الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتب وعالم العزلة

صاحب الربيعي

2006 / 4 / 28
الادب والفن


يؤخذ على العلماء والفلاسفة والمبدعين انعزالهم عن المجتمع وغالباً ما يفسره البعض على أنه نوع من الانغلاق والتقوقع في أبراج عاجية يفصلهم عن الآخرين باعتبارهم أكثر ثقافة ومعرفة من غيرهم. والحقيقية أن مهنة الكاتب شأنها شأن المهن الأخرى، لها عالمها الخاص فمن المستحيل أن يكون الكاتب ناجحاً أن لم يتواصل مع المعرفة الجديدة ليزيد من مكتسباته المعرفية بغرض توظيفها في إنتاج معرفة جديدة.
الزمن عامل هام في حياة الكاتب يدفعه لأن يكون بخيلاً حتى على تحقيق رغباته الإنسانية، فيميل إلى العزلة لاستثمار الزمن في حدوده القصوى. عالم الكتابة له طقوس خاصة تلزم الكاتب بنمط محدد من الحياة يتقاطع والأنماط الأخرى في المجتمع، وينعكس ذلك على سلوكه وممارساته اليومية التي لايمكن أن يدركها غير أبناء الوسط المعرفي ذاتهم.
من هنا جاء سوء الفهم بين الكاتب والآخرون الذين يجدون أن علاقتهم بالكاتب علاقة وجدانية تتخطى علاقة الكاتب بالقارئ لتكون علاقة تواصل مباشر لتحقق أهدافها الحسية. وهذا الأمر يتعارض وطقوس وأنماط حياة الكاتب ذاته الساعي لاستثمار الوقت لرفع مستوى وعيه من خلال الهروب بروحه بعيداً عن الأنماط السائدة، ليتمكن من قراءة الواقع بصفاء نفسي تحكمه طقوس وأجواء ذاتية مغايرة عن الواقع السائد الذي يصعب على الآخرين فهمه وإدراكه.
إن لذات الكاتب فصولها ومناخاتها النفسية المتعاقبة والمختلفة عن فصول ومناخات الواقع الاجتماعي، ومن الطبيعي أن ينصاع الكاتب لمناخاته النفسية أكثر من فصول ومناخات محيطه الخارجي.
تقول ((باسكال))"إن لنفسي جوها وفصولها المنفصلة تمام الانفصال عن جو العالم وفصول السنة، فقد تهطل الأمطار وتتدفق السيول على الأرض وفي نفسي شموس شارقة وقد يكون الربيع باسماً للبشر وفي نفسي حزن ودموع وخريف دائم".
العزلة عالم روحي خاص لايمكن أن يستوعب كل الأرواح فيه فهو يستوعب فقط الأرواح التي لها صلاتها مع العوالم الكونية، هي وحدها يحق لها طلب اللجوء في عالم العزلة. تتنازع ذات الإنسان منظومتين، روحية وأرضية، تمارس كل منها سلطانها ومهامها في الحياة.
لكن حين تفرض إحداها أحكامها على الأخرى يتبدل سلوك ونمط حياة الإنسان فيصبح نمطه أما روحي وأما أرضي، فإن كانت منظومة التحكم للأرضية فقد الإنسان الإحساس والمشاعر وأن كانت منظومة التحكم للكونية تسامت الروح والجسد معا ليتبعا نمط وسلوك كوني مغاير عن نمط وسلوك الواقع السائد في المجتمع.
يعتقد ((ماترلنك))"أن الأرواح الاعتيادية لاتفهم أسرار العزلة وفوائد مناجاة النفس، مع أن الانفراد بالنفس أحياناً رياضة ضرورية للقلب والعقل. وأن الروح التي لاتشعر بالحاجة للانفراد هي روح فاسدة".
معظم العلماء والفلاسفة والمبدعين في العالم ما كان لهم أن يحققوا منجزاتهم من المعارف الإنسانية دون اختيارهم لعالم العزلة، عالم الانتماء للروح، عالم كوني يمنح مكوناته المعرفية للأرواح المنتمية إليه، عالم له صلاته الروحية مع أبنائه الذين أوكل لهم مهام المساهمة في تقدم ورقي البشرية.
عالم العزلة هو مسعى من الكاتب للارتقاء بالنفس والجسد معا عن واقعهما في الحياة، وهذا لايأتي إلا عن طريق الجهد والعمل المضني في اكتساب المعارف الإنسانية للارتقاء بالنفس لمصاف أقرب إلى مصاف كائنات العالم الكوني ليكون مؤهلاً للنهل من مكتسباتهم المعرفية لإنتاج معرفة جديدة.
إن المخاضات النفسية المتعددة التي يعيشها الكاتب مع نفسه تأسر روحه وتفصلها عن محيطها فيتسابق مع الزمن للارتقاء بمستوى وعيه لمراتب عليا فيأسره عالم العزلة ليتيح له الفسح اللازمة للقيام بمهامه الموكلة من العالم الكوني.
يخاطب ((كارلايل)) الفلاسفة والعلماء والمبدعين قائلاً:"يا محبي العزلة والصمت، أنتم ملح الأرض فإن لم تكونوا فيه فسد".
إن العالم الذي يمر بفترة ركود وسبات، بعلومه ومعارفه لابد أن يطاله الفساد ومن ثم التفسخ الذي يقوده للنفاء. الفلاسفة والعلماء والمفكرين والمبدعين، هم وحدهم القادرين على تحريكه وبث الروح فيه وإنقاذه من الفناء، هم وحدهم صانعي المعارف الإنسانية التي تحرك السكون وترفد الإنسانية بمعارف جديدة تجدد الحياة فيه وتبطل فساده!.
إن عزلة الفلاسفة والعلماء والمفكرين والمبدعين عن المجتمع ليست عزلة نرجسية ولاتعالي فارغ تأسره مظاهر تصنع الرفعة والسمو على الآخرين، إنه عالم خاص، عالم منتج لعلوم المعرفة لإنقاذ البشرية من ركودها وفسادها، عالم له صلاته الكونية ومهامه الموكلة المقتصرة على صفوات المجتمع والتي لايعيها الغارقون في بحار شؤونهم الخاصة في الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده