الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعر الإنسان لدينا ولديهم؟

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2019 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


سعر الإنسان لدينا ولديهم؟

لا يختلف إثنان في الفقة الإسلامي في "سعر" الإنسان بعد مماته. فدية القتيل عن طريق الخطأ تبلغ بإجماع الفقهاء 100 بعير. هذا السعر يسري على المسلم الذكر الحر، فيما تبلغ دية المرأة المسلمة الحرة النصف، أي 50 بعيرا فقط.. ما عدا ذلك هناك خلاف حول قيمة الذمي كاليهودي والمسيحي أو الكافر أو العبد. هذه الطريقة البالية الموروثة من عهود ما قبل الإسلام والتي تحدد للإنسان سعرا يقاس بعدد الحيوانات، ما زالت مثبتة في قوانين دول إسلامية عديدة، وفي مقدمتها السعودية وإيران. كما أن هذه النظرة المهينة لا تزال سائدة للأسف في العقل العربي وتتجلى بين الحين والآخر تحت شعارات وسلوكيات ومواقف مختلفة. ومن اللافت أن المجتمعات العربية لا تريد التعلم في هذا الشأن حتى من أعدائها المفترضين والحقيقيين، وأقربهم إسرائيل التي كثيرا ما تثبت تقديرها العالي لحياة مواطينها، بل ولقيمتهم حتى بعد مماتهم.
آخر درس في هذا الشأن هو نجاح إسرائيل في استعادة رفات أحد جنودها بعد 37 عاما من فقدانه. كان الجندي زخاريا باومل واحدا من ثلاثة جنود فقدوا في معركة أثناء اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان في عام 1982. حتى الآن لم تُكشف بعد أسرار هذه العملية المثيرة ولم تعرف تفاصيل الجهود العسكرية والاستخباراتية والسياسية التي بذلتها إسرائيل لاستعادة جثة جندي قُتل قبل نحو أربعة عقود. لكن الحدث يبين بوضوح أن "الكيان الصهيوني" يأخذ على محمل الجد إنقاذ أسراه ومستعد لدفع ثمن باهظ مقابل الحصول على جثث قتلاه لكي يدفنهم بطريقة لائقة. في نفس الوقت يصعب تصور مثل هذا التصرف في أي دولة عربية.
صحيح أن عملية استعادة رفات الجندي باومل جاءت قبل أيام قليلة من انتخابات الكنيست، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوظفها بذكاء ضد منافسيه، لكن يصعب على أعداء إسرئيل، وفي مقدمتهم العرب، نكران حرص الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مواطنيها عموما، وجنودها المفقودين خصوصا، واهتمامها بمشاعر ذويهم لأسباب دينية وسياسية. غير أن بعض وسائل الإعلام العربية التحريضية ومنها قناة الجزيرة رأت في ذلك قبل كل شيء تخاذلا من النظام السوري وخيانة لشعار المقاومة والممناعة. لم تتساءل القناة القطرية عن سبب نقل جثة الجندي من لبنان إلى سوريا، وما الهدف من الاحتفاظ بها طيلة هذه الفترة في سلوك يُعد انتهاكا سافرا لأبسط الأعراف الدولية. بدت القناة القطرية منزعجة جدا لأن الرئيس الروسي بوتين تدخل في القضية، وساهم بالتالي في تعطيل صفقة كان يُحضر لها تجار الجثث طيلة عقود. من الواضح أن ما يدعى بقوى الممانعة المتمثلة في النظام السوري وحزب الله اللبناني تعمدت التحفظ على هذه "السلعة الثمينة" حتى يرتفع سعرها في سوق التبادلات وحتى تحين فرصة سانحة لابتزاز العدو. في المقابل لا يوجد في تاريخ العرب قديما وحديثا مثال يشبه من بعيد أو قريب السلوك الإسرائيلي، بل على العكس هناك أمثلة لا حصر لها تثبت مدى استهانة الخطاب العربي بحياة الإنسان العربي بالذات.
عندما يريد زعيم عربي تهديد إسرائيل فإنه يهتف بأننا كلنا "مشاريع استشهاد"، وهو يقصد بالطبع استعداده للتضحية بحياة الناس. في الحروب المتكررة بين إسرائيل ولبنان وقطاع غزة كثيرا ما صرح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني وإسماعيل هنية زعيم حركة حماس – على سبيل المثال لا الحصر- أن النصر في المعركة الأخيرة كان مبينا، والدليل على ذلك هو التحسن المستمر في التناسب بين عدد الضحايا. ليس من النادر أن نسمع مثلا زعيما وهو يقول بكل فخر بإنه في المعارك السابقة كان الجانب العربي يعطي مقابل كل قتيل إسرائيلي عشرة "شهداء"، بينما تحسنت النسبة كثيرا في آخر منازلة مقدسة وأصبحت واحدا لخمسة! تمر مثل التصريحات المسيئة للحياة الإنسانية مرور الكرام وكأننا في سوق لتبادل العملات حيث توجد عملات صعبة كالدولار والشيكل والتي يبلغ سعرها أضعاف العملات البخسة كالدينار والليرة.
تجد هذه النظرة تطبيقها العملي فيما يدعى بـ "صفقات" تبادل الأسرى بين العدو الإسرائيلي وقوى المقاومة. منذ القدم جرت العادة أن تتبادل الأطراف المتحاربة بعد انتهاء القتال الأسرى وجثث القتلى. هكذا شهدت الحروب العربية-الإسرائيلية في 1948 و1967 و1973 عمليات تبادل للأسرى ضمن إطار إنساني بعيد عن الصخب الإعلامي والشعارات العنترية. لكن مع صعود نجم قوى الإسلام السياسي كحزب الله وحماس تلاشى البعد الإنساني للقضية وتحولت بالفعل إلى سوق للمزايدات. أشهر هذه الصفقات حدثت في بداية عام 2004 عندما أفرجت إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين مقابل تسليم حزب الله جثث 3 جنود إسرائيليين. حتى اللحظة الأخيرة لم يكشف حزب الله إن كان الجنود أحياء أم موتى. لم تكمن غرابة الموقف في هذا التصرف ولا في النسبة والتناسب، وإنما فيما حدث بعد إتمام الصفقة والذي فاق الخيال. ففي حين سلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على الإسرائيليين وهو يدفنون بحزن وصمت جنودهم، أطلقت قناة المنار التابعة لحزب الله وقناة الجزيرة ووسائل إعلام عربية كثيرة حملة تطبيل وتزمير للاحتفال بهذا النصر المبين على إسرائيل. استغرب العالم كثيرا وهو يرى بأن الجانب العربي يسيء فهم السلوك الإسرائيلي ويعتبره ضعفا، وحول قضية إنسانية إلى عرس قومي واحتفالات بنصر موهوم.
من المؤكد أن حزب الله اللبناني يعتبر نفسه أكبر الخاسرين في صفقة إخراج جثة الجندي زخاريا باومل من سوريا إلى إسرائيل. على الأرجح كان يُمني نفسه بنصر جديد عندما "يجبر" العدو على الدخول في صفقة جديدة غير متكافئة والتي تؤكد من جديد: ما أبخس قيمة الإنسان العربي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا