الرعاية المباركة والميمونة، التي تحظى بهما هذه السلوكات من لدُن الوهابية المتطرّفة، التي تعمل على تجريد المرأة من إنسيتها، واعتبارها مجرد آلة بشرية تنحصر وظيفتها في هذه الحياة بين تفريخ النسل، وإشباع النزوات والمكبوتات الجنسية التي لا تكاد تنتهي لدى الرجل العربي. لكن أن يأتينا من ينسبون أنفسهم غصباً إلى" العمل الأكاديمي" ومن داخل مؤسسة سمّت نفسها ظلماً وبهتاناً بالمؤسسة الأكاديمية، وتنظم دورة "أكاديمية" كذلك، وتحت شعار وما أدراك ما شعار، شعار بالخط العريض: هل المرأة إنسان؟ فحقّا إنه لأمرٌ عُجاب وما يثيره ذلك من الدهشة والاستغراب! إنه الجهل المُقدّس بعينه بتعبير الدكتور محمد آركون، جهل يؤسس لثقافة العبودية . حيث أن هذا التمظهر لا يمكن اعتباره حالة شاذة ومعزولة، بقدر ما يعبّر عن المفارقة العجيبة التي تعيشها دويلات البترودولار. فبالرغم من امتلاكها أموالا هائلة وطائلة، تستطيع من خلالها أن تؤسّس لبناء واستنهاض حضارة جديدة متنورة، تبدأ من تجفيف واستئصال تجليات الثقافة البعيرية المتخلفة، لكن العكس هو الذي يحدث، ويصدرّون التخلف الحضاري والإرهاب الطائفي المدمّر للشعوب؛ لشعوب اأخرى لها حضارتها، وقيمها الإنسانية النبيلة القائمة على الإنفتاح، وتقبل الآخر، والتعايش،.. من أجل تدمير الحضارة وتخريب العمران بلغة ابن خلدون للفتك بالإنسان والإنسانية.
وللعودة إلى درس من الدروس التي تلقيناها في مادة اللغة العربية بالمقرر الدّراسي السابق، نتذكر قصة " زرقاء اليمامة" التي يعتبرها العرب رمزًا للمرأة العربية. إذ تحكي القصة عن قدرات بصرية خارقة تتمتع بها هذه المرأة، وكانت بمثابة جهاز رصد حقيقي. إلى هنا كل شيء عادي، لكن عندما نواصل قراءة قصة زرقاء اليمامة، نكتشف كيف أن أهلها وأبناء قبيلتها، بشبه الجزيرة العربية كذّبوها، ولم يأخذوا كلامها مأخذ الجدّ؛ عندما أخبرتهم أنها تشاهد جحافل من الأشجار تتحرك في اتجاههم، وكيف استهزؤوا بها و احتقروها، واعتبروا ما قالته مجرد أضغاث أحلام ليس إلا. لكن بعد أيام معدودة سيفاجأ قوم الزرقاء بهجوم مباغت من طرف إحدى القبائل. حيث تم الاستعانة بحمل أشجار واقفة كأسلوب تكتيكي من طرف المهاجمين بغية خداع عيون المرأة/الرادار وأهاليها. لكن الندم لا ينفع عند فوات الأوان كما يقال؛ فقد تم اعتقال زرقاء اليمامة بعد أن هُزم كل من حولها، لتُخيّر بين خدمة العدّو ببصرها أو تجريدها من سلاحها الفتاك أي نزع عينيها انتقاما منها.
لكن يبقى المهم من هذا كله هو ما تم جنيه من وبال الأمر بعد عدم الإيمان بقدرات المرأة وكفاءاتها، وذلك من منطلق الصورة النمطية للمرأة في المتخيل الجمعي لدى المجتمع العربي، كون الأخيرة كاذبة ولو صدقت، خائنة و لو أخلصت، عاجزة ولو قدرت...
في الثقافة الأمازيغية، الأمر مختلف تماماً، فإسم "تمغارت" يختزل كل شيء، ويدل على المكانة الحقيقية للمرأة في المجتمع الأمازيغي. فمصطلح "تمغارت" هي مؤنث " أمغار" الذي يعني القائد أو الزعيم. ومن هنا فالمرأة الأمازيغية تبوأت مكانة مرموقة في الحياة اليومية، ولم تكن يوما كائنا مقموعاً، بل ظلت على الدوام مُشارِكة وفَاعِلة في مختلف مناحي الحياة في المجتمع، ووصلت لتكون قائدة لشعوب شمال افريقيا على مراحل مختلفة من التاريخ الحافل برموز المرأة الأمازيغية، وما الملكة ديهيا(585 م - 712 م) لخير دليل. هذه القائدة العسكرية والسياسية، التي حكمت شمال افريقيا وتصدّت للجيوش الأموية حتى آخر رمق من حياتها، و قد كانت شجاعتها وعبقريتها الفذّة وراء انبهار العرب بها، ما دفعهم إلى نعتها بـ "الكاهنة"، لأنهم لم يستوعبوا كيف لامرأة أن تحكم شعبا بحجم الشعب الأمازيغي، وهذا حسب اعتقادهم لن يتأتى لها إلا باستخدام القوى الخفية عن طريق السّحر والشعوذة، وخاصة أن المرأة بشبه الجزيرة العربية آنذاك، كانت تعاني الاضطهاد و الاستعباد من طرف قبضة السلطة الذكورية للعرب. وعن هذه الزعيمةـ ديهياـ قال المؤرخ ابن عذارى المراكشي: "جميع من بأفريقيا من الرومان منها خائفون وجميع الأمازيغ لها مطيعون".
فالمرأة الأمازيغية دائما ما كانت إلى جنب الرجل أيام الحرب والسلم، الشدة والرخاء، "تينيهنان" نموذج آخر بنون النسوة، كانت قائدة لدى الطوارق في الصحراء الكبرى، ورمز المرأة العطاوية عدجوموحا، التي قاتلت المستعمر الفرنسي في جبال صاغرو...
وفي الريف كانت المرأة مقدّسة إلى درجة لا تتصور، ولا يمكن لأي كان أن يمسها بسوء، ولو في المراحل أكثر دموية في تاريخ الريف ـ الريفوبليك ـ هذا ما تحدث عنه الباحث الأنتربولوجي الأمريكي دايفيد هارت، وفي هذه الفترات المشحونة والحرجة كان الرجل لا يستطيع الخروج من بيته منفردا ولو ببندقيته. لكن النساء كنّ يتحركن بكل حرية لممارسة الأنشطة الزراعية المعتادة وقضاء مآربهن الشخصية والعائلية من الأسواق النسائية، وهذه الأسواق لم تعد موجودة الآن.
أما خلال مرحلة الحرب التحريرية بالريف، فكان دور المرأة متميزا كذلك، سواء عبر تموين المقاتلين أو علاج المصابين والجرحى، وكذا تحفيز المقاومين بأغاني حماسية ملحمية، والتغني بالأبطال أو التشهير بالخونة. والجميع يعلم كيف أقدم مولاي موحند على منع التغني باشعار " إزران" خلال فترة الحرب، لكن بمجرد أن اعترضت سبيله إحدى النساء واستعطفته من أجل السماح لهن بترديد هذا الفن الهادف حتى تراجع عن ذلك بدون تردد.
ليس هذا وفقط، وإنما هناك مصادر تاريخية تتحدث عن مشاركة نساء ريفيات في حمل السلاح والتصدي للعدو، وهنا نموذج زوجة محمد الحراز (يجهل اسمها الحقيقي) التي قتلت ضابطاً اسبانيا.
فالإيمان بكفاءة المرأة الأمازيغية لم يكن من فراغ، ولا هبة من السماء، فنجاحها في تسيير شؤون البيت الريفي، وتربية النشئ أحسن تربية، وكذا شجاعتها منحت لها ثقة كانت أهلا لها، بعيدا عن نوايا التخوين والغدر، وهنا يتحدث مندوب المفوضية العليا لشؤون السكان الأصليين الكولونيل الإسباني" إميليو بلانكو إيثاكا" في كتابه الشهير Las dansas rifeñas، عن المرأة الأمازيغية الريفية وشجاعتها، وكيف أنها لم ترض أبدا بالذل أو تخون زوجها، وهو يستحضر فترة القضاء على ثورة حركة الريف التحررية بعد استسلام الأمير الخطابي، وتشتت المقاومة، حيث يورد مواقف تحسب لشهامة الريفيات، فبعد أن يتم طرد المقاومين واستغلال فرارهم للجبال، يحاول بعض الجنود الإسبان اغتصاب النساء انتقاما من أزواجهن، وهنا يحكي كيف للنساء الريفيات أن يسارعن إلى حظائر الأبقار لطلي انفسهن بالروث، وليصبح منظرهن مقرفاً للغاية، الأمر الذي يدفع الإسبان للتراجع عن خطواتهم الجبانة.
كما لا ننسى أن في العرف الأمازيغي، كل من ضُبط معتديا على المرأة، ولو كانت زوجته فسيغَرَّم بغرامة ثقيلة، لأن المرأة كائن يستحق مكانة تليق به، على اعتبار أنها عماد المجتمع، وحاضنة للثقافة واللغة الأمازيغيين، ولولاها لما بقيت الأمازيغية صامدة أمام هذا الغزو الثقافي العنيف الذي يحاصرنا من المشرق والمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وكالة تابعة للأمم المتحدة: عدم المساواة -تقتل النساء حرفيا-


.. الأمم المتحدة: مقتل نحو 10 آلاف امرأة في الحرب على غزة




.. ليوقع لها على قرض.. امرأة تصطحب جـ ـثـ ـة عمها إلى البنك


.. انطلاق أسبوع أفلام المرأة في الأردن




.. قصة صادمة.. امرأة تطلب قرضاً من البنك في البرازيل بجثة عمها